الخطيب: الشيخ عبد الجليل الزاكي
المكان: مسجد عيد الغدير بسيهات
التاريخ: الجمعة ١١ أبريل ٢٠٢٥م – الموافق ١٢ شوّال ١٤٤٦هـ
العنوان: شرف المؤمن بقيام الليل: بين البرمجة الروحية وثمرات الخلوة الإلهية
ملخّص الخطبة:
تحدّث الشيخ الزاكي عن أثر الذنوب والمعاصي في حرمان الإنسان من بركات صلاة الليل، مبيّنًا آثارها الروحية والدنيوية، ومعرّجًا على التوصيات العملية من العلماء والأولياء في سبيل تحصيل التوفيق لهذه العبادة العظيمة، بدءًا من برمجة النفس، وصولًا إلى الشوق والدعاء والندم على الفوت.
أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، حمدًا لا انقطاعَ له إلَّا رضاك، وبعد، الحمدُ للهِ من أولِ الدنيا إلى فنائِها، ومن الآخرةِ إلى بقائِها، الحمدُ للهِ على كلِّ نعمة. أستغفرُ اللهَ ربّي من كلِّ ذنبٍ وأتوبُ إليه.
ثم الصلاةُ والسلامُ على محمدٍ وآلهِ، وعلى آلِه الطيبينَ الطاهرينَ المنتجبينَ المعصومين، لا سيّما بقيةِ اللهِ في الأرضين، صاحبِ العصرِ والزمان، أرواحُنا لترابِ مقدمهِ الفداء.
اللهم صلِّ على محمدٍ وآلِ محمد. اللهم بلِّغْ مولايَ صاحبَ الزمان – صلواتُ اللهِ عليه – عن جميعِ المؤمنينَ والمؤمنات في الأرضِ ومغاربِها، وبرِّها وبحرِها، وسهلِها وجبلِها، حيِّهم وميتِهم، وعن والديّ وولدي، وعنّي، من الصلواتِ والتحيّاتِ زينةَ عرشِ اللهِ ومدادَ كلماتِه، ومنتهى رضاك، وعددَ ما أحصاهُ كتابُك، وأحاطَ به علمُك.
اللهم إني أُجدِّد له في هذا اليوم، وفي كلِّ يومٍ، عهدًا وعقدًا وبيعةً في رقبتي. اللهم شرّفتني بهذا التشريف، وفضّلتني بهذه الفضيلة، وخصّصتني بهذه النعمة، فصلِّ على مولانا وسيدنا صاحب الزمان، واجعلني من أنصارِه والذابّينَ عنه، واجعلني من المستشهدينَ بين يديه، طائعًا غيرَ مُكرَه، في الصفِّ الذي نَعَتَّ أهلَه في كتابِك، فقلت: ﴿صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾ [الصف: 4] على طاعتِك وطاعةِ رسولِك وآلِه – عليهم السلام.
اللهم هذه بيعةٌ له في عنقي إلى يومِ القيامة، اللهم ثبِّتني وإيّاكم على هذه البيعة، إنه على كلِّ شيءٍ قدير، وبالإجابةِ جدير، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآلهِ الطاهرين، اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد بعددِ ما خلقتَ وبرأتَ من خلقِك، الناطقِ والصامت، مما يُرى ومما لا يُرى، ما نعلم وما لا نعلم، إنك على كل شيء قدير.
كان حديثُنا هناك حول صلاة الليل في آخرِ مطاف حديثِنا، وقلنا: إنّ هناك أسبابًا بسببها يُحرَم الإنسانُ من قيامِ الليل ومن صلاتِه ومن توجُّهِه إلى الله سبحانه وتعالى، فيُحرَم تلك الخيراتِ والبركاتِ العظيمة.
كما بيّنا في الحديث – من أراد فليراجع – نُكمِل حديثَنا: من تلك الأسباب: الذنوبُ والمعاصي. فإنّ الذنوبَ والمعاصي تمنعُ الإنسان من قيام الليل، وذكرْنا الروايةَ عن أميرِ المؤمنين (عليه السلام) حينما جاءه رجلٌ يشكو له حالَه من حرمانِه من صلاةِ الليل، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): "أنتَ رجلٌ قيَّدَتْكَ ذنوبُكَ".
فإنّ الذنوبَ تُقيِّدُ الإنسانَ من قيامِه لله سبحانه وتعالى، وتقيِّده أيضًا من الدعاءِ والإنابة. بل تمنعُه من خيراتٍ وأرزاقٍ متعدِّدة. فيقول: لماذا أعيشُ حالةً من الضنكِ في المعيشة؟ السبب: تلك الذنوبُ والمعاصي.
وبالتالي، فإنّ هناك عِشْوَةً عن ذكرِ الله سبحانه وتعالى، فصار يعيشُ الضنك في حياته؛ لأنه ابتعدَ عن ذكرِ الله، وخصوصًا في صلاة الليل. ولذلك، قال الإمامُ الصادق (عليه السلام) – كما قلنا سابقًا –: "إذا أردتَ الآخرة، فعليكَ بصلاة الليل".
يعني هي ذاتُ حدَّين: في الدنيا بركاتُها عظيمة، وفي الآخرة كذلك.
صلاةُ الليل والانقطاعُ إلى الله سبحانه وتعالى...
نتابع الآن الجزء الثاني من الخطبة، والذي يتناول التوصيات العملية للمواظبة على صلاة الليل، ومعالجة الموانع التي تحول دونها.
من هنا، قلنا إننا سنتحدث عن بعض التوصيات العملية لقيام الليل، فكثيرًا ما نريد أن نقوم لله، ولكن لا نستطيع أحيانًا؛ بسبب ذنوبنا، أو بسبب بعض الأمور الأخرى.
فما هي التوصيات التي يُوصي بها أهلُ المعرفة، وعلماءُ الأخلاق، والأولياءُ الصالحون؟
نذكر بعضَ التوصيات سريعًا، على رؤوس أقلام، وإن بالإشارة يُفهَم، وكلُّكم – والحمد لله – أهلٌ لذلك.
أولًا: برمجة النفس والوقت
أنت حين تستمر في السهر الطويل، وتجلس إلى وقتٍ متأخّر، ثم تأتي لتنام، فهل هذا يُساعدك على القيام لصلاة الليل؟ كلا، تكون في حالة إرهاق وتعب، وبالتالي تُحرَم من قيام الليل.
حياتُنا اليوم انقلبت رأسًا على عقب؛ ليلُنا نهار، ونهارُنا ليل! فلم نعد نستفيد لا من الليل ولا من النهار! ثم بعد ذلك نصرخ: يا إلهي، مُنِعنا من الرزق، وأُصبنا بالبلاء، والأمراض، والعاهات، والابتلاءات... ولكن: ألسنا نحن من جرَّ هذا على أنفسنا؟! نحن من جلبنا الحرمان بأفعالنا وسلوكياتنا.
في السابق، لم تكن هناك إنارةٌ قوية، ولا كهرباء، فكان الناس يخلُدون إلى النوم بعد صلاة العشاء، ويستيقظون قبل الفجر براحةٍ وهدوء. حتى من الناحية العلمية، فإنّ النوم من العاشرة مساءً وما بعدها هو الفترة التي يستفيد منها الجسم أكثر من غيرها.
أما اليوم، فننام في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ولا نقوم بعدها كذلك. وغالبية السهرات – للأسف – لا تُثمر نفعًا، إنما في مجالس الغافلين الذين لا يذكرون الله، ولا يوم القيامة، ولا الحساب.
كل مجلسٍ لا يُذكر فيه الله، ولا يُذكر فيه النبي (ص) وآله، فهو مجلسُ غافلين. وأعظمُ ما يُبتلى به المؤمنون: الغفلة.
ولكن بعد أن يُكشَف الغطاء، ويحلّ يوم الحسرة والندامة – كما يُسمّى يوم القيامة – يتحسَّر الإنسان على ما ضيّع، ويقول: "يا خسارة، كان بإمكاني أن أُصلّي، أن أذكر الله، أن أذهب إلى صلاة الجماعة... لكني لم أفعل". ويقول الإمامُ الصادق (عليه السلام): "اعرفوا شيعتَنا عند محافظتِهم على أوقات الصلاة".
أين تُعرف؟ في البيوت؟ لا. في المساجد، وفي السفر، وفي مجال المرافقة والمعاشرة، نُميِّز المحافظ من غيره.
ثانيًا: الشوق والرغبة الشديدان للقيام لله
ما مقدارُ شوقك ورغبتِك في لقاء الله سبحانه وتعالى؟
الطالب في الامتحانات – مثلًا – يسهر في الليل؛ لأنه يريد أن ينجح ويتفوّق، فهل نحن لدينا شوقٌ إلى الدرجات الرفيعة عند الله؟ هل نحن نُبرمج وقتَنا لأجل الله كما نُبرمج سفرًا أو رحلةً ترفيهية؟
إذا كانت الطائرة تقلع عند الفجر، يستيقظ الإنسان قبل الفجر ويذهب إلى المطار، خوفًا من أن تفوته الرحلة. فهل فكّرت يومًا أن رحلتك مع الله أعظم من كل ذلك؟ إذا فاتتك تلك الرحلة مع الله... فأين تذهب؟
ثالثًا: الدعاء
ندعو الله سبحانه أن يُعينَنا على قيام الليل. كما قال تعالى في ختام سورة الكهف: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110] وورد في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): "مجرّدُ نيّةِ القيام، اللهُ سبحانه يوقظُك، ويُوكِل من يوقظُك". يبقى فقط أن تكون لك العزيمةُ والإرادة. فإذا أردتَ القيام، ادعُ الله بصدق، واذكر هذا الدعاء، وانوِ بصدق.
رابعًا: في حال فاتتك صلاة الليل، فماذا تفعل؟
١. الندمُ والحسرة:
عليك أن تشعر بالألم لفوات هذا الخير العظيم، فإنّ الله يُضيء على من يقوم في الليل، ويُكْسَى المؤمنون بنور الله في جوف الليل، ولهذا ترى وجوهَهم منيرة.
٢. قضاءُ صلاة الليل في النهار:
يُستحبّ قضاء صلاة الليل إذا فاتت، حتى على نحو الشفع والوتر فقط.
في رواية عن الإمام الكاظم (عليه السلام): "إذا قضى صلاة الليل، باهى الله به الملائكة، وقال: انظروا إلى عبدي، لم آمره فامتثل، اشهدوا أني قد غفرت له".
٣. التواصي بالحق – خصوصًا بين الأزواج:
كم هي مباركةٌ تلك الأسرة التي يتواصى فيها الزوجان على صلاة الليل. إذا قام أحدهما، يسمع الآخر صوت تضرّعه، فيقوم هو الآخر. فرقٌ بين من يُوقظه منبّه، ومن يُوقظه صوت أنين زوجٍ يناجي ربّه!
قال الإمام الصادق (عليه السلام): "ينبغي للرجل إذا صلّى بالليل أن يُسمِع أهلَه؛ لكي يقوم القائم، ويتحرّك المتحرّك".
ممتاز، ننتقل الآن إلى الجزء الثالث والأخير من الخطبة، والذي يتضمّن روايات أهل البيت (عليهم السلام) في فضل قيام الليل، وأثره على النورانية والعزّ، ويختم بالدعاء العام والتضرع لله تعالى.
فضل قيام الليل في الروايات:
نختم حديثنا ببعض الروايات عن فضل هذه الصلاة العظيمة، صلاة الليل، وكيف أن الإنسان إذا حُرِمَ منها، يشعر بالحسرة والندامة.
عن الإمام الصادق (عليه السلام)، في الكافي: "شرفُ المؤمن صلاتُه بالليل، وعزُّ المؤمن كفُّه عن أعراض الناس".
شرفُه في خلوته مع الله.
وعزُّه في أن لا يغتاب أحدًا، ولا ينال من أحدٍ بسوء.
وفي حديثٍ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال لجبرائيل: "عِظني". فقال جبرائيل: "يا محمد، عِشْ ما شئتَ فإنك ميِّت، وأحبِبْ ما شئت فإنك مُفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، واعلم أن شرف المؤمن صلاتُه بالليل، وعزَّه كفُّه عن أعراض الناس".
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): "المالُ والبنون زينةُ الحياة الدنيا، وثمان ركعاتٍ من آخر الليل والوتر زينةُ الآخرة، وقد جمعهما الله لأقوام". فمن حافظ على كليهما، نالَ الزينة في الدارين.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما رواه الشيخ المفيد (رضوان الله عليه): "إذا قام العبد من لذيذ مضجعه والنعاس في عينيه، ليرضي ربَّه بصلاة ليله، باهى الله به الملائكة، وقال: أما ترون عبدي هذا؟! قد قام من لذيذ مضجعه لصلاةٍ لم أفرضها عليه، أشهدكم أنّي قد غفرتُ له". يا له من كرم إلهي عظيم.
أثر الغيبة على روحانية المؤمن:
كثيرٌ من الناس يتساهلون فيها، بحجّة أنها "مزاح" أو "حديث عابر"، لكنها عند الله عظيمة.
عن النبي (صلى الله عليه وآله): "من ردَّ عن أخيه غيبةً سمعها في مجلس، ردَّ الله عنه ألفَ بابٍ من الشرّ في الدنيا والآخرة، وإن لم يردّها وهو قادر، كان عليه كوزر من اغتاب سبعين مرة".
وورد: "من اغتاب مؤمنًا، كأنما زنا بأمّه على ظهر الكعبة سبعين مرة".
وحرمة المؤمن أعظم عند الله من الكعبة.
فكيف نصلي الليل، ثم نهتك سترَ مؤمنٍ في النهار؟!
الدعاء والخاتمة:
"غفر الله لنا ولكم جميع ذنوبِنا ومعاصينا بمحمدٍ وآله صلوات الله عليهم أجمعين".
"اللهم عجِّل لوليِّك الفرج، والنصر، والعافية، واقضِ حوائجَه فوق رقابنا، وحوائجنا به يا كريم..."
"اللهم من كان في مقامنا هذا، رجالًا ونساءً، وجميع المؤمنين والمؤمنات، طالب حاجة، اللهم اقضِ حوائجهم، سهِّل مطالبهم، واغفر ذنوبهم، واستر عيوبهم..."
"اللهم اجعلنا مع محمدٍ وآله في الدنيا والآخرة، ولا تفرّق بيننا وبينهم طرفة عين أبدًا..."
"اللهم عرّفني نفسَك، فإنك إن لم تُعرّفني نفسَك لم أعرف نبيَّك..."
"اللهم لا تمتني ميتةً جاهلية، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمةً، إنك أنت الوهاب، برحمتك يا أرحم الراحمين..."
"وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمدٍ وآله الطيبين الطاهرين".
الشيخ جعفر السبحاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ شفيق جرادي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
د. سيد جاسم العلوي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
حمزة المفضال
شهيد الإسلام حمزة بن عبد المطلب
إسلام حمزة عليه السلام
قدرة العقل على معرفة الله
برونزيّة للاستشاريّة فاطمة العبّاد في معرض جنيف الدّولي للاختراعات
الولاية والتّمكين بين الاصطلاح وحراك المعنى (1)
أفضل معاملة مع الله
مهمَّة في القصر: أحداث من سيرة عليّ بن يقطين
معنى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾
أكبر خريطة دماغية على الإطلاق