الموسم العاشورائي 1446 هـ

الشيخ إسماعيل المشاجرة: الضبط الانفعالي وسبل إدارة الذات

الليلة التاسعة- محرم 1446 هـ
الشيخ إسماعيل المشاجرة
لضبط الانفعالي وسبل إدارة الذات
مجمع أهل البيت (ع) - عمان (مسقط) - 

 

لكنما الأمر والمرجع لله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ورد عن سيدنا ومولانا أبي عبد الله الحسين عليه السلام في خطبة له يوم عاشوراء: "أيها الناس، انسبوني من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، وانظروا إن كان يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي. أولست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين به والمصدقين لرسوله؟". صدق سيدنا ومولانا أبو عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه. في هذا المقطع من هذه الخطبة الشريفة، يلفتنا الإمام الحسين، سلام الله عليه، إلى أمر غاية في الأهمية، وهو مسألة مراجعة الذات. الذات في كثير من الأحيان تكون مرجعًا تصحيحيًّا لمسيرة الإنسان. يقول: "أيها الناس، انسبوني من أنا، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، وانظروا". إذًا النفس، مهما تكدرت، ومهما رانَت عليها المعاصي والذنوب والآثام، ومهما التبس عليها أمر الحق، يبقى في النفس الإنسانية موطن فطري ساخن يمكن الرجوع إليه والاحتكام إليه، وهو ما يُعبَّر عنه بالضمير. ما دام هناك ضمير ينبض، وما دامت هناك نفس لوامة، فيمكن الاحتكام إلى هذه النفس من أجل تصحيح مسيرة الإنسان وموقفه. نعم، إذا مُسِخَتْ فطرة الإنسان وطُبِعَ على قلبه، وأصبح كما يقول القرآن "كالأَنْعام بل هم أضل سبيلاً"، حينئذٍ لا يمكن أن يصحح الإنسان مساره.

وهذا ما يجعلنا نتحدث عن أمر يرتبط بظاهرة اجتماعية في السنين المتأخرة، وهو مسألة الضبط الانفعالي للإنسان وسبل إدارة الذات. كيف تدير قراراتك؟ كيف تتخذ قراراتك؟ كيف تنمي مهاراتك؟ نريد أن نوظف هذا العنوان للحديث عن علوم، أو قل بعبارة أصح، فنون أصبحت اليوم تشكل مساحة واسعة من ثقافة أبنائنا وبناتنا، وصارت جزءًا من الثقافة الاجتماعية العامة، وهو ما يُعرف بالتنمية البشرية وتطوير الذات. نريد أن نتحدث حول هذا المفهوم باعتباره مفهوماً حيوياً ومحل ابتلاء لكثير من الأسر وكثير من الأبناء. فنريد أن نلقي الضوء على هذا المفهوم من خلال الحديث ضمن ثلاثة محاور.

في المحور الأول، نتحدث عن مفهوم التنمية البشرية ومفهوم تطوير الذات، وما هو المقصود من هذين المفهومين.

وفي المحور الثاني، نقف على الآراء الأقوى والمواقف من هذه العلوم أو هذه الفنون.

وفي المحور الثالث، نقف مع التجربة الميدانية وبعض المشاهد في مجتمعاتنا مما يرتبط بهذه المفاهيم وبهذه الفنون.

 

طبعًا، أنا أصر على تسميتها فنون لأننا سنجد أن هناك جدلاً كبيرًا، بل الرأي السائد أن هذه المفاهيم لا يمكن إطلاق مسمى العلم عليها.

فتعالوا إلى المحور الأول، محور نظري نتعرف من خلاله على هذه المفاهيم، ونميز بينها بدقة، ونتعرف على مواضيعها والظواهر الثقافية والاجتماعية المرتبطة بها. ما هو المقصود من مفهوم التنمية البشرية؟ وما هو المقصود من مفهوم تطوير الذات؟ بل وما هو المقصود من مفهوم علم النفس الإيجابي؟ هذه ثلاثة مفاهيم تُستعمل على التناوب لتشير إلى حقول متشابهة ومتداخلة. فما هو المقصود من مفهوم التنمية البشرية؟ تسمعون اليوم عن علم التنمية البشرية ودورات في التنمية البشرية ودورات في تطوير الذات. قلت لكم عن مسمى مدربين أسريين ومدربين تربويين في علوم تطوير الذات وفي علوم التنمية البشرية. فماذا نقصد بهذا المفهوم؟ وكيف نتعاطى مع هذه الظاهرة التي أصبحت اليوم محل انتشار واسع في مجتمعاتنا؟ فهل يتقاطع مفهوم التنمية البشرية مع مفهوم تطوير الذات ومع مفهوم علم النفس الإيجابي؟

طبعًا، هنا يفرق أصحاب الاختصاص بين علم النفس الإيجابي وبين هذين المفهومين: مفهوم التنمية البشرية ومفهوم تطوير الذات. علم النفس الإيجابي هو علم أو فرع من فروع علم النفس، أنشأه عالم أمريكي هو رئيس الجمعية الأمريكية لعلوم النفس، اسمه مارتن سيليجمان، أنشأه عام 1998. وقال إن علم النفس في السنين الماضية دأب على التركيز على الأمراض والعقد النفسية وما يبتلى به البشر من اكتئاب ووساوس وعقد عميقة في النفس الإنسانية. فأصبح الطابع العام لعلم النفس أنه يعالج الأمراض ويهتم بالظواهر السلبية. فلماذا لا ننشئ علم نفس يركز على الجوانب الإيجابية؟ كيف نطور المهارات؟ كيف نعزز حالة الصمود عند الإنسان إذا ابتلي بمرض نفسي؟ يقول: لماذا لا نعزز الإنسان في مقابل الاحتراق الذي يعيشه إذا ابتلي بعقدة نفسية؟ فنشأ نتيجة لذلك علم اسمه علم النفس الإيجابي، وصار يهتم بتطوير المهارات وتطوير القدرات عند الأفراد. إذًا، علم النفس الإيجابي هو فرع من فروع علم النفس، وهو تخصص من التخصصات، ويعتبر فرعًا علميًا تعترف به كثير من الجامعات ويتخصص فيه أفراد، نظير علم النفس السلوكي.

فإذا دعونا ننحي هذا المفهوم جانبًا، لأنه مفهوم كما ترون يرتبط بفرع علمي من العلوم الإنسانية المعروفة، لكن ما يهمنا هو مناقشة هذين المفهومين: مفهوم التنمية البشرية ومفهوم تطوير الذات. طبعًا في الفترة الأخيرة، بدأ أحيانًا يُعبَّر عن هذه المفاهيم بعلم النفس الإيجابي حتى تأخذ هذه الفنون صبغة أكاديمية وصبغة علمية، باعتبار أننا سنؤكد أن هذه المفاهيم لا تشير إلى علوم معترف بها.

 

مفهوم التنمية البشرية، هذا مفهوم اقترحه عالم اقتصاد باكستاني، اسمه محبوب الحق، في تسعينيات القرن الماضي، قدّم ورقة عمل للأمم المتحدة تضمنت الإشارة إلى مؤشر التنمية البشرية. ماذا يريد بالتنمية البشرية؟ يقول: التنمية الاقتصادية التي تعتمد على الموارد البشرية، يعني كيف يمكن لأي مجتمع أن يطور قدراته الاقتصادية من خلال الاتكاء على البشر والقدرات البشرية. فأخذ هذا المصطلح الذي ورد ضمن ورقة اقتصادية بحته ووظف لإنشاء فن مرتبط بتطوير المهارات البشرية. إذًا هذا المفهوم في حقيقته مفهوم نُحت في بيئة اقتصادية، ثم استعير ضمن هذه الفنون. فأصبح مفهوم التنمية البشرية يُراد منه كل ما من شأنه أن ينمي القدرات البشرية. فإذا تحدثنا عن تطوير الكفاءات والمهارات والقدرات، فنحن نتحدث عن التنمية البشرية. وإذا تحدثنا عن نجاح الإنسان في التعاطي مع مجتمعه، في التعاطي مع الأفراد المحيطين به، في تحقيق ذاته، في إنجازات اقتصادية يستطيع أن يحققها، فنحن نتحدث عن التنمية البشرية. ثم تفرع على هذا المفهوم مفاهيم أخرى مرتبطة بتطوير الذات. فقالوا: إذا كنا نتحدث عن تنمية بشرية ترتبط بجماعات بشرية فهذا المفهوم يشملهم، ولكن إذا كنا نتحدث عن شخص بعينه فنحن نتحدث عن تطوير الذات وليس تطوير البشر. إذاً، انفصل مفهوم التنمية البشرية عن تطوير الذات وصار مفهوم التنمية البشرية أعم من مفهوم تطوير الذات. وأصبح عندنا مفهوم التنمية البشرية مرتبطًا بمفهوم تطوير الذات. علمًا أن مفهوم تطوير الذات الآن أصبح أيضًا جزءًا من مفهوم التنمية البشرية ولا ينفك عنها. يعني انفصل، لكن لا تزال هناك صلة جوهرية بهذا المفهوم. ثم المهتمون بهذا الشأن أيضًا استوردوا مفاهيم أخرى ترتبط بتطوير الإنسان. فمثلاً، أحضروا فنًا يعرف بفن البرمجة اللغوية العصبية المعبر عنها بـ "NLP". هذا مفهوم طوره عالمان أمريكيان، عالما نفس تطبيقيين. يعني علم نفس تطبيقي. هذان العالمان طوَّرا هذا المفهوم في سبعينيات القرن الماضي. المهتمون بمفهوم التنمية البشرية ومفهوم تطوير الذات أيضًا جاؤوا بهذا المفهوم فأقحموه. ومن هذه المفاهيم، أصبحت لدينا مفاهيم ثلاثة تشير إلى نفس الفنون ونفس النظريات ونفس الأساليب. احفظوا هذه المفاهيم الثلاثة، فهذه التوعية والتثقيف مهم جدًّا حتى يمكننا أن نتعاطى مع أبنائنا إذا صار لهم اتصال بهذا الجانب، يمكننا أن نوسع ثقافتنا حول هذه المعارف وحول هذه الفنون. نقرأ حولها:

مفهوم التنمية البشرية.

مفهوم تطوير الذات.

مفهوم البرمجة اللغوية العصبية الذي هو جزء من مفهوم تطوير الذات.

هذه ثلاثة مفاهيم تتحدث عن أساليب ومبادئ متشابهة. ما هي المواضيع التي تهتم بها التنمية البشرية أو تطوير الذات أو البرمجة اللغوية العصبية؟ طبعًا كما تلاحظون، المفاهيم بينها عموم وخصوص. مفهوم التنمية البشرية هو الأعم، ومفهوم تطوير الذات يأتي في مرتبة أقل، يعني أدنى من العمومية، ثم مفهوم البرمجة اللغوية العصبية يصبح هو الأخص والأقل سعة. ما هي المواضيع التي تهتم بها هذه الفنون؟ مواضيع عديدة وكلها محل جذب للشباب وللجيل الناشئ الذي يريد أن يطور مهاراته ويريد أن يطور قدراته. فتتناول التنمية البشرية مواضيع حساسة ومهمة جدًّا في تصحيح السلوك وتقويم السلوك. منها مثلاً:

- مفهوم تطوير الذات نفسه. كيف تطور ذاتك؟ كيف تطور قدراتك؟ كيف تطور مهاراتك؟ هذا من أهم المواضيع التي تتناولها هذه الفنون.

- مفهوم القدرة على التواصل مع الآخرين. فنون التواصل مع الآخرين. هذا أيضًا مما تهتم به هذه الفنون.

- أيضًا، مهارات أو أسرار النجاح. كما يعبر عنها بعضهم، أن هناك أسرارًا يمكن للإنسان إذا وقف على مبادئ معينة أن يجعل من نفسه شخصية ناجحة. فيعبرون عنها بأسرار النجاح.

- أيضًا، من ضمن المواضيع التي يتعاطاها هذا المفهوم أو هذا الفن، ما يعرف بإدارة الوقت. كيف تدير وقتك؟

- وأيضًا ما يعرف بلغة الجسد. كيف تجعل لغة الجسد تنسجم مع خطابك وحديثك؟

 

فنون التواصل، فنون الحوار، مهارات الإقناع.

كل هذه العناوين تهتم بها التنمية البشرية وتطوير الذات. فنحن أمام مواضيع مهمة جدًّا، ومواضيع إذا نجحنا في تحقيقها، فنحن ننجح في تنشئة أبنائنا تنشئة جيدة تجعل منهم شخصيات ناجحة، شخصيات قادرة على تحقيق النجاح على المستوى الفردي والمستوى الاجتماعي.

هل هذه المفاهيم تشير إلى علم؟ يعني هل لدينا علم تعترف به المؤسسات الأكاديمية اسمه علم التنمية البشرية أو علم تطوير الذات أو علم البرمجة اللغوية العصبية؟ لا، يكاد يتفق حتى المنخرطون في هذا المجال من المتخصصين، يعني الذين تخصصهم تنمية بشرية أو تطوير ذات، يتفقون أو يعترف جلهم بأن هذه المهارات لا تشكل علمًا، يعني لا تمثل علمًا أكاديميًا تعترف به المؤسسات الأكاديمية. ولذلك، لا يوجد اليوم في الجامعات تخصص تحت عنوان علوم التنمية البشرية أو علوم تطوير الذات أو علوم البرمجة اللغوية العصبية. قد تشير التنمية البشرية إلى مفهوم اقتصادي في جانب آخر، لكن علم اسمه علم التنمية البشرية لا يوجد عندنا علم بهذا المسمى. ولا يوجد عندنا علم بمسمى علم تطوير الذات، ولا يوجد عندنا علم بمسمى علم البرمجة اللغوية العصبية. إذًا، الكل يعترف، وحتى أكثر المختصين الذين يتعاطون هذه الفنون، بأن هذه المفاهيم لا تشير إلى علوم معترف بها في المؤسسات الأكاديمية. بل يصفها بعض الباحثين بأنها علوم ظنية، علوم وهمية. بعضهم يعبر بأنها علوم زائفة في مقابل العلوم الحقيقية. وهذا كما أشرت يعترف به جملة من المنخرطين في هذه التخصصات أو في هذه الشؤون.

بعض الممارسين لهذه الفنون يقول بأننا نأخذ نظريات من علوم مختلفة، هذه النظريات نشكل منها خلطة تساعد على تطوير الذات، تساعد على تنمية قدرات الأفراد. يعني مثلاً يقولون: من أهم النظريات التي نحن عادة ما نعتمد عليها:

- نظرية التطور النفسي لإريك إريكسون، عالم نفس ألماني.

- أيضًا، نظرية التطور المعرفي لجان بياجيه، عالم نفس سويسري معروف.

- النظرية النفسية لسيجموند فرويد. أيضًا هذه من النظريات التي تهتم بها فنون تطوير الذات وفنون التنمية البشرية.

- نظرية الذكاء الاجتماعي. هذه نظرية مطروحة في علم النفس، يقولون: نحن نستعيرها ونستعين بها.

إذًا، هؤلاء يقولون بأننا نعترف بأن هذه المفاهيم لا تشير إلى علوم حقيقية، لكنها تستقي جملة من النظريات من علوم أخرى. إلى هنا، فهمنا أن مفهوم التنمية البشرية ومفهوم تطوير الذات لا يشيران إلى علوم حقيقية، وإنما يشيران إلى علوم يصفها البعض بأنها علوم زائفة أو علوم وهمية. في حين، الفريق الذي يدافع عن هذه الفنون يقول: لا، نحن نأخذ نظريات من علوم أخرى ونشكل من خلالها هذه الأساليب وهذه الفنون.

إذًا، فنحن أمام أسلوب لمهارات معينة، تستقى بحسب نظر بعض الممارسين لهذه المهارات نظرياتها من بعض العلوم، ويعطي من انخرط في هذا المجال رؤاه وتصوراته ونظرياته. الأمر الذي يؤكد بأن هذه المعارف وهذه المهارات لا تشير إلى علوم حقيقية متفق على صحتها. بل إن البحث الأكاديمي يقرر بأن هذه المهارات هي إما مهارات شخصية، أو أنها مستفادة من علوم مختلفة، أو أحيانًا اجتهادات خاطئة من بعض الممارسين، وبعض الذين يتعاطون مع هذه الفنون.

طبعًا ظهرت كتب عديدة في هذا المجال، وأصبح لها تسويق كبير. باعتبار أن هذه العلوم، أو هذه التعاطيات، أصبحت لها شعبية كبيرة، فظهرت مؤلفات وكتب ترتبط بأساليب تطوير الذات وأساليب التنمية البشرية. من أهمها مثلاً:

- **العادات السبع للأشخاص الأكثر فعالية** لستيفن كوفي. هذا من أهم الكتب التي يروج لها، ويقال بأنها تعلم الإنسان مهارات تطوير ذاته.

- من ضمن أيضًا الكتب التي كتبت في هذا المجال، كتاب قوة العقل الباطن لجوزيف ميرفي.

- أيضًا من ضمن الكتب المهمة في هذا المجال، كتاب كيف توقظ العملاق الذي بداخلك لمؤلفه توني روبنز.

- أيضًا من ضمن الكتب التي كتبت في هذا المجال، قوة الذكاء الاجتماعي لمؤلف آخر اسمه توني بوزان.

 

إذًا، فهناك كتب تروج وتسوق لهذه المبادئ ولهذه الفنون، رغم اعتراف الجميع بأنها ليست علمًا حقيقيًّا. إذًا، من خلال المحور الأول، وقفنا على تثقيف وتنظير لهذه المفاهيم، وعرفنا ما هو المقصود منها، وما هي أهم المواضيع التي تتعاطاها، وما هي أهم الكتب وأهم النظريات التي تدور في فلكها.

تعالوا إلى المحور الثاني، التقييم الدقيق لهذه الأساليب. نحن نرى انتشارًا واسعًا في مجتمعاتنا، خصوصًا في مجتمعاتنا الخليجية. دورات علم تطوير الذات أو دورات تطوير الذات والتنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية، دورات منتشرة وشائعة، وبين حين وآخر نسمع عن المدرب الفلاني، وعن الأستاذ الفلاني، وعن المتخصص الفلاني. فإذا نحن معنيون أن نوعي أنفسنا ونثقف أنفسنا في كيفية التعاطي مع هذه الأساليب، ومع هذه المهارات، ومع هذه الفنون التي أحيانًا يطلق عليها مسمى علم كما أشرنا. هنا في الحقيقة، عدة آراء أطرحها تباعًا.

الرأي الأول: الرأي الذي يؤكد على نكران أن تكون هذه علومًا. وهؤلاء ينطلقون من هذه الرؤية للتأكيد على زيف هذه الفنون. فيقولون: ما دامت هي علوم زائفة، فلماذا يتعاطى معها المجتمع؟ ويقيم أصحاب هذا الرأي عدة أدلة للبرهنة على أن هذه الفنون ليست علومًا حقيقية.

- الدليل الأول: أنه إلى الآن، المؤسسات الأكاديمية لا تعترف بهذه الفنون، ولا تعتبرها علومًا، ولا تنشئ تخصصات باسمها كما أشرنا قبل قليل.

- الدليل الثاني: هذا أيضًا يقدمه بعض الباحثين والناقدين لهذه العلوم. يقولون: الدليل الثاني على أن هذه المهارات لا تشكل علمًا أن المتخصص فيها يستطيع أن يأخذ شهادة بتخصصه في فترة قياسية، أشهر معدودة أو أسابيع معدودة. يأخذ دورات، ثلاث، أربع دورات، ثم يحصل على شهادة معتمدة أنه أصبح مدربًا معتمدًا في هذه الشؤون. والحال أن الدرجات العلمية في التخصصات الأكاديمية تحتاج إلى دراسة لا تقل عن عدة سنوات. حتى تأخذ درجة البكالوريوس أو الماجستير تحتاج أن تدرس عدة سنوات، بينما نجد أن المتخصصين في هذه الفنون يحصلون على شهادات معتمدة من قبل المؤسسات التي تروج لهذه الفنون في ظرف أسابيع أو أشهر. فهذا يؤكد أن هذه العلوم لا تمثل علومًا حقيقية، ولو كانت كذلك، لكان الحصول على درجة تخصصية فيها يحتاج إلى فترة زمنية لا تقل عن سنوات.

 

- الدليل الثالث أيضًا الذي يؤكد عدم كون هذه الأساليب علمية: أننا نجد في بعض الأحيان تعارضات بين المتخصصين في هذه الفنون يصل إلى حد التناقض. أحدهم يقدم لك نظرية تتجه يمينًا، والآخر يقدم لك نظرية تتجه شمالًا، وكلاهما يؤكد أن هذه ليست نظرية وإنما مبدأ متسالم عليه ضمن هذه الفنون. ولا يمكن لأي علم من العلوم أن يقدم مسلمات متقاطعة ومتناقضة. فهذا أيضًا يقدم كدليل على أن فنون التنمية البشرية وفنون تطوير الذات ليست علومًا حقيقية وإنما علوم زائفة. هذه وجهة نظر موجودة ورائجة، ولها كتب كثيرة، وكتبت كتب لأجل التأكيد على هذا الجانب.

الرأي الثاني: رأي ينطلق من تصور ديني. وهذا يعني اتخذته بعض التيارات السلفية أن هذه العلوم تتعارض مع الدين وتتقاطع معه، وكثير من الأمور التي يروج لها هؤلاء فيها تعارض مع صريح الروايات ومع صريح التراث الإسلامي. وبالتالي، قسم من السلفيين حرّم التعاطي مع هذه الفنون وهذه الأساليب. إذًا، هذا موقف آخر.

الرأي الثالث: موقف المناصرين لهذا الاتجاه. وهؤلاء يصرون على أن هذه المعارف والأساليب تستقى، كما أشرنا في المحور الأول، من علوم معترف بها. وأن هذه الفنون والأساليب، صحيح أنها ليست علمًا، وهم يقرون بذلك، لكن يقولون: سبب كونها ليست علمًا أنها في طور التشكل الآن. لم يمضِ عليها إلا عقدان من الزمن، أو ثلاثة عقود. فتحتاج المؤسسات الأكاديمية إلى فترة زمنية كافية حتى تعترف بهذه العلوم وتقرها. ومن يحمل هذا الرأي هم غالبًا المنخرطون في هذا التخصص، والممارسون، المدربون المعتمدون من قبل بعض المؤسسات التي تعطي شهادات في هذا الاتجاه. فإذًا، الرأي الثالث يصر على أن هذه المعارف والأساليب تستند إلى أسس علمية. ويقدمون دليلًا على ذلك، فيقولون: "أدل دليل على صحة الأساليب التي نتعاطاها ونثقف الناس بها هو الأثر، الأثر السلوكي، الأثر الاجتماعي". أنت ترى دورات تدريبية تُعطى للشباب وللشابات، ويترتب على هذه الدورات آثار مثمرة. ترى أشخاصًا ناجحين في المجتمع، ناجحين في حياتهم الأسرية، ناجحين في حياتهم الاقتصادية. وسبب نجاحهم هو الثقافة التي استقوها من هذه المعارف. فإذًا، هذا الرأي الثالث يستدل على صحة هذه الفنون وهذه الأساليب من خلال الأثر. النتيجة تتبع المقدمات. ما دامت هناك نتائج جيدة تتحقق في هذا السبيل، فهذا يكشف عن أن هذه الأساليب وهذه المبادئ التي يسوق لها المنخرطون في فن التنمية البشرية وفن تطوير الذات فنون ومبادئ صحيحة. إذًا، هذا رأي ثالث.

الرأي الرابع: رأي يفصل. يقول: نحن ما يهمنا هو أن أي علم يفد إلينا أو أي ثقافة تَفِد إلينا، نُصَيْرِفُ هذه الثقافة ونزِنُها. إن كانت تتماشى مع قيمنا الدينية ومع قيمنا الاجتماعية ولها فوائد، فلا مانع من أن نأخذ بها. أما إذا كانت، ولو في بعض جوانبها، تتعارض مع قيمنا الدينية أو مع قيمنا الاجتماعية، فنرفض المقدار الذي يتعارض مع القيم الاجتماعية. وهذا رأي وسط جيد. يعني يقول: من حقنا أن نعطي لهؤلاء فرصة. ما دام أننا نجد أن بعض ممارساتهم وتثقيفهم أثمر على مستوى تنشئة الأبناء، على مستوى تنشئة المعنيين بالأسر، نحن نرى اليوم كثيرًا من المشاكل الأسرية يساهم هؤلاء المدربون المختصون في الشؤون الأسرية في معالجتها. فلماذا لا نعطي لهؤلاء فرصتهم؟ لعلهم يقدمون شيئًا يعود بالنفع على المجتمع. فإذًا، الرأي الرابع يقول: يجب أن نصيرف هذه الفنون، كل قطاع منها بحسب القطاع الذي يقدم معارف نافعة ومثمرة ولا تتعارض مع القيم الدينية. من قبيل ما أشرنا إليه: مهارات التواصل، تطوير القدرات الذاتية، تطوير الكفاءات، تطوير المواهب، تعليم الإنسان فنون التواصل مع الآخرين، فنون الحوار، تعليم الإنسان أساليب الذكاء الاجتماعي، أساليب الذكاء العاطفي. هذه الأمور لا مانع منها. أما إذا كانت بعض المعطيات تتقاطع مع جوانب دينية، من قبيل ما يسوق له تحت مسمى علوم الطاقة، وهذه سأتطرق إليها في المحور الأخير. هذه الجوانب من علم الطاقة في بعض معطياتها وبعض نظرياتها تتقاطع مع القيم الدينية. وبالتالي، يجب أن نكون على حذر من هذه الأساليب التي تُسوق وتروج من خلال ما يعرف بمفهوم التنمية البشرية ومفهوم تطوير الذات. إذاً، الرأي الرابع يرى بأننا يجب أن نفصل بين الأساليب والمهارات التي تُعطى تحت مفهوم التنمية البشرية ومفهوم تطوير الذات. إذا كانت تحقق ثمرات اجتماعية وسلوكية لأبنائنا ولا تتقاطع مع القيم الدينية والقيم الاجتماعية، فلا مانع منها. أما إذا كانت بعض جوانب هذه التخصصات لها مساس بالقضايا العقائدية أو تتقاطع مع قيم دينية أو مع روايات معتبرة تؤكد على جانب قيمي سلوكي معين، بينما تأتي قاعدة في علم تطوير الذات تتقاطع بوضوح مع رواية أو مع آية قرآنية أو مع مفهوم إسلامي واضح، فهذه المعارف يجب رفضها ولا يصح أن نفتح الباب لها. وهذا الرأي لعله من أهم الآراء.

 

الرأي الخامس والأخير: هو رأي ينادي به نفس المتخصصين والمنخرطين في هذه الفنون، وهو "أسلمة هذه الفنون". أن يصبح عندنا فن تطوير ذات إسلامي، فن تنمية بشرية إسلامية يستقي مبادئه وقيمه من التراث الإسلامي. وهذه دعوة جميلة. إذا وظفنا الروايات الواردة عن النبي (ص) والعترة الطاهرة بالنحو الذي نقولبها بقالب عصري تحت عنوان تطوير القدرات وتنمية الذات، فهذا لا مانع منه. ولكن هل ينجح أصحاب هذا الاختصاص فعلًا في إنشاء فرع من هذه المعارف المرتبطة بالتنمية البشرية وتطوير الذات تحت مسميات إسلامية؟ تركز على التراث، تركز على الروايات، تركز على التوصيات القرآنية والتوصيات الإسلامية المرتبطة بالجانب السلوكي، المرتبطة بضبط الانفعالات عند الإنسان، المرتبطة بالتعامل مع الزوجة في البيت، المرتبطة بالتعامل مع الأبناء، المرتبطة بعلاقة بر الوالدين. إذاً، عني المختصون بمثل هذا التراث الهائل، روايات كثيرة جدًّا، مساحة كبيرة من الروايات تتحدث عن الجوانب السلوكية. فيأتي هؤلاء، باعتبار أنهم متخصصون بالتنمية البشرية وتطوير الذات، فيوظفون هذه النصوص ويقدمونها في قالب عصريّ، ولو كان تحت مسمى تطوير الذات من رؤية إسلامية أو تنمية بشرية من رؤية إسلامية. هذا أيضًا رأي خامس لا بأس به.

إذاً، بعد هذا المرور على المواقف والآراء المرتبطة بهذه الفنون، تعالوا إلى المحور الأخير لنتحدث عن التجربة الاجتماعية المرتبطة بهذا الشأن. وهنا في الحقيقة أريد أن أستحضر مشهدين مهمين:

- المشهد الأول: مشهد إيجابي.

- المشهد الثاني: مشهد سلبي.

كلاهما مأخوذان من هذه الممارسات المرتبطة بمفهوم التنمية البشرية في المجتمعات الإسلامية، وخاصة مجتمعاتنا المحلية.

في العقود الأخيرة، هناك ارتفاع كبير في معدلات الطلاق، وهذه ظاهرة واضحة. إذا تحدثنا مثلًا عن السّلطنة، هنا مركز الإحصاء الوطني يقدم دراسة إحصائية لعدد حالات الطلاق. أنا وقفت على عدد حالات الطلاق إلى عام 2022. في عام 2020 كانت عدد حالات الطلاق في السلطنة 3400 حالة، وفي عام 2021 بلغت 3800 حالة، إذًا هناك خط تصاعدي. وفي عام 2022 بلغت 4160 حالة، يعني بمعدل 11 حالة طلاق في كل يوم. إذًا، هذه معضلة. أيضًا حينما ننظر إلى المجتمعات الخليجية الأخرى، مثلًا في المملكة العربية السعودية، هناك مؤشر الطلاق في تزايد مستمر.

لما نرجع إلى كلمات المختصين ونقف على أسباب الطلاق، هنا أيضًا دراسة قامت بها طالبة من جامعة السلطان قابوس، تتحدث عن أسباب حدوث الطلاق في المجتمع العماني.

السبب الأول: عدم إدراك حقوق الزوجة والحياة الزوجية. يعني من يقبلون على الزواج ليس لديهم ثقافة كافية لمعرفة الواجب الذي عليه والحق الذي له. وهذا السبب يشكل 70% من حالات الطلاق. إذا نحن أمام وعي ضعيف فيما يرتبط بجانب الحقوق الزوجية، الحقوق والواجبات.

سبب آخر: انعدام الحوار العاطفي. أيضًا من أسباب الطلاق أن الزوجين بمجرد أن تحصل بينهما خلافات ولو بسيطة، لا يعطون أنفسهم فرصة للحوار لتفكيك المشكلة، للبحث عن علاجها، لمعرفة أسبابها. بمجرد أن يحصل خلاف ولو بسيط، سرعان ما تتأزم العلاقة وتتطور وتؤول المسألة إلى الطلاق. وهذا السبب أيضًا يشكل 64% من أسباب الطلاق. إذًا، النسبة عالية جدًّا.

الجفاء في المعاملة والقسوة: يعني نسبة كبيرة من الأزواج ومن الزوجات لا يمتلكون ذكاءً عاطفيًّا. ونحن أشرنا أن من المهارات التي تقدمها دورات التنمية البشرية وتطوير الذات تنمية الذكاء العاطفي عند الفرد. وفعلاً من يقف على النظريات التي يقدمها هؤلاء، يجد أنها مثمرة وجيدة في تنمية الذكاء العاطفي عند الإنسان. وهذا العامل أيضًا نسبته عالية، 59%.

فتور المشاعر بين الزوجين: بعد الزواج بفترة بسيطة، تبدأ الحياة الروتينية تؤثر على الأزواج، ولا يمارس الزوجان تصرفات ذكية تبقي الحالة العاطفية في حالة اتقاد واشتعال مستمر. لا، يغلب على الحياة الأسرية والحياة الزوجية الروتين العادي، فتفتر العلاقة العاطفية. وهذا أيضًا يشكل نسبة 57% من أسباب الطلاق.

 

التدخل الشديد من قبل أهل الزوجين: وهذا عامل مهم جدًّا. وهذا العامل تلعب التوعية دورًا كبيرًا في الحد من تأثيره. إذا توعَّى الآباء والأمهات أن أي تدخل لهم في شأن الزوجين يعقد المسألة، فهذا يساعد كثيرًا على أن لا نصبح مساهمين مساهمة سلبية في حياة الزوجين. أنت كأب، أنت كأم، دائمًا إذا جاءت البنت واشتكت إليك، إذا جاء الولد واشتكى لك أو اشتكى لأمه، لا تتدخلوا في شؤونهما، أعطوهما فرصة، اتركوا لهما مساحة واسعة من الحديث ومن الحوار. غالبًا تدخل الأبوين، سواء من طرف الزوج أو من طرف الزوجة، يعقد المسألة أكثر. لماذا؟ لأنه ما دام الزوجان يشعران بأن المشكلة مقصور العلم بها عليهما، فإنهما يستصغران المشكلة. لكن بمجرد أن يفهم الزوج أن المشكلة تسربت إلى أهل الزوجة، أو تفهم الزوجة أن المشكلة عرف بها أهل الزوج، يستشعران أن المشكلة أصبحت ضخمة وكبيرة ولا يمكن علاجها. لذلك، من أهم الأساليب التي تساعد على تهدئة الأجواء ومعالجة المشاكل، حفاظ الزوجين على خصوصية علاقتهما بحيث لا يسربان المشاكل إلى الناس القريبين منهما. وأيضًا، دور الأهل، سواء أهل الزوج أو أهل الزوجة، بأن يكونوا على وعي بأن التدخل في غالب الأحيان يعقد المشكلة. فلا تنطلق من منطلق عاطفي. أنا أريد أن أنصر ابنتي أو أنصر ابني. ويصبح انتصارك لابنك أو لابنتك سببًا في هدم الأسرة. إذاً، هذا عامل مهم جدًّا. وهكذا هناك عوامل أخرى.

ما نريد أن نصل إليه أننا حينما استقرأنا هذه الأسباب، وجدنا أن فنون التنمية البشرية وفنون تطوير الذات تتعاطى بشكل مباشر مع هذه الأسباب. فلو فسحنا المجال للمتخصصين في هذه الشؤون أن يمارسوا دورًا توعويًّا وتثقيفيًّا للأبناء، للبنات، للأسر المحتضنة للزوجين، لأهل الزوج وأهل الزوجة، لربما ننجح بشكل باهر في تقليص نسب ارتفاع الطلاق. لأننا رأينا أن الأسباب كلها تعود إلى هذا الجانب. وعندنا تجربة ممتازة جدًّا في أحد المجتمعات القريبة في المملكة العربية السعودية. قرروا قبل ثلاث سنوات أن يعطوا ورشًا تدريبية للمقبلين على الزواج قبل الزواج. وهذه الورش التدريبية كلها تقدم من قبل المتدربين الأسريين الذين يعطون الأزواج مهارات التعامل مع الآخر. فنجحت هذه الدورات، هذا هو المهم. نجحت هذه الدورات التي كادت أن تصبح كالفرض. طبعًا هي لم تُفرض إلى الآن، لكنّ هناك حثًّا كبيرًا من المؤسسات الرسمية بضرورة أن تعقد ورش تثقيفية للزوجين قبل الزواج. وفعلاً، شاعت في المجتمع هذه الثقافة قبل ثلاث سنوات. فانخفض معدل الطلاق عام 2022 مقارنة بعام 2021 بنسبة 16%، وهو انخفاض كبير جدًّا وملحوظ. إذاً، فنحن نقول: هذا مشهد يكشف عن أن هذه الفنون وهذه الأساليب قد تلعب دورًا إيجابيًّا في توعية المجتمع، وفي أن تعود عليه بثمرات اجتماعية كبيرة جدًّا. هذا مشهد مشرق لما نعبر عنه بفنون تطوير الذات وفنون التنمية البشرية.

 

المشهد الآخر، مشهد مظلم: في السنوات الأخيرة، بدأ يحصل خلط وتداخل بين علم النفس الإيجابي وما يعرف بعلم الطاقة الإيجابية. هذا العلم الذي لا ندري من أين جاء، ولا توجد له أي أسس، حتى عند المتخصصين في فنون تطوير الذات وفنون التنمية البشرية، يقولون بأنه لا يوجد عندنا ضمن هذين المفهومين أي شيء يتصل بعلم الطاقة الإيجابية. لكن دخل على الخط هذا العلم، وتداخل مع علوم تطوير الذات، وبالتحديد مع البرمجة اللغوية العصبية. فتم تمرير قضايا بعيدة كل البعد عن القيم الدينية من خلال التداخل مع هذه الفنون. دخل ما يعرف باليوغا. (اليوغا) كتعريف، هي ممارسات جسدية ترتبط بحالة التأمل الذاتي وحالة تطوير الطاقة الذاتية. ويؤكد المختصون أن فن اليوغا من جهة يرتبط بالجانب الجسدي، ولكن له أيضًا اتصال بطقوس بوذية وثنية. فإذاً، هذه الممارسات التي تُمرر تحت عنوان اليوغا وتحت عنوان زيادة الطاقة الإيجابية عند الإنسان، بدأت تتماس مع قضايا عقدية. فينبغي للمختصين أن يعالجوا هذه القضية، وأن يتحققوا إذا كان فعلاً لها اتصال بطقوس ترتبط بالحالة الوثنية لتصبح خطًا أحمر. علم آخر أيضًا تحت عنوان علوم الطاقة، علم "الريكي". هذا أيضًا علم مستورد من اليابان، وأول من أنشأه عالم ياباني اسمه إيسوزي، إذا لم تخنّي الذاكرة. هذا العلم يقول: "بإمكاني من خلال إمرار يدي على جسد الإنسان المريض أن أُمرر له من خلال يدي الطاقة الإيجابية الكونية التي اكتسبتها من الكون إلى هذا المريض فأشفيه". وبدأ المروجون لعلوم الطاقة وعلم الطاقة الإيجابية يسوقون لهذه الفكرة. فبدأت هذه الثقافة تسري ضمن فنون تطوير الذات وضمن فنون التنمية البشرية. إذاً، نحن أمام مسار في هذه الفنون بدأ يتقاطع بشكل واضح وصريح مع القيم الدينية. لأنه لا توجد عندنا نحن في أدبياتنا الدينية أن الإنسان بقدرة قادر، قادر على أن يشفي المريض. هذا بالنتيجة مع مرور الوقت يتحول إلى شخصية مقدسة قادرة على أن تشفي المريض من خلال طاقة إيجابية. وهذا بلا إشكال أمر مرفوض تمامًا. بل إن بعض الباحثين يقول: "إن هذا مستمد من العقيدة البوذية والعقيدة الهندوسية." إذاً، فنحن أمام باب فُتح تحت عنوان علوم تطوير الذات وعلوم التنمية البشرية، بدأ من خلاله تسويق أفكار يعبر عنها بعض الباحثين بأنها أفكار وثنية، طقوس ترتبط بجانب وثني، وبعضهم يقول إنها ترتبط بفلسفات بوذية وفلسفات مادية بعيدة كل البعد عن الفلسفات التوحيدية. إذاً، هذا مشهد مخيف، ومن هنا ينبغي أن يكون المجتمع على حذر.

 

التوصيات الأخيرة التي نختم بها:

- أن التعاطي الإيجابي مع هذه الممارسات لا بأس به، لكن بشرط ضابطة الوعي.

- الجانب الآخر، يجب أن يكون المجتمع والأفراد على حذر، وكل ما يُعطى له في هذا السبيل، يعرضه على قيمه الدينية وعلى قيمه الاجتماعية. إذا رأى أنه يتعارض مع القيم الدينية، ولو على نحو الشك، أي شككت: هل هذه القضية تنسجم مع الدين أم لا تنسجم؟ فالأولى أن تتوقف ولا تتعاطى معها بإيجابية. وهذه مسؤولية مشتركة. مسؤولية من يحضر هذه الدورات، ومسؤولية من يعطي هذه الدورات. والمسؤولية على من يعطي هذه الدورات أكبر، لأنه يمتلك معرفة أوسع. وبالتالي، من واجبه الديني ومن واجبه الاجتماعي أن يقيم المعارف التي يعطيها وفق الضابطة الدينية. لأن الدين هو صمام الأمان لنجاح المجتمعات ونجاح المشاريع الكبرى في المجتمعات.

لاحظ هذا المشروع الذي قدمه لنا الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه في عاشوراء. مشروع ينطلق من الدين والقيم الدينية. ولذلك، رأى الإمام الحسين، سلام الله عليه، أن تقديم أبنائه وأهل بيته في سبيل الدين أمر ميسور. يضحي بأبنائه، يضحي بأحب الأبناء إليه. لما جاء إليه علي الأكبر يستأذنه للقتال، يقول بعضهم: إن الإمام الحسين لحبه للأكبر وتعلقه به ومقامه عنده، لم يستطع أن يعطي الإذن صريحًا لعلي الأكبر، وإنما رفع يديه، رفع سبابتيه إلى السماء صورة المتوعد، أي يخاطب عمر بن سعد واتباعه. "يا ابن سعد، قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تراعِ قرابتي من رسول الله". ثم قال: "اللهم اشهد على هؤلاء القوم، أنهم قد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقًا وخلقًا ومنطقًا بنبيك، وكنا إذا اشتقنا النظر إلى رسولك نظرنا إليه. اللهم مزقهم تمزيقًا ولا ترضي الولاة عنهم أبدًا". فهمَ علي الأكبر أن الإمام الحسين قد أذن له، فتقدم إلى الميدان، وقاتل في القوم قتال الأبطال إلى أن برز إليه بكر بن غانم، فعاجله الأكبر بضربة حيدرية وأرداه قتيلاً. ما زال علي الأكبر يقاتل بين يدي أبيه الحسين حتى لقي ربه صريعًا شهيدًا مقطع الأوصال في رمضاء كربلاء.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد