قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

نافذة على إعجاز القرآن‌ الكريم (2)

إنَّ الصورة التي يرسمها القرآن الكريم لعالم الوجود ونظامه صورة دقيقة مدروسة، فيعرض التوحيد بأكمل حالاته، ويعرض أسرار خلق الأرض والسماء والليل والنهار والشمس والقمر والنباتات والأشجار والإنسان على أنَّ كلاًّ منها آية تدل على وحدانية الله الأحد.

ويتعمق أحياناً في أغوار النفس الإنسانية ويتحدث عن التوحيد الفطري، فيقول: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾. [سورة العنكبوت، الآية 65]

وقد يسلك سبيل العقل والمنطق لإثبات التوحيد مستنداً الى السير في الآفاق وفي الانفس، ومذكّراً بأسرار خلق السموات والارض والحيوانات والجبال والبحار، وهطول الأمطار، وهبوب الرياح ودقائق أعضاء الإنسان: ﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ [سورة فصلت، الآية 53]

وعندما يكون الكلام عن صفات الله يختار أعمقها وأجلبها للنظر، فيقول: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَي‌ءٌ﴾. [سورة الشورى، الآية 11]

وفي مواضع اخرى‌ يقول: ﴿هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. [سورة الحشر، الآيات 22- 24]

 

ويعبر تعبيراً جميلاً عن وصف علم الله اللامحدود، فيقول:

﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. [سورة لقمان، الآية 27]

وعن إحاطة الله بكل شيء وحضوره في كل مكان، يقول: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. [سورة البقرة، الآية 115]

﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾. [سورة الحديد، الآية 4]

وعندما يدور الكلام حول البعث ويوم القيامة، يواجه دهشة المشركين وإنكارهم بقوله:

﴿قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [سورة يس، الآيات 78- 82]

في تلك الأيام التي لم يكن فيها قد تمّ اكتشاف التصوير وتسجيل الأصوات، يقول القرآن الكريم بشأن أعمال الإنسان:

﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾. [سورة الزلزلة، الآية 4- 5]

وقد يتحدث عن شهادة أعضاء الإنسان فيقول: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ﴾. [سورة يس، الآية 65]

﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾. [سورة فصلت، الآية 21]

إنَّ قيمة العلوم القرآنية وعظمة محتواها وخلوها من الخرافات، لا تتضح إلا إذا وضعت إلى جانب التّوراة والإنجيل المحرفتين للمقارنة بينهما، لنرى‌ ما تقول التّوراة بشأن خلق آدم وما يقول القرآن الكريم بهذا الشأن.

وماذا تقول التّوراة بشأن الأنبياء وما يقوله القرآن المجيد.

وما تقوله التوراة والأنجيل في وصف الله، وما يقوله القرآن في ذلك. عندئذ يتبين الفرق واضحاً بينهما.

 

القرآن والاكتشافات العلمية المعاصرة

لا شك أنَّ القرآن ليس كتاباً من كتب العلوم الطّبيعية أو الطّبية أو النّفسية أو الرّياضية، بل أن القرآن كتاب هداية وبناء لروح الإنسان.

فهو لا يترك شيئاً ضرورياً في هذا السبيل إلا وأتى‌ به.

لذلك ليس لنا بالطّبع أنْ نرى في القرآن دائرة معارف عامّة، بل أن القرآن عبارة عن نور الإيمان والهداية والتقوى والإنسانية والأخلاق والنظام والقانون، فهو يضم كل هذه الأمور.

والقرآن ومن أجل الوصول إلى هذه الأهداف، يشير أحياناً إلى جانب من العلوم الطبيعية وأسرار الخلق وعجائب عالم الوجود وخاصة خلال بحوث التوحيد والاستدلال بنظام الكون، فيرفع الستار عن بعض أسرار عالم الخلق ويكشف أموراً لم يكن أحد يعرف عنها شيئاً في ذلك الزمان وفي تلك البيئة، حتى العلماء منهم.

 

هذه الأسرار تجتمع تحت عنوان «معجزات القرآن العلمية»، نشير إلى بعض منها في ما يلي:

القرآن وقانون الجاذبية

لم يكن أحد قبل (نيوتن) يعرف شيئاً عن قانون الجذب العام. ومن المعروف أنَّ (نيوتن) هذا كان يوماً جالساً تحت شجرة تفاح، فسقطت تفاحة من الشجرة على الأرض، فاستولى هذا الحدث الصغير على كل تفكيره وأمضى سنوات يفكر في القوة التي جذبت التفاحة إليها. لماذا لم ترتفع الى السماء؟ وبعد سنوات توصل إلى وضع قانون الجذب العام الذي يقول: «تتجاذب الكتلتان بنسبة طردية مع حاصل ضرب كتلتيهما وعكسياً مع مربع المسافة بين مركزي ثقليهما».

على أثر صياغة هذا القانون اتضح وضع المنظومة الشمسية.

لماذا تدور هذه الكواكب العظيمة كلّ في مدار حول الشمس؟ لماذا لا تهرب من هذا المدار وتنطلق في كل اتجاه؟ لماذا لا تتراكم بعضها فوق بعض؟ ما هذه القوّة التي تمسك هذه الأجرام في مدارات دقيقة في هذا الفضاء الشاسع، دون أنْ تتجاوزها حتى بمقدار رأس الإبرة؟

اكتشف (نيوتن) أنَّ حركة الجسم الدائرية تجعله يبتعد عن المركز، وقانون الجاذبية يجذبه إلى المركز، فإذا ما تعادلت هاتان القوتان، القوة الدافعة عن المركز، والقوة الجاذبة نحو المركز، أي إذا أوجدت «الكتلة» و«المسافة» من القوة «الجاذبة إلى الداخل» والقوّة «الدافعة إلى الخارج» مقادير متعادلة، بقي‌ الجسم يدور في مداره ولا يتعداه.

غير أنَّ القرآن قبل أكثر من ألف سنة من اكتشاف هذه القوانين قال في الآية الثّانية من سورة الرّعد:

﴿اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾.

وقد جاء في تفسير هذه الآية عن الإمام علي بن موسى الرّضا عليه السلام قوله: «أليس الله يقول‌ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها؟ قلت: بلى. قال: ثَمّ عمد لكن لا ترونها».

أهناك تعبير أوضح وأبسط في الأدب العربي من هذا القول عن قوّة الجاذبية: أعمدة غير مرئية، ليفهمه عامّة الناس؟

وفي حديث عن الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام نقرأ: «هذه النجوم التي في السّماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض مربوطة كل مدينة إلى عمود من نور».

يقول العلماء المعاصرون إن بين نجوم السماء نجوماً كثيرة تسكنها كائنات حيّة وعاقلة، وإنْ لم يكتشفوا بعد تفاصيلها.

 

دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس‌

يقول التاريخ إنَّ (غاليليو) الإيطالي كان أوّل من اكتشف دوران الأرض‌ حول نفسها قبل نحو أربعة قرون، بينما كان العلماء قبله يؤمنون بنظرية بطليموس المصري القائلة إن الأرض هي مركز الكون وإنَّ جميع الأجرام الأخرى تدور حولها.

وكان جزاء (غاليليو) على اكتشافه العملي هذا أن حكمت الكنيسة بكفره، ولم ينج من الموت إلا بإظهار الندم على اكتشافه ذاك. غير أن علماء آخرين تابعوا نظريته وأكّدوها بحيث أنها أصبحت اليوم من الأمور التي لا يختلف فيها اثنان، بل لقد ثبت بالتجارب الملموسة أنَّ الارض تدور حول نفسها، وخاصّة بعد التحليقات الفضائية الأخيرة.

وعليه فقد فقدت الأرض مركزيتها بالنسبة للكون بعد أنْ تبين أنَّنا كنا من قبل ضحية خطأ حواسنا، فكنا نخلط حركة الأرض بحركة مجموعة الثوابت والسيارات. إنَّنا نحن الذين نتحرك، وكنا نعتبرها هي التي تتحرك.

على كل حال، لقد سيطرت نظرية بطليموس نحو ألف وخمسمائة سنة على عقول العلماء. وعند ظهور القرآن لم يكن أحد يجرأ على القول بخلاف ذلك.

ولكننا إذا رجعنا الى آيات القرآن نجد أنَّه في الآية 88 من سورة «النمل» يتحدث عن حركة الأرض فيقول: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾.

هذه الآية تشير بوضوح إلى حركة الجبال مع أنَّنا نراها ساكنة جامدة. إنَّ تشبيه حركتها بحركة السحاب يفيد السرعة مع الهدوء.

أمّا التعبير عن حركة الأرض بحركة الجبال، فهو لكي يبيّن أهمية الموضوع، إذ لا حركة للجبال بغير حركة الأرض من تحتها، أي إنَّ حركتها هي حركة الأرض نفسها، سواء أكان المقصود دورانها حول نفسها، أم حول الشمس، أم كليهما.

تصور الآن عصراً كانت فيه جميع المحافل العلمية في العالم والإنسان العادي، يؤمنون بنظرية سكون الأرض ودوران الشمس والكواكب الأخرى حولها، ألا يكون الإخبار بحركة الأرض بهذا البيان معجزة علمية؟ خاصّة أنَّ المخبر إنسان أمّي لم يدخل مدرسة، بل أنَّه نشأ في محيط متخلف لا مدرسة فيه ولا تعليم. أفلا يكون هذا دليلاً على كون القرآن كتاباً سماوياً؟

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد