لقاءات

تسنيم الحبيب: لكلّ نصّ صوته الخاصّ

بين الكتابة للطّفل، والكتابة الشّعريّة التي بدأتها مع قصيدة التّفعيلة، والكتابة النّثريّة مع مجموعات من القصص السّرديّة المميّزة بطرحها ومعالجتها، يظهر أسلوبها الأدبيّ الهادىء والثائر في الوقت نفسه، فهي ترصد دهاليز الحياة وكواليسها، لتشكّل الحدث من "زاوية كانت الأكثر تأثيرًا، والأكثر تحفيزًا لقلقه". فلكلّ نصّ بنظرها "صوته الخاص". إنّها الكاتبة والشّاعرة الكويتية تسنيم الحبيب، التي أجرت معها نسرين نجم هذا الحوار:

 

 

بين القراءة والكتابة، مَن يفشي أسرار الرّوح والذّات للآخر؟ وهل القراءة أكسير الكتابة؟

(أنظر للقراءة على أنّها التّجوّل في بستان المفاهيم، ثمّ تأتي الكتابة مصداقًا عليها، لنقل إنّ القراءة والكتابة جناحان لطير واحد، لن يُجابه صِعاب التّحليق إلا بهما.. نعم ظننت سابقًا أنّ القراءة عمليّة محفّزة للكتابة، ولم أزل أظنّ ذلك وأصدّقه، غير أنّي - في ميدان الممارسة - عرفت وفهمت، أنّ دُربة الكتابة تحتاج إلى مِران عمليّ، الأمر يشبه المشي الصّبور في أماكن مجهولة لاكتشافها.

القراءة محفّز، والكتابة خلق، لن تعرف أدوات الرّبط بين العبارات إلّا عند مواجهة النّصّ نفسه، لن تستطيع ابتكار تركيب لغويّ، أو رسم شعور، أو العثور على تشبيه ما.. إلّا من خلال الكتابة ذاتها).

 

"إضاءات العتمة الأخيرة" المجموعة القصصيّة التي تتحدثين عنها بضمير "الأنا" بعكس ما هو شائع، هل تقصّدت حضور الأنا؟ ولماذا ؟ وهل الأنا هي الضّوء في عتمة الحياة؟

(كتبتُ إضاءات العتمة بعد ثلاث تجارب في ميدان القصّة، وللدّقّة سأؤكّد أنّ إضاءات العتمة ليست مجموعة قصصيّة وحسب، إنّما أستطيع أن أصنّفها وفق ترتيب أوسع وأقول إنّها مجموعة سرديّة، ذلك أنّها تحوي: قصصًا قصيرة، ومتواليتين قصصيتن، و قصصًا قصيرة جدًّا..

أمّا عن حضور الأنا؛ فهناك من يرى الكتابة بهذا الصّوت - أي ما يسمّى بتيّار الوعي - هو الأنسب لإيصال روح الشخصيّة إلى الـمُتلقّي، بينما يبقى السّارد العليم، يتحلّى بوقار يصعب معه التّماهي مع العمل.. نعم هذه رؤية، لكنّي لا أتّفق معها..

أنا أعتقد أنّ لكلّ نصّ صوته الخاص، لذا كتبت عبر تيار الوعي، وكتبت عبر صوت الرّاوي العليم، وكتبت بصيغة الـمُخاطَب الأصعب بعض النّصوص، فتركيبة النّصّ هي التي تُسيّر صوت الرّاوي.

في إضاءات العتمة، استخدمت ضمير الأنا بعدّة تجارب منها: تجربة الـمُحتضرة على سرير المرض، تجربة عامل المطبعة الـمُغترب، وغيرهما.. اعتقدت أنّ ذلك الصّوت سيجعل الشخوص متمثلة في ذهن القارئ، وسيكسبها لحمًا ودمًا).

 

 

 هل تؤمنين بأنّ القاصّ المميّز هو أشبه بعين (كاميرا) تراقب الحدث وتعيد صياغته كما تريد؟

(نعم.. أؤمن أنّ كلّ قاصّ يرصد الحياة كمتلصّص، أو ربما مُقيّم، أو حتى متشظٍّ.. لكنّه لا يمكن أن يكون غير عابئ. فهو يُعيد تشكيل الحدث أحيانًا، أو يعرضه من زاوية ما، زاوية كانت الأكثر تأثيرًا، والأكثر تحفيزًا لقلقه. وأحيانًا نعم، تأتي الصّياغة وِفق مُقرّرات القاصّ، غير أنّها أحيانًا كثيرة تتمرّد عليه أيضا!)>

 

مَن تودّع تسنيم الحبيب في "نشيد الوداع" وأيّ وداع هو؟

(كتبت هذا النّصّ لأستدعي به عليًّا.. عليًّا أمير المؤمنين الذي أفهمه بحنانه الغامر، وهو يودّع الدّنيا، ويودّع الأمّة الّتي سهرت على أمانها.. أقول فيه:

قولوا لأحبّتي ..

إنّ المسافة فيّ على قدر همسة..

وإنّ السّفر وشيك.. غير أنّ عينيّ باقيتان، نجمتان في وجه السماوات.

أحببتكم..

مرآة الله تعكس ملامح أرواحكم

صبرت في بيت الصّمت حتى

يسيل على ألسنتكم نهر الكلام.

قال لي

تصبّر أيّها الرّاعي

قلت أصبر

على ليل السّهاد

على الرّعيّة التي سدّوا آذانهم بأصابع يائسة..

بينما أدير السّاقية بالأمل.

قال لي: تصبّر أيّها الرّاعي

قلت أصبر على مكائد الأبواب..

وأبذر بوحي في دِلاء البئر.

سأصبر في دنياكم على قُرص الجوع

حاملًا قلبي في جراب القمح

خذوا قلبي أيّها الأحبّة الآن

ليؤنس بالنّبض وحشة صدوركم).

بين القصيدة والقصّة، أين تجد تسنيم الحبيب نفسها أكثر؟ وأيّهما يعبّر عنها بشكل أفضل؟

(بدأت الحكاية مع الشّعر، لا أدري هل هو التعبير السهل عن الذّات؟

كتبت نصوصًا شعريّة حول الوطن منذ الثّامنة، التزمت بذلك القالب: محاولة الوزن والحفاظ على القافية، ثمّ بعدها في عمر السابعة عشر بدأت أنحو إلى قصيدة التفعيلة، ولم أزل أكتب قصيدة النّثر إلى اليوم، لكنّي ولأكون صادقة، أعتقد أنّ محاولاتي الشّعريّة بسيطة، وأنظر إلى محاولاتي السّرديّة في ميدان الرّواية والقصّة بجديّة أكبر).

 

 

 لا ننسى اهتمامك بأدب الأطفال. كيف يمكن تمرير القصص والرسائل التربوية للأطفال بمهارة دون تطرّف أو قسوة؟

(الكتابة للطّفل هي الأصعب. ثـمّة معايير مهمّة، ما بين تحقيق الغرض والإمتاع ، وتحت كلّ معيار معايير أكثر، كالحرص على الموازنة بين القيمة دون الوعظ، وعلى تمرير التّجربة بنحو كبير الإدهاش والإمتاع ولذّة الاكتشاف وأحيان كثيرة الفكاهة).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد