الشَّفْع بمعنى الزوج مقابل الوتر بمعنى الواحد والفرد، فحين يعجز المرء عن أداء عملٍ ما بمفرده فإنّه يلجأ عادة لطلب مساعد ومعين، ويدعى هذا المعين والمساعد بالشافع والشفيع، أي أنّه عند اقترانه بذلك الأمر فإنّ الإنسان يأخذ منه القوّة ويمكّنه بفضل معونته وانضمامه أن ينجز ذلك العمل.
إنّ الإنسان بعقله وطبيعته وإرادته وحسّه واختياره قاصر بمفرده عن طيّ طريقه إلى الله، وسيَضِلُّ ويتيه فلا يهتي ، وسيُنهكه التعب والنصب، وستذلّه وتقهره المشاكل المادّيّة والمعنويّة. والقرآن هو الذي يأتي فيضاعف قدرة الإنسان وقوّته، ويمدّه بالعون في سيره ليطوي طريقه؛ تماماً كما تعجز القاطرة عن سحب القطار فيُستعان بقاطرة أخرى تقرن بها، فهذه القاطرة الثانية تدعى شفيعاً، أي أنّها القرين والمساعد في سحب القطار، وكالعجلة التي يعجز الفَرَس عن سحبها فيُقرن به آخر يشفع به فيسحبانها سويّاً، وكالعامل الذي ينوء بحمل عمود حديديّ ثقيل فيستعين بشفيع وشافع يعينه على حمله.
إنّ آيات القرآن التي تمتلك جميعاً خاصّيّة الدلالة والهداية والدواء والنور والشفاء والغذاء المعنويّ، تدخل في كلّ مرحلة من مراحل الحياة فتأخذ بِيَدِ الإنسان العاجز المتهالك وتُعينه على إنجاز عمله والوصول به إلى مقصده وغايته.
وهذه الشفاعة في الدنيا تظهر نفسها في اليوم الآخرة، وفي ذلك الموقف فإنّ القرآن يشفع بعنوان الشفيع ويُعين هناك مَن اعتاد الاستعانة به في الدنيا فيعبر به مراحل الظلمات وجهنّم.
روى الكلينيّ في «الكافي»؛ ومحمّد بن مسعود العيّاشيّ في تفسيره، كلًّا بسنده عن الصادق عليه السلام عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: أيُّهَا النَّاسُ! إنَّكُمْ في دَ ارِ هُدْنَةٍ؛ «1» وَأنْتُم عَلَى ظَهْرِ سَفَرٍ؛ وَالسَّيْرُ بِكُمْ سَرِيعٌ، وَقَدْ رَأيْتُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يُبْلِيانِ كُلَّ جَدِيدٍ وَيُقَرِّبَانِ كُلَّ بَعِيدٍ وَيَأتِيانِ بِكُلِّ مَوْعُودٍ، فَأعِدُّوا الجِهَازَ لِبُعْدِ المجَازِ!
قَالَ: فَقَامَ المقْدَادُ بْنُ الأسْوَدِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! وَمَا دَارُ الهُدْنَةِ ؟ فَقَالَ: دَارُ بَلَاغٍ وَانْقِطَاعٍ. فَإذَا الْتَبَسَتْ عَلَيْكُمُ الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المظْلِمِ فَعَلَيْكُمْ بِالقُرْآنِ فَإنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ. وَمَنْ جَعَلَهُ أمَامَهُ قَادَهُ إلى الجَنَّةِ، وَمَنْ جَعَلَهُ خَلْفَهُ سَاقَهُ إلى النَّارِ. وَهُوَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى خَيْرِ سَبِيلٍ، وَهُوَ كِتَابٌ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ وَتَحْصِيلٌ، وَهُوَ الفَصْلُ وَلَيْسَ بِالهَزْلِ. لَهُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ. فَظَاهِرُهُ حُكْمٌ وَبَاطِنُهُ عِلْمٌ. ظَاهِرُهُ أنِيقٌ وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ. لَهُ تَخُومٌ وَعَلَى تَخُومِهِ تُخُومٌ. لَا تُحْصَى عَجَائِبُهُ وَلَا تُبْلَى غَرَائِبُهُ. فِيهِ مَصَابِيحُ الهُدَى وَمَنَارُ الحِكْمَةِ وَدَلِيلٌ عَلَى المعْرِفَةِ لِمَنْ عَرَفَ الصِّفَةَ.
إلى هنا نهاية رواية العيّاشيّ في تفسيره، وأضاف لها في « لكافي» هذه التتمّة: فَلْيَجْلُ جَالٍ بَصَرَهُ، وَلْيَبْلُغِ الصِّفَةَ نَظَرَهُ، يَنْجُ مِنْ عَطَبٍ، وَيَخْلُصْ مِنْ نَشَبٍ، فَإنَّ الفِكْرَ حَيَاةُ قَلْبِ البَصِيرِ كَمَا يَمْشِي المسْتَنِيرُ في الظُّلُمَاتِ بِالنُّورِ.
فَعَلَيْكُمْ بِحُسْنِ التَّخَلُّصِ وَقِلَّةِ التَّرَبُّصِ. «2»
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - الهدنة المصالحة والمعاهدة على ترك القتال بين المسلمين والكفّار أو بين جيشين متحاربين.
(2) - مقدّمة « تفسير الصافي » ص 4 ، المقدّمة الأولى ، الطبعة القديمة ( الرحليّ ) ، وص 9 من طبعة الاوفسيت الحديثة ( الوزيريّ ) ؛ وكذا في « الكافي » ج 2 ، ص 598 و 599 ؛ وكذا في كتاب الروضة من « بحار الأنوار » عن « نوادر الراونديّ » عن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام ، راجع « بحار الأنوار » ج 17 ، ص 40 الطبعة القديمة ( الكمبانيّ ) ، وج 77 ، ص 134 و 135 من الطبعة الحديثة ؛ وفي « نوادر الراونديّ » ص 21 و 22 . وأورد في نسخة الراونديّ و « بحار الأنوار » الذي نقل عنه . ويأتيان بكلّ وعدٍ ووعيد ؛ وكذلك أورد . فقام المقداد بن الأسود فقال . يا رسول الله ! فما تأمرنا بالعمل ؟ فقال . إنّها دار بلاء وابتلاء وانقطاع وفناء . وأورد أيضاً . له نجومٌ وعلى نجومه نجوم ، وأورد أيضاً . لمن عرف النَّصِفَة فليرع رجل بصره ، وليبلغ النَّصفة نظره . وأورد كذلك . والنور يُحسن التخلّص ويقلّ التربّص .
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
عدنان الحاجي
السيد محمد باقر الصدر
السيد عباس نور الدين
السيد عادل العلوي
محمود حيدر
السيد جعفر مرتضى
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
السّنن التي تحكم المجتمع والتّاريخ من منظور قرآنيّ
التفكير الإيجابي والتطور الاجتماعي
القرآن في تشريعاته الرّاقية
الإسلام والديمقراطية
الخوارج، النّشأة والعقيدة
النّمر ضيف عرش البيان، وحديث حول أبي البحر الخطّي
معنى الإلوهيّة والرّبوبيّة
لماذا يلعب الأطفال اللعبة نفسها، أو يشاهدون المسلسل التلفزيوني نفسه مرارًا وتكرارًا؟
الإدراك في البحوث النّفسيّة
التّشيّع دائمًا عبر التاريخ