من التاريخ

بوح الأسرار: خلوة النبي (ص) بالزهراء (ع) قبل رحيله

عَنْ الإمام الكاظم عليه السلام قَالَ:  لَمَّا كَانَتِ اَللَّيْلَةُ اَلَّتِي قُبِضَ اَلنَّبِيُّ (ص) فِي صَبِيحَتِهَا، دَعَا عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَاَلْحَسَنَ وَاَلْحُسَيْنَ (ع) وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ اَلْبَابَ وَقَالَ: "يَا فَاطِمَةُ" وَأَدْنَاهَا مِنْهُ فَنَاجَاهَا مِنَ اَللَّيْلِ طَوِيلاً.

 

فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ خَرَجَ عَلِيٌّ وَمَعَهُ اَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ وَأَقَامُوا بِالْبَابِ، وَاَلنَّاسُ خَلْفَ اَلْبَابِ، وَنِسَاءُ اَلنَّبِيِّ (ص) يَنْظُرْنَ إِلَى عَلِيٍّ (ع) وَمَعَهُ اِبْنَاهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِأَمْرِ مَا أَخْرَجَكَ مِنْهُ رَسُولُ اَللَّهِ (ص) وَخَلاَ بِابْنَتِهِ دُونَكَ فِي هَذِهِ اَلسَّاعَةِ؟

 

فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ (ع): "قَدْ عَرَفْتُ اَلَّذِي خَلاَ بِهَا وَأَرَادَهَا لَهُ، وَهُوَ بَعْضُ مَا كُنْتِ فِيهِ وَأَبُوكِ وَصَاحِبَاهُ مِمَّا قَدْ سَمَّاهُ" فَوَجَمَتْ أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ كَلِمَةً.

 

قَالَ عَلِيٌّ (ع): فَمَا لَبِثْتُ أَنْ نَادَتْنِي فَاطِمَةُ (ع) فَدَخَلْتُ عَلَى اَلنَّبِيِّ (ص) وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَبَكَيْتُ وَلَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي حِينَ رَأَيْتُهُ بِتِلْكَ اَلْحَالِ يَجُودُ بِنَفْسِهِ.

 

فَقَالَ لِي: "مَا يُبْكِيكَ يَا عَلِيُّ؟ لَيْسَ هَذَا أَوَانُ اَلْبُكَاءِ، فَقَدْ حَانَ اَلْفِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَأَسْتَوْدِعُكَ اَللَّهَ يَا أَخِي، فَقَدِ اِخْتَارَنِي رَبِّي مَا عِنْدَهُ، وَإِنَّمَا بُكَائِي وَغَمِّي وَحُزْنِي عَلَيْكَ وَعَلَى هَذِهِ أَنْ تُضَيَّعَ بَعْدِي، فَقَدْ أَجْمَعَ اَلْقَوْمُ عَلَى ظُلْمِكُمْ، وَقَدْ أَسْتَوْدِعُكُمُ اَللَّهَ وَقَبِلَكُمْ مِنِّي وَدِيعَةً. يَا عَلِيُّ، إِنِّي قَدْ أَوْصَيْتُ فَاطِمَةَ اِبْنَتِي بِأَشْيَاءَ وَأَمَرْتُهَا أَنْ تُلْقِيَهَا إِلَيْكَ، فَأَنْفِذْهَا فَهِيَ اَلصَّادِقَةُ اَلصَّدُوقَةُ".

 

ثُمَّ ضَمَّهَا إِلَيْهِ وَقَبَّلَ رَأْسَهَا وَقَالَ: "فِدَاكِ أَبُوكِ يَا فَاطِمَةُ" فَعَلاَ صَوْتُهَا بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ ضَمَّهَا إِلَيْهِ وَقَالَ: "أَمَا وَاَللَّهِ لَيَنْتَقِمَنَّ اَللَّهُ رَبِّي وَلَيَغْضَبَنَّ لِغَضَبِكِ، فَالْوَيْلُ ثُمَّ اَلْوَيْلُ ثُمَّ اَلْوَيْلُ لِلظَّالِمِينَ".

 

ثُمَّ بَكَى رَسُولُ اَللَّهِ (ص)، قَالَ عَلِيٌّ (ع): "فَوَاَللَّهِ لَقَدْ حَسِبْتُ بَضْعَةً مِنِّي قَدْ ذَهَبَتْ لِبُكَائِهِ، حَتَّى هَمَلَتْ عَيْنَاهُ مِثْلَ اَلْمَطَرِ حَتَّى بَلَّتْ دُمُوعُهُ لِحْيَتَهُ وَمُلاَءَةً كَانَتْ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَلْتَزِمُ فَاطِمَةَ لاَ يُفَارِقُهَا، وَرَأْسُهُ عَلَى صَدْرِي وَأَنَا مِسْنَدُهُ، وَاَلْحَسَنُ وَاَلْحُسَيْنُ يُقَبِّلاَنِ قَدَمَيْهِ وَيَبْكِيَانِ بِأَعْلَى أَصْوَاتِهِمَا".

 

قَالَ عَلِيٌّ (ع): "فَلَوْ قُلْتُ إِنَّ جَبْرَئِيلَ فِي اَلْبَيْتِ لَصَدَقْتُ، لِأَنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ بُكَاءً وَنَغْمَةً لاَ أَعْرِفُهَا، وَكُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهَا أَصْوَاتُ اَلْمَلاَئِكَةِ لاَ أَشُكُّ فِيهَا، لِأَنَّ جَبْرَئِيلَ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْلِ تِلْكَ اَللَّيْلَةِ يُفَارِقُ اَلنَّبِيَّ (ص)، وَلَقَدْ رَأَيْتُ بُكَاءً مِنْهَا أَحْسَبُ أَنَّ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرَضِينَ قَدْ بَكَتْ لَهَا".

 

ثُمَّ قَالَ لَهَا: "يَا بُنَيَّةِ، اَللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ، وَهُوَ خَيْرُ خَلِيفَةٍ، وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، لَقَدْ بَكَى لِبُكَائِكِ عَرْشُ اَللَّهِ وَمَا حَوْلَهُ مِنَ اَلْمَلاَئِكَةِ وَاَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرَضُونَ وَمَا فِيهِمَا".

 

"يَا فَاطِمَةُ، وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، لَقَدْ حُرِّمَتِ اَلْجَنَّةُ عَلَى اَلْخَلاَئِقِ حَتَّى أَدْخُلَهَا، وَإِنَّكِ لَأَوَّلُ خَلْقِ اَللَّهِ يَدْخُلُهَا بَعْدِي كَاسِيَةً حَالِيَةً نَاعِمَةً".

 

"يَا فَاطِمَةُ، هَنِيئاً لَكِ، وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِنَّكِ لَسَيِّدَةُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِنَ اَلنِّسَاءِ، وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ إِنَّ جَهَنَّمَ لَتَزْفِرُ زَفْرَةً لاَ يَبْقَى مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ إِلاَّ صَعِقَ، فَيُنَادَى إِلَيْهَا أَنْ يَا جَهَنَّمُ، يَقُولُ لَكِ اَلْجَبَّارُ اُسْكُنِي بِعِزِّي، وَاِسْتَقِرِّي حَتَّى تَجُوزَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ (ص) إِلَى اَلْجِنَانِ، لاَ يَغْشَاهَا قَتَرٌ وَلاٰ ذِلَّةٌ".

 

"وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، لَيَدْخُلَنَّ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ، حَسَنٌ عَنْ يَمِينِكِ، وَحُسَيْنٌ عَنْ يَسَارِكِ، وَلَتُشْرِفِنَّ مِنْ أَعْلَى اَلْجِنَانِ بَيْنَ يَدَيِ اَللَّهِ فِي اَلْمَقَامِ اَلشَّرِيفِ، وَلِوَاءُ اَلْحَمْدِ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) يُكْسَى إِذَا كُسِيتُ وَيُحْبَى إِذَا حُبِيتُ. وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَأَقُومَنَّ بِخُصُومَةِ أَعْدَائِكِ، وَلَيَنْدَمَنَّ قَوْمٌ أَخَذُوا حَقَّكِ، وَقَطَعُوا مَوَدَّتَكِ، وَكَذَبُوا عَلَيَّ، وَلَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي فَأَقُولُ: أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ وَصَارُوا إِلَى اَلسَّعِيرِ".

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد