ترجمه بتصرف عدنان أحمد الحاجي
برفوسور علم النفس وطلاب من جامعة ميزوري قدموا رؤية ناهضة لتحسين الحوار المنفتح والصادق، الذي يسوده الاحترام والتواصل المتبادل بين طرفين (سواء أكانت العلاقة رومانسية أو غيرها)، بهدف فهم بعضهما بعض، وليس فقط لكسب النقاش أو إثبات وجهة نظر أو وجود أو سيطرة أحدهما مقابل الآخر.
في أول التقاء بين طرفين، يركز البعض على أن يكون الانطباع الأول جيدًا. ولكن عندما يتباهى أحدهم بنفسه باستمرار، فهذا الشخص غالبًا ما يظهر جانبًا من الغطرسة، (الغرور، أو التكبر أو الاستعلاء) (1، 2)).
عبر التاريخ، وصفت الثقافات والأوساط الأكاديمية الغطرسة بأوصاف مختلفة، على سبيل المثال، المثلوجيا (علم الأساطير) القديم، حيت اعتقد الملك الفارسي خشاريا الأول (توفي سنة 465 قبل الميلاد) أن جيشه قويٌّ لدرجة أنه قلّل من شأن اليونانيين - وخسر المعركة التي خاضها معهم خسارةً كارثية ودُمر أسطوله تمامًا بسبب ثقته المفرطة بنفسه وبجيشه وسوء تقديره لقوة الطرف الآخر.
هذا الدراسة التي أجراها باحثون في علم النفس تستكشف كيفية تأثير بعض السلوكيات، مثل التباهي والغطرسة، في ديناميكيات العلاقة مع الطرف الآخر. وقدم فريق من الباحثين في علم النفس من جامعة ميزوري مراجعة شاملة لما نشر من أبحاث ودراسات، تعدّ الأولى من نوعها، عن الغطرسة، كما قدم الفريق وسيلة لتصنيف الحالة على مستويات مختلفة من طيف الغطرسة (حيث قد تتفاوت شدةً وضعفًا على طول هذا الطيف. وهذا يعني أن للغطرسة مستوياتٍ أو درجاتٍ مختلفة، وليست ذات مستوىً ثابت)، على غرار طيف التوحد [وهذا التشبيه لا يعني أن الغطرسة حالة طبية مثل التوحد]. فقد يُبدي بعض الأشخاص مستوى غطرسة متدنيًا (ثقة مفرطة بالنفس أحيانًا)، أو قد يُبدي شخص آخر غطرسة شديدة المستوى (تكبر وتعالٍ على الآخرين).
قام نيلسون كوان Nelson Cowan، أستاذ السايكولوجيا المتميز في كلية الفنون والعلوم بجامعة ميزوري، بتأسيس فريق من طلاب الدراسات العليا واثنين من طلاب ما بعد الدكتوراه لإكمال هذا المشروع، وهو ما كان يعمل عليه ومهتمًا به طوال مسيرته المهنية. كوان، فوجئ بندرة الأبحاث حول الغطرسة وتفرقها في مجالات علمية مختلفة. ولذلك رغب في إنشاء قاعدة بيانات شاملة، ولهذا السبب جاءت الرغبة بجمع ما هو معروف عن الغطرسة بهدف الإفادة منها في تنظيم وتشجيع البحث العلمي في الغطرسة كظاهرة نفسية واجتماعية. علاوة على ذلك، للاستفادة منها في تشخيص بعض اضطرابات الشخصية.
بما أن مستويات الغطرسة تختلف شدةً وضعفًا بين الناس، لذا، بالإضافة إلى مراجعة ما نشر من أدبيات عن الغطرسة، اقترح الباحثون طريقة لتصنيف مستويات الغطرسة المختلفة عند الناس، وصمموا نظامًا لتصنيفها إلى ثلاثة أنواع لتسهيل دراستها علميًا:
1- الغطرسة الفردية - المبالغة في تقدير الشخص لقدراته أو سماته أو إنجازاته مقارنةً بما يملك في الواقع. مثلًا، قد يعتقد شخص أنه يملك قدرات فائقة في مجال معين، بينما هو مجرد شخص عادي.
2. الغطرسة المقارنة - تصنيف يبالغ فيه الشخص في قدراته أو سماته أو إنجازاته مقارنة بما عند أشخاص آخرين. والاعتقاد بأنه أفضل من الآخرين، حتى لو لم يكن في الواقع كذلك. مثلًا: قد يعتقد أنه أذكى من زملائه في الدراسة أو العمل رغم أنه غير متميز.
3. الغطرسة العدائية - تقليل الشخص من شأن قدرات الآخرين لإثبات تفوقه عليهم. أو تشويه سمعة الآخر بناءً على ادعاء التفوق عليه. مثلًا السخرية من أفكار الآخر حتى يشعر الناس بأهميته.
"لا يدعي كوان وفريقه أن بمقدور النظام الذي صمموه أن يقدم نظرة علمية متكاملة، بل يهدف إلى تقديم إطار عمل أو أساس أو منظور تحليلي للدراسات المستقبلية للغطرسة، يمكن تطبيقه على جميع أنواع العلاقات، مثل، العلاقات الشخصية بين الأفراد، أو حتى الحوارات السياسية بين الدول والأمم لنزع الخلافات السياسية".
نُشرت المراجعة المعنونة بـ "أسس الغطرسة: دراسة واسعة وإطار للبحث" في مجلة مراجعة دراسات علم النفس العام (3) Review of General Psychology.
الغطرسة: كيف يمكننا التعرف على الخصائص؟
خصائص المتغطرس
ليس من الضروري أن تتواجد كل هذه الخصائص أو العلامات دائمًا معًا في نفس الشخص. هناك درجات مختلفة من الغطرسة، وقد يكون الشخص متغطرساً بدرجة تتراوح بين القوة والضعف، مثل أي سمة من سمات الشخصية الأخرى،. هذا الخصائص هي كما يلي:
1 - الرغبة المفرطة في الحصول على استحسان الناس له والثناء عليه: من سمات المتغطرس أنه يحرص باستمرار على نيل إعجاب واستحسان الآخرين، وذلك بالتباهي بما حققه وأنجزه. يكن المتغطرس حبًّا كبيرًا ومودة لأولئك الذين يعجبون به ويثنون عليه ولكنه يكنُّ كرهًا لغير المبالين به.
2 - المتغطرس يتحدث باستمرار عن نفسه وإنجازاته: موضوعه أو محوره المفضل هو نفسه، ماذا فعل، ماذا اشترى، ماذا حدث له. كما يحب أن يكون مركز اهتمام الناس. ينزع إلى جذب الانتباه في أي تجمع اجتماعي. الكلام كله يدور حوله. إذا بدأ شخص غيره في الحديث عن شيء آخر، فإنه يحاول على الفور إعادة الانتباه إلى نفسه وجرّ الحديث إليه وعنه، وإذا لزم الأمر يقوم بمقاطعة غيره.
3- يبدو المتغطرس لطيفًا أو جذابًا أو محبوبًا للوهلة الأولى: المتغطرس غالبًا ما يترك انطباعًا جيدًا في أول مرة تلقاه - فقد يبدو لطيفًا وجذابًا حينئذ، لكن في جوهره، يفتقر إلى الوجدان ولا يكترث بمشاعر الآخرين، بل ينظر إليهم بازدراء، وأنانية ولا يفكر إلا في نفسه، ويكن الضغائن لغيره.
4- يعوض ما يشعر به من نقص داخلي: المتغطرس غالبًا ما يحاول إخفاء شعوره الداخلي بالضعف أو بعدم الأمان، وذلك بتصرفات مبالغ فيها. قد يتحدث بصوت عالٍ، أو يعاند، أو يرتدي ملابس تجذب الانتباه أو قد يتخايل في مشيته أو وقفته - كل ذلك ليظهر بمظهر الواثق من نفسه أو القوي. وعادة ما يُبالغ في تعويض ما يشعر به من نقص في ثقته بنفسه بمحاولة الظهور بمظهر القوة أو التفوق.
5- صعوبة في تكوين علاقات: المتغطرس غالبًا ما يجد صعوبة في تكوين علاقات مع الآخرين والحفاظ عليها. كبرياؤه وشعوره بالتفوق يدفعان الآخرين بالابتعاد عنه - فالناس عمومًا لا يرغبون ولا يستمتعون بتكوين علاقات مع من يتصرف وكأنه أفضل أو أكثر أهمية منهم. يعتقد المتغطرس أيضًا بأنه مستغنٍ عن غيره، معتقدًا أنه مكتفٍ ذاتيًّا تمامًا. ولكن مع الأيام، قد يؤدي به هذا الاعتقاد الفاسد إلى الشعور بالوحدة وعدم الراحة، وذلك لأن الإنسان اجتماعي بطبعه.
6- لا يعترف المتغطرس بأخطائه ولا يرحب بانتقادات غيره له: يعتبر المتغطرس أن كل ما يفعله مقبول ولا غبار عليه، وأنه لا يخطئ مطلقًا. وإذا حدث وأخطأ، يجد دائمًا مبررات يبرر بها خطأه أو يلقي باللوم على أشياء أخرى، مثل عدم الحصول على المعلومات الصحيحة، أو عدم الحصول عليها في الوقت المناسب، أو عدم وضوحها. وإذا انتقده أحد، يتخذ موقفًا اتقائيًّا ويرفض قبول ملاحظاته ولا يصغي لما يقال له، مدعيًا أنه لم يرتكب أي خطأً.
7- يجد صعوبة في الاعتذار أو طلب الصفح: المتغطرس نادرًا ما يعتذر أو يطلب الصفح، لأنه يعتقد أنه لا يخطئ مطلقًا. في نظره، اللوم دائمًا ما يقع على شخص آخر، وليس على نفسه، لذا لا يرى أي مبرر للاعتذار أو تحمل مسؤولية أفعاله.
8- لا يتسامح مع من يخالفه الرأي: المتغطرس لا يُظهر تسامحًا أو احترامًا يُذكر تجاه أي شخص يخالفه الرأي. بل يسارع إلى الحكم عليه وانتقاده، مسلطًا الضوء على عيوب أو أخطاء غيره - خاصةً إذا لم يرق إلى معاييره العالية (والتي غالبًا ما تكون غير واقعية)، وكثيرًا ما يشعر بالحاجة إلى تصحيحها، بل وأحيانًا يظهر تفوقه بتشويه صورة الآخر. كما أنه يحاول إفشال محاولة الأخرين إبراز نقاط ضعفه. ولكنه، من جهة أخرى، يخالط من يعتبرهم "جديرين" بوقته أو باهتمامه فقط ويتحدث إليهم.
الغطرسة مقابل الاعتزاز بالنفس
يبدو من المنطقي أن تقدير الذات (4) ضروري لنجاح أي شخص، ولكن إذا زاد عن حده، يمكن أن يتحول إلى سلوك متغطرس. الغطرسة وتقدير الذات يعتبران جانبًا من سلسلة متصلة continuum لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، أي إذا كان لدى أي شخص مستوىً كافٍ من تقدير الذات، ولكن أفرط فيه بعد ذلك، سيصل إلى نقطة قد يشعر بعدها بالغطرسة. لكن لا تجري الأمور بهذه الكيفية. كما لاحظنا أن لدى المتغطرس مشكلة وهي الشعور في أعماقه بعدم الأمان وفقدان تقدير الذات.
لذلك، فالغطرسة تتناقض مع تقدير الذات. فلو حاول من يعاني من تدني تقدير الذات العلاج لتحسين من ذلك المستوى المتدني، فلن يصبح متغطرساً. بل سيكتسب ثقةً متوازنةً بنفسه: سيؤمن بنقاط قوته وقدراته، ولكنه سيدرك أيضًا نقاط ضعفه ويسعى إلى ترميمها وتحسينها بطريقة سليمة ومتواضعة. ولذلك من شأن المستوى الكافي من تقدير الذات الحقيقي أن يفضي إلى الوعي بالذات والنمو، بينما الغطرسة تحجب العيوب وتضخم الأنا.
الاعتزاز بالنفس ليس بالضرورة سيئًا، بل يعتمد على نوعه.
نوعا الاعتزاز بالنفس:
1- الاعتزاز بالنفس الحقيقي: هذا النوع ينبثق من ثقة حقيقية، وشعور بالقدرة، والاعتزاز بالجهود المبذولة والإنجاز الحقيقي المحقق للأهداف. الشخص الذي يملك اعتزازًا بالنفس، لطيف ومستقر ومتوازن من الناحية النفسية. حين نشعر بالثقة بالإنتاجية، ويرتبط ذلك بالتوافق (التوافق هي سمة شخصية تتعلق بالطيبة والتعاطف والتعاون والحميمية واحترام مشاعر الآخرين (5) والاستقرار العاطفي. بمعنى آخر، تصف هذه العبارة حالة إيجابية يثق فيها الشخص بنفسه وينجز مهامه والنتائج المتوخاة منها بنجاح - وهو ما يعتبر جانبًا أساسًا من الاعتزاز الحقيقي بالنفس أو تقدير الذات الصحي.
2- الاعتزاز الاستعلائي بالنفس: حين ينطوي الاعتزاز بالنفس على الأنانية والغرور والتصرف مع الناس بفظاظة وعدوانية، وما إلى ذلك. وهو ما يعتبر مظهرًا سلبيًّا وغير صحي، حين يتحول إلى أنانية وغرور وعدوانية، فيُبالغ في تقدير ذاته وينظر إلى الآخرين باحتقار وازدراء. كما أنه يفتقر إلى عناصر التوافق (5)، حيث تغيب عنه الطيبة والتعاطف والتعاون والحميمية واحترام مشاعر الآخرين. وفي المقابل يشعر بعدم الأمان في أعماق نفسه وإن حاول إخفاء تحت بغطرسته.
عندما تُحسّن تقديرك لذاتك، فإنك تُحسّن بذلك تقديرك لذاتك الحقيقي، المبني على الثقة الحقيقية. وبذلك تحد من غرورك وغطرستك وأناك. ونتيجةً لذلك، تقلل من احتمالية جنوحك إلى الغطرسة. وهذا تذكيرٌ في حد ذاته لمن يرغبون في بناء ثقتهم بأنفسهم لكنهم يخشون الظهور بمظهر المتغطرس. فتقدير الذات الحقيقي يجعلك مورد ثقة واطمئنان، مبتعدًا عن الغطرسة.
كيف تتعامل مع الغطرسة؟
إذا عاملك المتغطرس بفظاظة وقال لك شيئًا محرجًا أو جارحًا، عامله بذكاء وهدوء واحترام، لكن لا تسكت، بل أخبره مباشرةً بما سببه لك من أذىً نفسي. المتغطرس يهتم بنفسه وينغمس في ذاته عادةً إلى درجة لا يدرك معها مدى ما تركته كلماته الجارحة من تأثير في نفوس الآخرين وما ألحقته من أضرار نفسية بهم.
ذكّرْه بأن رأيه ليس هو الرأي الوحيد. أوضح له بلطف أن ما قاله لا يعدو عن كونه مجرد رأي، وقد يكون للآخرين آراء ووجهات نظر مختلفة. ردك هذا عليه من شأنه أن يساعده على إدراك أنه لا يملك الحق في احتكار الحقيقة دون غيره.
إذا استمر في مقاطعته إياك، أو اكتفى بالحديث عن نفسه، ما عليك إلا أن تُثبت وجودك، لكن قاطعه بأدب، إذا لزم الأمر، وقل له: "اعذرني على مقاطعتك، لكني أود أن أخبرك بشيء". هذا الأسلوب يُمكّنك من استعادة دورك وثقتك بنفسك في الحوار معه دون أن تكون فظًا غليظًا، أو أن تظهر بمظهر عدائي.
إذا قال شيئًا فيه استعلاء، فلا تتردد في إخباره مباشرةً، ولكن دون مهاجمته، بل اجعله يدرك أنه لم يكن يقصد ذلك (حتى لو كان كذلك): مثلًا، أن تقول له؛ إأن ما قاله لك آنفًا فيه نبرة استعلاء بشكل ما"، وإنك متأكد أنه ربما لم يقصد أن يكون كذلك. المهم أن تضع حدودًا لتعديه، لكن باحترام، ورباطة جأش وصبر - فهذا هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع المتغطرس لأنه لا يعرف كيف يتصرف بطريقة أخرى.
لماذا يبدو المتغطرس ناجحًا
السلوكيات المتغطرسة والغطرسة قد تفيد بعض الناس بالرغم من كونها سمة سلبية.
• المتغطرس يعبر عن غضبه: فقد وجدت دراسات أن هناك تلازمًا طرديًّا بين الغطرسة والتعبير عن الغضب. يرتبط هذا أحيانًا بالتخويف أو التهويل أو الترهيب الذي يمكن استخدامه استراتيجيًّا لتأكيد هيمنته وتحكمه - وفي بعض الأحيان، يرتبط هذا الترهيب بتحقيق النجاح على الأمد القصير.
• غالبًا ما يُنظر إلى المتغطرس على أنه يصعب التعامل معه. تفيد الدراسات بأن الشخص الذي يُصنّفه رؤساؤه أو أقرانه على أنه متغطرس، لا يحصل إلا على درجات متدنية على مقياس اللطف، وهو بُعد أساسي في سمات الشخصية له علاقة بمدى التعاون والتعاطف. ونتيجةً لذلك، غالبًا ما يُنظر إليه على أنه شخص يصعب التعامل معه. قد يتجنب الآخرون الخلافات بالتنازل أو الانسحاب من التفاعل مع المتغطرس. ودون أن تكون مقصودة، يبدو أن هذه الديناميكية تُعزز نفوذ المتغطرس وهيمنته ونجاحه المُزعوم.
• المتغطرس متسلط سلوكيًّا: التسلط باعتباره سمة اجتماعية قد تحقق مزايا عديدة، ومنها البروز اجتماعيًّا والقدرة على التحكم في العلاقات الشخصية والاجتماعية، وذلك بسبب قدرته على خطف الأنظار، مما يُصعّب على الآخرين منافسته على الاستحواذ على اهتمام الناس أو تقديرهم له. هذه السمة لها دور في تعزيز سلطته المُتصوّرة، وبالتالي في نجاحه.
يميل المتغطرس إلى اعتبار نفسه متفوقًا على الآخرين. تتداخل الغطرسة مع النرجسية من الناحية المفاهيمية، لا سيما في الشعور المُبالغ فيه بالاعتداد بالنفس (الغرور) وبالتفوق المُتصوّر على غيره. غالبًا ما يعتقد المتغطرس أنه يملك الجدارة المعرفية والمهنية أو المكانة والقيمة الاجتماعية التي تفوق ما لدى غيره. بالرغم من أن هذا الاعتقاد المُعزّز للذات (6) قد يُسبب اغترابًا اجتماعيًّا (7)، إلا أنه في بعض السياقات قد يُعزز الثقة بالنفس، ومدى التأثير في المجتمع - وهي سمات يُمكن أن تُحقق أحيانًا مزايا أو نجاحات اجتماعية أو مهنية.
غالبًا ما يحوّل المتغطرس الخلافات إلى هجمات شخصية (شخصنة (8))، لأن من شأن ذلك يُحوّل التركيز من الأفكار إلى الأشخاص. وتعتبر محاولة لفرض النفوذ: فيجعلها شخصية، يضع الآخر في موقف دفاعي أو اتقائي، ما قد يؤدي إلى رفض أو تشويه الآراء المعارضة. المتغطرس يهاجم الشخص صاحب الفكرة، وليست الفكرة نفسها (الشخصنة)، وبهذا تجعله متمكنناً من الطرف الآخر، ما يضطر الطرف الآخر إلى التراجع.
الغطرسة مقابل الإعتزاز بالنفس (الفخر)
احترام الذات أمر مهم لأي شخص للنجاح، ولكن الإفراط منه يمكن أن يلتبس بينه وبين الغطرسة والاعتزاز بالنفس. ومع ذلك، ما يُميز الشخص الواثق من نفسه من الشخص المتغطرس بالضبط؟
هناك نوعان من الاعتزاز بالنفس (الفخر):
• اعتزاز بالنفس حقيقي: عندما نشعر بالرضا عن أنفسنا وعندما نشعر بالثقة، فإن ذلك ينبيء بأننا منتجون ومنسجمون ومستقرون عاطفيًّا.
• الاعتزاز بالنفس الاستعلائي: عندما يتضمن ذلك الاعتزاز أنانية وغطرسة، فإن هذا ينبئ بكوننا غير منسجمين أو عدوانيين أو عرضة للتصنع والخداع ، إلخ.
عندما تقوم بتحسين احترامك لذاتك، فأنت تعمل على اعتزازك بنفسك الأصيل وتقلل من اعتزازك بنفسك الاستعلائي. لذلك، فإنك تقلل من احتمال كونك متغطرساً. هذا يطمئن بقية من حولك بأنك ترغب في أن تحسن ثقتك بنفسك أكثر، ولكنك تخاف أن تصبح متغطرسًا.
كيف تتعامل مع الغطرسة؟
إذا قال أي شيء يضرك نفسيًّا، فأخبره. لا تبقي ذلك مكبوتاً في نفسك. المتغطرس يميل إلى الاهتمام بنفسه لدرجة أنه لا يدرك حتى الضرر الذي يحدثه للآخرين.
• بين له أن ما يقوله هو رأيه وأن الآخرين قد يكون لديهم وجهات نظر أخرى ، وأنه لا يملك الحقيقة المطلقة.
• إذا قاطع وتحدث فقط عن نفسه، فأخبره: "سامحني على مقاطعتك ، ولكني أود أن أخبرك شيئاً".
• إذا قال شيئًا ربما فيه غطرسةً، فلا تخف من إخباره، ولكن دون مهاجمته، بل اجعله يدرك أنه لم يقصد ذلك (حتى لو كان يقصد ذلك بالفعل): قل له "أن ذلك يبدو فيه غطرسة". أو أنا متأكد أنك لا تقصد أن تكون متغطرساً، أليس كذلك؟" أو"هل تدرك مدى ما بدا من غطرسة في تصرفاتك؟".
• تحلَّ بالصبر والشفقة مع المتغطرس، لأنه لا يعرف بالفعل كيف يتصرف بأي طريقة أخرى.
نصائح للمتغطرس
نقدم هنا نصائح عملية لمن يدرك أنه قد يتصرف باستعلاء ويرغب في التغيير. إدراكه أنه يعاني من هذه المشكلة يعد خطوةً كبيرةً متقدمةً للتصحيح والتغيير.
اعترف بأنك إنسان، وأن تحقيقك إنجازات عظيمة لا يجعلك تشعر بالتفوق أو الاستعلاء على الآخرين أو أنك تستحق معاملة خاصة. فلكل شخص قيمة ونقاط قوة ونقاط ضعف - والاعتراف بقصورك لا يجعلك ضعيفًا؛ بل يقويك ويعرفك بنقاط ضعفك. لو، لا سمح الله رفضت الاعتراف بنقاط ضعفك، فأنت تخاطر بعلاقاتك مع الآخرين لأن الناس يبتعدون عن المتغطرس. وهذا من شأنه أن يفضي بك إلى العزلة عن المجتمع والوحدة.
• احترم وجهات النظر المختلفة. فلكل شخص آراؤه ووجهات نظره الخاصة، ولا أحد - حتى أنت - يملك الحقيقة المطلقة. انفتاحك على الاختلافات وتقبلك لها من شأنه أن يثري علاقاتك ويوسعها. وجود آراء مختلفة يمكن أن يكون مثريًا جداً . لا تحتقر الآخرين بسبب آرائهم المختلفة. استمع إلى ما يقولون، وقد يفاجئك ما ستسمعه منهم.
• عزز تقديرك لذاتك. لستَ بحاجة إلى التقليل من شأن الآخرين أو احتقارهم أو التسلط عليهم حتى تشعر بقيمتك أو بمقبولية الناس لك. استفد من احترامك لذاتك.
• الثقة الحقيقية تنبثق من داخلك وقيمك، وليست من مقارنة نفسك بالآخرين. لكل شخص قيمته، كما لك أنت كذلك.
• اطلب المساعدة من متخصص نفسي إذا لزم الأمر. إذا شعرتَ بصعوبة في السيطرة على غطرستك، فبإمكان المعالج النفسي مساعدتك في التعرف على جذور المشكلة وفي تعلم أساليب سليمة في طريقة تواصلك مع الآخرين.فبالوعي والتواضع، قد تتحول الغطرسة إلى ثقة بالنفس وإلى احترام للآخرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- http://1- https://ar.m.wikipedia.org/wiki/غطرسة
2- https://ar.wikipedia.org/wiki/تكبر
3- http://3- https://jscofield.org/publication/cowan2019arrogance/
4- http://4- https://ar.wikipedia.org/wiki/تقدير_الذات
5- http://5- https://ar.wikipedia.org/wiki/وفاق
6- http://6- https://ar.wikipedia.org/wiki/تعزيز_ذاتي
7- http://7- https://ar.wikipedia.org/wiki/نظرية_ماركس_في_الاغتراب
8- http://8- https://ar.wikipedia.org/wiki/شخصنة
المصادر الرئيسة
https://news.missouri.edu/2019/research-worth-bragging-about/
https://debuglies.com/2019/10/23/researchers-identify-three-types-of-arrogance/
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ علي رضا بناهيان
محمود حيدر
السيد عادل العلوي
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
الأسرة بين العفاف والخيانة الزوجية
هل لأحدٍ حقٌّ على الله؟
ضرورة التّخطيط في القرآن الكريم
تحدي القرآن وإعجازه
طيف الاستعلاء على الآخرين
الدّكتور المرهون يوقّع في سيهات كتابه حول نادي عرش البيان الأدبيّ
قراءة في رواية عبدالعظيم الضّامن (ملاك) في الدّمام
كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ!!
معنى (عرى) في القرآن الكريم
ماذا نصنع مع الوقت الفائت؟ أيمكن تدارك الماضي؟