في النهج: «أوّل الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة، فمن وصف الله فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه».
أقول: وهو من أبدع البيان، ومحصّل الشطر الأول من الكلام أنّ معرفته تنتهي في استكمالها إلى نفي الصفات عنه، ومحصّل الشطر الثاني المتفرع على الشطر الأول ـ أعني قوله عليه السلام: فمن وصف الله فقد قرنه (إلخ) - أنّ إثبات الصفات يستلزم إثبات الوحدة العدديّة المتوقّفة على التحديد غير الجائز عليه تعالى، وتنتج المقدّمتان أنّ كمال معرفته تعالى يستوجب نفي الوحدة العدديّة منه، وإثبات الوحدة بمعنى آخر، وهو مراده عليه السلام من سرد الكلام.
أما مسألة نفي الصفات عنه فقد بيّنه عليه السلام بقوله: «أوّل الدين معرفته» لظهور أنّ من لم يعرف الله سبحانه ولو بوجه لم يحلّ بعد في ساحة الدين، والمعرفة ربّما كانت مع عمل بما يرتبط بها من الأفعال وترتّب آثار المعروف، وربما كانت من غير عمل، ومن المعلوم أنّ العلم فيما يتعلّق نوع تعلّق بالأعمال إنّما يثبت ويستقرّ في النفس إذا ترتّب عليه آثاره العمليّة، وإلا فلا يزال العلم يضعف بإتيان الأعمال المخالفة حتّى يبطل أو يصير سدى لا أثر له، ومن كلامه عليه السلام في هذا الباب ـ وقد رواه في النهج ـ : «العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه».
فالعلم والمعرفة بالشيء إنما يكمل إذا أخذ العارف معروفه صدقًا، وأظهر ذلك في باطنه وظاهره، وجنانه وأركانه بأن يخضع له روحًا وجسمًا، وهو الإيمان المنبسط على سرّه وعلانيته، وهو قوله: «وكمال معرفته التصديق به».
ثمّ هذا الخضوع المسمّى بالتصديق به وإن جاز تحقّقه مع إثبات الشريك للربّ المخضوع له كما يخضع عبدة الأصنام لله ولسائر آلهتهم جميعًا، لكنّ الخضوع لشيء لا يتمّ من غير انصراف عن غيره بالبداهة، فالخضوع لواحد من الآلهة في معنى الإعراض عن غيره والاستكبار في الجملة عنه، فلا يكمل التصديق بالله والخضوع لمقامه إلا بالإعراض عن عبادة الشركاء، والانصراف عن دعوة الآلهة الكثيرة، وهو قوله: «وكمال التصديق به توحيده».
ثمّ إنّ للتوحيد مراتب مختلفة بعضها فوق بعض، ولا يكمل حتى يعطى الإله الواحد حقّه من الألوهيّة المنحصرة، ولا يقتصر على مجرد تسميته إلها واحدًا بل ينسب إليه كلّ ما له نصيب من الوجود والكمال كالخلق والرزق والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع، وأن يخصّ الخضوع والعبادة به فلا يُتذلّل لغيره بوجه من الوجوه، بل لا يرجى إلا رحمته، ولا يخاف إلا سخطه، ولا يطمع إلا فيما عنده، ولا يعكف إلا على بابه.
وبعبارة أخرى أن يخلَص له علمًا وعملًا، وهو قوله عليه السلام: «وكمال توحيده الإخلاص له».
وإذا استوى الإنسان على أريكة الإخلاص، وضمّته العناية الإلهيّة إلى أولياء الله المقرّبين لاحت على بصيرته لوائح العجز عن القيام بحقّ المعرفة وتوصيفه بما يليق بساحة كبريائه وعظمته، فإنه ربما شاهد أنّ الذي يصفه تعالى به معانٍ مدركةٌ مما بين يديه من الأشياء المصنوعة، وأمورٌ ألفها من مشهوداته الممكنة، وهي صور محدودة مقيّدة يدفع بعضها بعضًا، ولا تقبل الائتلاف والامتزاج، انظر إلى مفاهيم الوجود والعلم والقدرة والحياة والرزق والعزة والغنى وغيرها.
والمعاني المحدودة يدفع بعضها بعضًا؛ لظهور كون كلّ مفهوم خلوًا عن المفهوم الآخر، كمعنى العلم عن معنى القدرة، فإنّا حينما نتصوّر العلم نصرف عن القدرة فلا نجد معناها في معنى العلم، وإذا تصوّرنا معنى العلم وهو وصف من الأوصاف ننعزل عن معنى الذات وهو الموصوف.
فهذه المفاهيم والعلوم والإدراكات تقصر عن الانطباق عليه جلّ شأنه حقّ الانطباق، وعن حكاية ما هو عليه حقّ الحكاية؛ فتمسّ حاجة المخلِص في وصفه ربَّه إلى أن يعترف بنقص لا علاج له، وعجز لا جابر دونه؛ فيعود فينفي ما أثبته، ويتيه في حيرة لا مخلص منها، وهو قوله عليه السلام: «وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة».
وهذا الذي فسرنا به هذا العقد من كلامه عليه السلام هو الذي يؤيده أول الخطبة حيث يقول: «الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حدّ محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود» على ما يظهر للمتأمل الفطن.
وأما قوله عليه السلام: «فمن وصف الله فقد قرنه» (إلخ)، فهو توصّل منه إلى المطلوب ـ وهو أنّ الله سبحانه لا حدّ له ولا عدّ ـ من طريق تحليل إثبات الوصف. كما كان البيان الأول توصّلًا منه من طريق تحليل المعرفة إلى نفي الوصف.«فمن وصف الله فقد قرنه»؛ لما عرفت من المغايرة بين الموصوف والصفة، والجمع بين المتغايرين قرن، «ومن قرنه فقد ثنّاه»؛ لأخذه إياه موصوفًا وصفة وهما اثنان، «ومن ثنّاه فقد جزّأه» إلى جزأين، «ومن جزّأه فقد جهله»؛ بالإشارة إليه إشارة عقليّة، «ومن أشار إليه فقد حدّه»؛ لكون الإشارة مستلزمة لانفصال المشار إليه عن المشير حتّى تتوسّط بينهما الإشارة التي هي إيجاد بعد ما بين المشير والمشار إليه يبتدئ من الأول وينتهي إلى الثاني. «ومن حدّه فقد عدّه» وجعله واحدًا عدديًّا؛ لأنّ العدد لازم الانقسام والانعزال الوجودي. تعالى الله عن ذلك.
الدكتور محمد حسين علي الصغير
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
السيد عباس نور الدين
د. سيد جاسم العلوي
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد صنقور
السيد علي عباس الموسوي
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد جعفر مرتضى
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
مجاز القرآن بإطاره البلاغي العام (1)
معرفة النفس طريق إلى معرفة الله
اكتشاف حالة نصف نارية نصف ثلجة جديدة في مادة مغناطيسية
اختطاف عشوائي، جديد (أضواء) للفنون المسرحيّة
المحطّة الأولى من سفر الكمال.. وشروطها العشرة
التطور التاريخي لفيزياء الجسيمات الأولية (1)
غربال العمر، جديد الكاتبة نازك الخنيزي
صناعة الله تعالى
اختتام حملة (ومن أحياها)، بنسختها الثّانية والعشرين
مجاز القرآن عند الرّوّاد الأوائل