السيّد محمّد حسين الطباطبائي ..
﴿للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
قوله تعالى: ﴿للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ..﴾: كلام يدلّ على مُلكه تعالى لعالم الخلق ممّا في السماوات والأرض، وهو تمهيد لقوله بعده: ﴿..وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ..﴾، أي إنّ له ما في السماوات والأرض، ومن جملتها أنتم وأعمالكم وما اكتسبتها نفوسكم، فهو محيطٌ بكم مهيمنٌ على أعمالكم، لا يتفاوت عنده كون أعمالكم بادية ظاهرة، أو خافية مستورة فيحاسبكم عليها.
وربما استُظهر من الآية:
1) كون السماء من سِنخ أعمال القلوب وصفات النفس، فما في النفوس هو ممّا في السماوات؛ ولله ما في السماوات.
2) كما أنّ ما في النفوس إذا أُبدي بعمل الجوارح كان ممّا في الأرض؛ ولله ما في الأرض...
* قوله تعالى: ﴿..وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ..﴾: الإبداء هو الإظهار مقابل الإخفاء، ومعنى ﴿..مَا فِي أَنْفُسِكُمْ..﴾ ما استقرّ في أنفسكم على ما يعرفه أهل العرف واللغة من معناه، ولا مستقرّ في النفس إلّا الملكات والصفات من الفضائل والرذائل؛ كالإيمان، والكفر، والحب، والبغض، والعزم، وغيرها، فإنّها هي التي تقبل الإظهار والإخفاء.
أمّا إظهارها فإنّما يتم بأفعال مناسبة لها تصدر من طريق الجوارح، يُدركها الحسّ.
ويحكم العقل بوجود تلك المصادر النفسية المسانخة لها؛ إذ لولا تلك الصفات والملكات النفسانية من إرادة، وكراهية، وإيمان، وكفر، وحبّ، وبُغض، وغير ذلك، لم تصدر هذه الأفعال، فبصدور الأفعال يظهر للعقل وجود ما هو منشأها.
وأمّا إخفاؤها فبالكفّ عن فعل ما يدلّ على وجودها في النفس.
وبالجملة، فظاهر قوله تعالى ﴿..مَا فِي أَنْفُسِكُمْ..﴾، الثبوت والاستقرار في النفس، ولا يعني بهذا الاستقرار التمكّن في النفس بحيث يمتنع الزوال كالملكات الراسخة، بل يعني ثبوتاً تامّاً يُعتدّ به في صدور الفعل، كما يُشعر به قوله سبحانه: ﴿..وَإِنْ تُبْدُوا..﴾، وقوله: ﴿..أَوْ تُخْفُوهُ..﴾، فإنّ الوصفين يدلان على أنّ ما في النفس، بحيث يمكن أن يكون مُنشِئاً للظهور، أو غير منشئٍ له...
وأمّا الخطورات والهواجس النفسانية الطارئة على النفس من غير إرادة من الإنسان، وكذلك التصورات الساذجة التي لا تصديق معها كتصوّر صور المعاصي من غير نزوعٍ وعزم، فلفظُ الآية غير شامل لها البتة، لأنّها كما عرفتَ غير مستقرّة في النفس، وليست منشأً لصدور الأفعال.
فتحصّل: أنّ الآية إنّما تدلّ على الأحوال والملكات النفسانية التي هي مصادر الأفعال من الطاعات والمعاصي، وأنّ الله سبحانه وتعالى يحاسب الإنسان عليها، فتكون الآية في مساق قوله تعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ..﴾ البقرة:225.
وقوله تعالى: ﴿..فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ..﴾ البقرة:283.
وقوله تعالى: ﴿..إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ الإسراء:36.
فجميع هذه الآيات دالّة على أنّ للقلوب - وهي النفوس - أحوالاً وأوصافاً يحاسَب الإنسان عليها.
وكذا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ..﴾ النور:19، فإنّها ظاهرة في أنّ العذاب إنّما هو على الحبّ الذي هو أمرٌ قلبيّ...
فهذا ظاهر الآية، ويجب أن يعلم: أنّ الآية إنّما تدلّ على المحاسبة بما في النفوس، سواء أُظهر أو أُخفي.
وأمّا كون الجزاء في صورتَي الإخفاء والإظهار على حدٍّ سواء، وبعبارة أخرى كون الجزاء دائراً مدار العزم، سواء فعل أو لم يفعل، وسواء صادف الفعلُ الواقعَ المقصود أو لم يصادف كما في صورة التجرّي مثلاً، فالآية غير ناظرة إلى ذلك.
وقد أخذ القوم في معنى الآية مسالك شتّى لِما توهمّوا أنّها تدلّ على المؤاخذة على كلّ خاطرٍ نفسانيّ مستقرّ في النفس أو غيره، وليس إلّا تكليفاً بما لا يطاق، فمِن ملتزمٍ بذلك ومن مؤوِّل يريد به التخلّص.
فمنهم من قال: «إنّ الآية تدلّ على المحاسبة بكلّ ما يَرِد القلبَ، وهو تكليفٌ بما لا يطاق، لكنّ الآية منسوخة بما يتلوها من قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا..﴾ البقرة:286».
وفيه: أنّ الآية غير ظاهرة في هذا العموم... على أنّ التكليف بما لا يطاق غير جائز بلا ريب، على أنّه تعالى يخبر بقوله: ﴿..وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ..﴾ الحج:78، بعدم تشريعه في الدين ما لا يُطاق.
ومنهم من قال: «إنّ الآية مخصوصة بكتمان الشهادة (البقرة:283)، ومرتبطة بما تقدَّمها من آية الدَّين (البقرة:282)»، وهو مدفوعٌ بإطلاق الآية، كقول مَن قال: «إنّها مخصوصة بالكفّار».
ومنهم مَن قال: «المعنى: إن تُبدوا بأعمالكم ما في أنفسكم من السوء، بأن تتجاهروا وتعلنوا بالعمل، أو تخفوه بأن تأتوا الفعل خفية، يحاسبكم به الله».
ومنهم مَن قال: «إنّ المراد بالآية مطلق الخواطر، إلّا أنّ المراد بالمحاسبة الإخبار. أي إنّ جميع ما يخطر ببالكم، سواء أظهرتموه أو أخفيتموه، فإنّ الله يخبركم به يوم القيامة، فهو في مساق قوله تعالى: ﴿..فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ المائدة:105». ويدفع هذا وما قبله بمخالفة ظاهر الآية كما تقدّم.
السيد عبد الأعلى السبزواري
السيد عباس نور الدين
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي رضا بناهيان
الفيض الكاشاني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد جواد مغنية
عدنان الحاجي
الشيخ مرتضى الباشا
إيمان شمس الدين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
البسملة
لماذا لا يقبل الله الأعمال إلا بالولاية؟
أشدّ النّاس خسرانًا
كن أنت!
زكي السالم: كيف تصبح من ملاقيف الفعاليات في دقيقتين؟
قوم يحبهم الله ويحبونه
السبب في اشتمال القرآن على المتشابه
الإسلام حرب على الظلم والفساد
نادي (صوت المجاز) يحتفي بسنويّته الأولى
التصاق كهربائي بين معادن صلبة وخضار وفواكه ولحوم