عندما نراجع مسيرة القرآن الكريم في عصر النبوة، نجد أنه استطاع أن يحقق الهدف التغييري بكل أبعاده الثلاثة، حيث تمكن أن يوجد الأمة الاسلامية التي هي خير أمة أخرجت للناس والتي حملت أعباء الرسالة إلى العالم أجمع.
أبعاد التغيير في مجتمع الجزيرة العربية:
ويمكن أن نلاحظ أبعاد التغيير الذي أحدثه القرآن الكريم في مجتمع الجزيرة العربية لنعرف هذه الحقيقة القرآنية، وذلك من خلال مراجعة الأبعاد الثلاثة التالية:
(تحرير القرآن للإنسان من الوثنية - تحرير القرآن للعقول - تحرير القرآن للانسان من عبودية الشهوة)
تحرير القرآن للعقول:
كانت الأساطير والخرافات شائعة بين العرب، نظرًا لانخفاض مستواهم الفكري وأميتهم بصورة عامة، فكانوا يعتقدون - مثلًا - أن نفس الإنسان طائر ينبسط في جسم الإنسان، فإذا ما مات أو قتل يكبر هذا الطائر حتى يصير في حجم البوم، ويبقى أبدًا يصرخ ويتوحش ويسكن في الديار المعطلة والمقابر ويسمونه الهام. كما كانوا يعتقدون بالغيلان ويؤمنون بأساطيرها، ويزعمون أن الغول يتغول لهم في الخلوات، ويظهر لخواصهم في أنواع من الصور، فيخاطبونها وربما ضيفوها، وكانت لهم أبيات من الرجز يتناقلون حفظها، ويعتقدون أن فائدتها هي طرد الغيلان إذا اعترضتهم في طريقهم وأسفارهم، إلى غير ذلك من العقائد الخرافية التي كانوا يؤمنون بها.
وقد جاء القرآن الكريم برسالة الإسلام، فحارب تلك العقائد والخرافات، ومحا تلك الأوهام عن طريق تنوير عقول العرب والدعوة إلى التفكير الأصيل، والتدبر والاعتماد على العقل، والمطالبة برفض التقليد، وعدم الجمود على تراث السلف، بدون تمحيص أو تحقيق، قال الله تعالى: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون) (1).
وقد أدت هذه الدعوة من القرآن إلى تعريض كل الأفكار السابقة والموروثة إلى الامتحان من جديد في ضوء المنطق، والعقل، وعلى هدى الإسلام، فأسفر ذلك عن اضمحلال تلك الخرافات، وزوال تلك العقائد الجاهلية، وتحرر العقول من قيودها، وانطلاقها في طريق التفكير السليم.
وقد حث القرآن بصورة خاصة على التفكير في الكون، والتأمل في أسراره، واكتشاف آيات الله المنتشرة فيه، ووجه الإنسان هذه الوجهة الصالحة بدلًا من التشاغل بخرافات الماضين وأساطيرهم: (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض) (2). (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شئ قدير) (3). (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (4). (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت) (5).
ولم يكتف القرآن بالحث على دراسة الكون وما فيه من أسرار بل ربط ذلك بالإيمان بالله وأعلن أن العلم هو خير دليل للإيمان بالله وأن الإيمان يتأكد كلّما ازداد اكتشاف الإنسان وتقدم في ميادين العلم لأنه يطلع على عظيم آيات الله، وحكيم صنعه وتدبيره، قال الله تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) (6).
وبذلك أعطى القرآن مفهوم مواكبة الإيمان للعلم، وأن العقيدة بالله تتمشى مع العلم على خط واحد، وأن اكتشاف الأسباب والقوانين في هذا الكون يعزز هذه العقيدة بأنه يكشف عن عظيم حكمة الصانع وتدبيره. وعلى أساس هذا الموقف القرآني، وما رفضه من التقليد، وما شجع عليه من التفكير والتدبر كانت الأمة التي صنعها الكتاب الكريم مصدر العلم والثقافة في العالم، بدلًا من خرافات البوم والغيلان، حتى اعترف المؤرخون الأوربيون بهذه الحقيقة أيضًا، فقال الدوري الوزير والمؤرخ الفرنسي: "إن النبي جمع قبائل العرب أمة واحدة رفعت أعلام التمدن في أقطار الأرض، وكانوا في القرون المتوسطة مختصين بالعلوم، من بين سائر الأمم، وانقشعت بسببهم سحائب البربرية التي امتدت على أوروبا".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البقرة: 170.
(2) يونس: 101.
(3) العنكبوت: 20.
(4) الحج: 46.
(5) الغاشية: 17 - 20.
(6) فصلت: 53.
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد مصباح يزدي
عدنان الحاجي
الشيخ محمد الريشهري
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ مرتضى الباشا
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
ما الذي ينبغي أن نفعله لجعل مجتمعنا إسلاميًّا بالكامل
أقسام الحرب وأنواعها الواردة في القرآن الكريم (1)
المركز الأوّل لحسين آل هاشم في مسابقة فوتوغرافيّة في مصر
مجموعة عصبونات في جذع الدماغ مسؤولة عن الشهية للملح
لقمان الحكيم (3)
لقمان الحكيم (2)
خطورة ذياع صيت الإنسان بين الناس واشتهاره بينهم
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ
هل الكون كسوريّ؟
الشيخ عبد الكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (10)