(العدل) من أكثر القيم التي ركزّ عليها الإسلام، تارة بشكل مباشر، وتارة من خلال الحديث عن عواقب (الظلم) الوخيمة والتحذير منه. وهناك عوامل متعددة تحرف الإنسان عن العدل، وهنا نذكر (خطرين) ذكرهما القرآن الكريم:
الخطر الأول
أن يدفع حب الإنسان لنفسه، أو لطرف ما، ليقف معه ويؤيده، وإن كان مخطئًا وظالـمًا. قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) (النساء: 135).
القسط هو العدل. والمطلوب ليس أن يقوم المؤمن بالقسط، بل أن يكون (قوّامًا بالقسط) -صيغة مبالغة- أي يقوم بالقسط والعدل أتمّ وأكمل قيام في كل الأحوال والأعمال، من غير انعطاف وعدول عنه إلى خلافه، لعامل من هوى وعاطفة أو خوف أو طمع أو غير ذلك. وهكذا يصبح العدل والقسط جزءًا من كيانهم وحياتهم وقيمهم ومبادئهم الثابتة والراسخة.
سؤال: لماذا جاء التعبير بـ (القيام) في هذا الموضع؟
الجواب: توجد عدة احتمالات:
الاحتمال الأول: بسبب أنّ الإنسان حين يريد القيام بأي عمل، يجب عليه أن يقوم على رجليه بصورة عامّة ويتابع ذلك العمل، وعلى هذا الأساس فإنّ التعبير هنا بالقيام كناية عن العزم والإرادة الرّاسخة والإجراء لإنجاز العمل، حتى لو كان هذا العمل من باب حكم القاضي الذي لا يحتاج إلى القيام لدى ممارسة عمله.
الاحتمال الثاني: حيث أنّه بالعدل يقوم وينهض المجتمع والحياة، لذا يقال (إقامة العدل).
الاحتمال الثالث: كلمة (القائم) تطلق عادة على شيء يقف بصورة عمودية على الأرض دون أن يكون فيه انحراف إلى اليمين أو الشمال، وعلى هذا فإنّ المعنى المراد منه في الآية يكون تأكيدًا لضرورة تحقيق العدالة دون أقل انحراف إلى أي جهة كانت.
(شهداء لله) أي يكون الهدف من الشهادة هو الله تعالى، لا المصالح الدنيوية أو الأهواء أو غيرها. وفي آية أخرى (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (الطلاق: 2).
(وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) أنصف الناس من نفسك ومن والديك والأقربين، وأنصف الناس من كل عزيز عليك.
(إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا) أي لا يكون غنى هذا الشخص سببًا في الوقوف معه طمعًا في ماله، أو في الوقوف ضده بحجة أنه غني، وليس بحاجة إلى هذا المال مثلاً.
ومن جهة أخرى، أن لا يكون فقر طرف ما سببًا في الشهادة له أو ضده، فلا تكون الشفقة عليه وعلى فقره سببًا في الكذب في الشهادة والوقوف معه بدون وجه حق.
(فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا) يوجد احتمالان:
الاحتمال الأول: أن يكون قوله (تَعْدِلُوا) مشتقًا من (العدل) فيكون المعنى: لا تكن المحبة أو الشفقة أو الأهواء مانعًا من القول والعمل بالعدل والوقوف مع صاحب الحق.
الاحتمال الثاني: أن يكون قوله (تَعْدِلُوا) مشتقًا من (العدول) بمعنى التغيير والميول، تقول (عَدَل فلان إلى كذا، إذا غيّر موقفه ومال إليه).
(وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) ليّ اللسان كناية عن تحريف الشهادة.
والإعراض هو ترك الشهادة.
فالله سبحانه يعلم حقائق الأمور، ويعلم من شهد بالحق، ومن حرّف الشهادة، ومن ترك الشهادة وامتنع عنها، فلم ينصر الحق رغم معرفته به.
(والطريف أنّ الآية اختتمت بكلمة (خَبِيرًا) ولم تختتم بكلمة (عليمًا) لأنّ كلمة (خبير) تطلق بحسب العادة على من يكون مطلعًا على جزئيات ودقائق موضوع معين، وفي هذا دلالة على أنّ اللّه يعلم حتى أدنى انحراف يقوم به الإنسان عن مسير الحق والعدل بأي عذر أو وسيلة كان، وهو يعلم كل موطن يتعمّد فيه إظهار الباطل حقًا، ويجازي على هذا العمل).
الخطر الثاني
أن يدفع البغض والعداوة الإنسان ليظلم الآخرين، ولا ينصفهم ولا يعدل.
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المائدة: 8).
الشنآن: شدّة البغض والعداوة.
وهنا ثلاث حالات متصوّرة:
الحالة الأولى: هو يبغضك ويعاديك، وأنت لست كذلك.
الحالة الثانية: أنت تبغضه وتعاديه، وهو ليس كذلك.
الحالة الثالثة: البغضاء متبادل من الطرفين، والعداوة متبادلة من الطرفين.
وعلى كل حال، سواء كنت أنت تبغضه، أو كان هو يبغضك، أو كنتما تبغضان بعضكما البغض، فلا يكون هذا عاملاً في الظلم والتعدي وسلب الحقوق.
(اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ) إنصاف الإنسان (أعداءه ومبغضيه) من (نفسه ومن أعزائه وأحبابه)، هذا من شؤون التقوى الحقيقية الصادقة، فلا تظلموا أحدًا حتّى لو كان عدوّا لكم.
(ويستفاد من الآية الشريفة أنّ العدل من الأسباب القريبة للتقوى، التي هي نهاية الطاعة وأسمى الكمالات وأساس المكارم، ومنها تنبثق سائر الفضائل، لأنّ العدل طاعة تناسب طاعة التقوى، ولهذا تحقّق القرب بينهما).
السيد محمد حسين الطبطبائي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ مرتضى الباشا
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ محمد صنقور
الشيخ نجم الدين الطبسي
السيد عباس نور الدين
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
هل الإسلام قادر على إسعاد البشريّة؟
المنهج اللغوي في تفسير القرآن الكريم
(اللّؤلؤ) معرض تشكيليّ قطيفيّ في الرّياض
لا يطّلع على حقائق القرآن وتأويله إلّا أولياء الله
العلاقة بين التّدخين والتهاب الشّعب الهوائيّة الحادّ
قهريَّة الفراغ وتداعياته
(العدل) بين خطرين
(نوى) باكورة الأعمال الرّواية لحسن الدّبيسي
ألم الرفض الاجتماعي
الفراغ العجيب