
حركة التاريخ في مظهر التفاعل الاجتماعي الثوري
البشر يتحركون دائمًا في الزمان والمكان: يبدعون، ويتواصلون بالتجارة والصداقة تارة، وبالعداوة والحرب تار ، وبالفكر دائمًا. ويتعاملون مع الطبيعة دائمًا. يكيفونها ويتكيفون معها، ويحبونها ويهربون منها في بعض الأحيان.
وهم يواجهون الإخفاق وخيبات الأمل في حالات، ويسعدون بنشوة النصر في حالات أخرى. ويشلهم اليأس عن الحركة في بعض الحالات، ولكن سرعان ما يؤجح الأمل في التقدم والمستقبل الأفضل في قلوبهم جذوة الرغبة في التغيير فيعودون إلى الحركة من جديد.
وهكذا يصنع البشر تاريخهم باستمرار. ينسجونه خيطًا فخيطًا، ويبنونه ذرة فذرة من ملايين الآمال الصغيرة، والمخاوف الصغيرة، والأحقاد الصغيرة، والشهوات الصغيرة، التي تنكر لهم كلها وتتراكم فتتكون منها عجينة التاريخ. ولكنها لن تكون تاريخًا ما لم تأخذ قوامًا معينًا وما لم تتشكل بهيئة معينة... ما لم تتضمن فكرة تغيير، وروح تغيير، وعزيمة تغيير، تجعل من آحاد الآمال والمخاوف والأحقاد والشهوات التي تبلغ الملايين شيئًا واحدًا كبيرًا تنبض فيه روح واحدة تلف بوهجها كل المجتمع والجماعة، وتدفع بهم - لا في طريق الحركات الأحادية المبعثرة - في طريق حركة متدفقة هادرة، تحدوها رؤيا واحدة أو رؤي متقاربة تلتقي على التغيير. حينئذ تنشط حركة التاريخ التي كانت هادئة أو أمينة، وتتعاظم، وتلد الأحداث الكبيرة، وتدخل المجتمع والجماعة في منعطف من التاريخ جديد.
قد يتم هذا التفاعل في حال السلم والاستقرار الاجتماعي فتكون الفترة الزمنية التي يستغرقها التغيير - بعد فترة الإعداد والاختمار - طويلة نسبيًّا، لأن التغيير التاريخي يتم في هذه الحالة وفقا لمعادلات السلم والاستقرار التي تجعل الإنسان أكثر أناة وتؤدة في حركته، وأكثر قدرة على الاختيار.
وقد يتم هذا التفاعل في حال الغليان الاجتماعي والقلق العام. في هذا الحال تنشأ ظاهرتان:
الأولى - ظاهرة رفض وتمرد في الجماهير، يغذيها ويؤججها اليأس من العدالة الرسمية، وينعشها الأمل في مستقبل أفضل لهذه الجماهير يتوصل إليه دعاة التغيير.
الثانية - تقابل الأولى وتتولد منها، وهي إجراءات القمع التي تلجأ إليها السلطة الرسمية من أجل أن تضمن سيادة وثبات نظامها وقيمها.
إن هذا القمع يعزز روح اليأس والغضب، ويدفع إلى مزيد من التمرد والرفض، ويرص - بدرجة أعلى من الصلابة والتماسك - ملايين الآمال والمخاوف والأحقاد والشهوات، ويؤجج روح الغضب، ويدفع الجماهير، أكثر فأكثر، نحو العنف باتجاه التغيير.
في هذه الحالة تقصر نسبيًّا، الفترة الحاسمة التي يستغرقها التغيير - بعد فترة الإعداد والاختمار - .. إن الأحداث تتسارع، ويتعاظم حجمها، وتتسع مساحة الفئات الاجتماعية التي تشارك فيها، وتتصاعد إلى أن تبلغ الذروة التي ينهار عندها العهد التاريخي الذي كان سائدًا، ويدخل المجتمع في منعطف من تاريخه جديد.
إذن البشر لا يتوقفون عن صنع التأريخ، لكنهم قد يصنعون تاريخهم في حال السلم، وقد يصنعونه في حال الغليان والتوتر الاجتماعي، كما قد يصنعونه بالحرب.
وقد لاحظ الإمام علي عليه السلام حركة التاريخ في مظهرها الثاني لأن الظروف السائدة في مجتمعه كانت تدفع بهذا المجتمع نحو هذا المسار الدامي في مواجهة مستقبله المكفهر، الحافل بالأنواء.
لقد تسببت أخطاء الحكم في عهد الخليفة عثمان بن عفان في خيبة آمال فئات واسعة من المسلمين وغضبها. كما تسببت - إلى جانب ذلك - في انبعاث كثير من القيم والأخلاق والمطامح الجاهلية التي نشطت للعمل من خلال ممثليها ورموزها في قمة السلطة في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع. وقد أدى انبعاث هذه القيم الجاهلية إلى تعارض في المصالح بين ممثلي هذه القيم وبين أكثرية المسلمين الذين كانت تغتذي نفوسهم بالآمال التي تولدها قيم الإسلام في العدالة الخالصة والمساواة... هذا التعارض المأساوي الذي ما فتئت تغذيه أخطاء الحكم وسياسات الرموز الجاهلية العائدة، فتعمقه، وتزيده حدة، وتدفع به إلى مزيد من الاتساع والانتشار.
وقد تراكم كل ذلك على مدى سنين، واتسع إلى أن شمل حواضر الدولة كلها. وأدى في النهاية إلى عاقبته الوخيمة وثمرته المرة: ثورة شارك فيها الأغنياء والفقراء، الساخطون بلا حقد والحاقدون من علية القوم. وأدت الثورة إلى مقتل الخليفة عثمان، وإلى دخول المسلمين في منعطف من تاريخهم جديد طلبوا من علي بن أبي طالب أن يقودهم فيه، ولكنه رفض طلبهم، لأنه أدرك - وهو الراعي للتاريخ وأفاعيله وآلية حركته – أن حجم الحاجات التي يفتقر إليها الناس والآمال التي تعمر قلوبهم أكبر بكثير من حجم الإمكانات التي توفرها مؤسسات الدولة، وأن حجم المعوقات التي يمثلها رموز العهد الماضي وقواه التي شلتها الثورة فاضطرت إلى الانكماش... حجم هذه المعوقات كبير وخطير، لأنها مستشرية في جميع مراكز السلطة، وقد قال لهم معلنًا رفضه:
دعوني والتمسوا غيري، فإنا مستقبلون أمرًا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب، ولا تثبت عليه العقول (1). وإن الآفاق قد أغامت (2)، والمحجة قد تنكرت (3). واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرًا، خير لكم مني أميرًا (4).
وقد ذكر الإمام، فيما بعد، بموقفه هذا في مناسبات كثيرة، منها قوله في كلام له عند خروج طلحة والزبير عليه: فأقبلتم إلي إقبال العوذ المطافيل على أولادها (5)، تقولون: البيعة البيعة! قبضت كفي فبسطتموها، ونازعتكم يدي فجاذبتموها (6).
ومنها قوله لطلحة والزبير أيضًا: والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة (7)، ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها... (8).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا تقوم له القلوب: لا تجرئ عليه. لا تثبت عليه العقول: لا تكاد تفهمه وتحققه، يومئ بذلك إلى المشكلات الاجتماعية والأزمات التي عصفت بالمجتمع كله.
(2) أغامت: حجبها الغيم، كناية عن صعوبة إيجاد الحلول المقبولة من الجميع.
(3) المحجة: الطريقة الواضحة - وتنكرت: التبس أمرها على الناس.
(4) نهج البلاغة - رقم النص: 92.
(5) العوذ المطافيل: الإبل والضباء ذات الأولاد، وهي جمع عائذة، ومطفل كناية عن اللهفة التي توجهوا بها إليه طالبين منه قبول بيعتهم، كما اللهفة التي تقبل بها أم الطفل على ولدها.
(6) نهج البلاغة - رقم النص: 137.
(7) الإربة: الغرض والرغبة.
(8) نهج البلاغة - رقم النص: 205.
معنى (تقن) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
كيف تعامل أمير المؤمنين (ع) مع التاريخ في مجال تعليمه السياسي؟ (1)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الحداثة الفائضة في غربتها الأخلاقية
محمود حيدر
التفكير الإيجابي وقود النجاح
عبدالعزيز آل زايد
أريد أن يكون ولدي مصلّيًا، ماذا أصنع؟
الشيخ علي رضا بناهيان
حقيقة التوكل على الله
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
من عجائب التنبؤات القرآنية
الشيخ جعفر السبحاني
تسبيحة السيدة الزهراء (ع)
الشيخ شفيق جرادي
المثل الأعلى وسيادة النموذج بين التفاعل والانفعال الزهراء (ع) أنموذجًا (3)
إيمان شمس الدين
(التّردّد) مشكلة التسويف، تكنولوجيا جديدة تساعد في التغلّب عليها
عدنان الحاجي
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
حسين حسن آل جامع
الصّاعدون كثيرًا
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (تقن) في القرآن الكريم
كيف تعامل أمير المؤمنين (ع) مع التاريخ في مجال تعليمه السياسي؟ (1)
اختبار دم للتنبؤ بالمضاعفات الجراحية
كتاب ما وراء الشرّ
الحداثة الفائضة في غربتها الأخلاقية
التفكير الإيجابي وقود النجاح
أريد أن يكون ولدي مصلّيًا، ماذا أصنع؟
محفّز جديد وغير مكلف يسرّع إنتاج الأوكسجين من الماء
حقيقة التوكل على الله
من عجائب التنبؤات القرآنية