قال رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله): (إنّ أوّل شخص يدخل عليّ الجنة فاطمة بنت محمد) (1).
كان المسلمون يعيشون مرحلة الإعداد في مكة، في ظل ظروف قاسية للغاية، كانت بداية انبثاق الدعوة الإسلامية الفئة الإسلامية قليلةً، بينما كانت العدة والعدد والسطوة والثروة بيد خصوم الدعوة الجفاة، وكان لهم أن يفعلوا ما شاؤوا بالمسلمين. فلم يتورعوا عن أذى المسلمين، كما لم يكفوا عن الإساءة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)، والطعن في شخصه، وقد شهد ذلك العصر بروز شخصيتين على مستوى التضحية والفداء: فكانت (خديجة) من بين النساء، التي كانت سكن رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)، تواسيه بحبها وحنانها، فتزيل عن قلبه الهم والغم، أمّا من بين الرجال فكان (أبو طالب) والد أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، والّذي كان يتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع المكّي، إلى جانب حكمته وحنكته العالية، فكان يقي رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)، ولا يتوانى في الدفاع عنه، كان درعه وعونه إزاء خصوم الدعوة، وللأسف فقد توفي هذان العظيمان في السنة العاشرة للهجرة.
فحزن رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) حزناً شديداً، وبقي وحده في الساحة، وقد بانت شدة حزنه بهذين الفردين - واللذَينِ كان لكل منهما دوره في انتشار الإسلام - حين سمّى ذلك العام بـ (عام الأحزان)، ولكن لا يسلب اللّه المصطفين من عباده نعمة الإفاضة عليهم مثلها، فقد خلّف كل منهما ولداً يواصل نهجهما، فكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) كأبيه، يقي رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بنفسه، كان كذلك من انبثاق الدعوة، وهكذا سدّ الفراغ الذي تركه أباه بعد رحيله، بينما خلّفت خديجة (فاطمة)، فكانت البنت الحنون الشجاعة والمضحية، التي وقفت إلى جانب أبيها تشد أزره، وتشاركه همه وغمه.
كان أمير المؤمنين (عليه السلام) في التاسعة عشرة من عمره، بينما لم تكن فاطمة - على ضوء الروايات الصحيحة - قد جاوزت الخامسة من عمرها، الجدير بالذكر أنّهما عاشا معاً في بيت رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)، يؤنسانه ويخفّفان عنه ألم الوحدة، فقد كانت السنوات الثلاث الأخيرة التي سبقت الهجرة مملوءة بالأذى والمرارة والمعاناة؛ بسبب الجهود المضنية التي كان يبذلها أعداء الدعوة من أجل القضاء على الإسلام والمسلمين، لقد نالت قريش من رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنشر على رأسه التراب، فدخل رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه فاطمة (عليها السلام) فجعلت تمسح التراب عن رأسه وهي تبكي، ورسول اللّه (صلّى الله عليه وآله) يقول لها: (لا تبكي يا بنية، فإنّ اللّه مانع أباك) (2).
وروى ابن عبّاس: أنّ قريشاً اجتمعوا في الحِجر، فتعاقدوا باللاّت والعزى ومناة لو رأينا محمداً لقمنا مقام رجل واحد ولنقتلنّه، فدخلت فاطمة (عليها السلام) على النبي (صلّى الله عليه وآله) باكيةً وحكت له مقالهم، فقال: (يا بنية، أدني وضوئي، فتوضأ وخرج إلى المسجد، فلمّا رأوه قالوا: ها هوذا وخفضت رؤوسهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم فلم يصل رجل منهم، فأخذ النبي (صلّى الله عليه وآله) قبضةً من التراب فحصبهم بها، وقال: (شاهت الوجوه) فما أصاب رجلاً منهم إلاّ قُتل يوم بدر(3).
وهذا يدل على أنَّ فاطمة (عليها السلام) لم تكن تخدم والدها في البيت فحسب، بل وتفكّر بكيفية الدفاع عنه ونجاته في خارج البيت.
حيث روي أنّها كانت الوحيدة في الدفاع عنه (عليها السلام) عندما رمى عليه أبو جهل روث البقر، وهو (صلّى الله عليه وآله) يصلي وأصحابه عند الكعبة، فلم يجرؤ أحد على التدخل، لكنّها خرجت وأسمعت أبا جهل ما روّعه عن الاستمرار في السخرية من النبي (صلّى الله عليه وآله).
نعم... حتى عند افتقار الجرأة في الشجعان من الرجال في الدفاع عن رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله)، نرى هذه البنت الشجاعة الصغيرة تسارع في الدفاع عن رسول اللّه (صلّى الله عليه وآله).
بعد أن انقضت فصول معركة أحد، وغادر جيش العدو ساحة الوغى، كان الرسول (صلّى الله عليه وآله) لا يزال في ميدان أحد وقد كُسرت رباعيته وشُجّ جبينه، وبينما هو كذلك إذا أقبلت فاطمة (عليها السلام)، وهي صغيرة السّن من المدينة إلى أحد سيراً على الأقدام؛ لتقوم بغسل وجهه المبارك وإزالة الدم عن محيّاه الشريفة، لكن الجبين لم يزل ينزف.
عندها قامت بحرق قطعة من الحصير، ثمّ وضعت رماده، على مكان الجرح فانقطع النزيف، والأعجب من ذلك أنّها كانت تهيّئ لأبيها السلاح في المعركة التي جرت في اليوم القادم (2).
في معركة الأحزاب التي هي من أهمِّ الغزوات الإسلامية، وفي أحداث فتح مكة عندما انتصر جنود الإسلام على آخر متراس للمشركين، والسيطرة على البيت العتيق، وتخليصه من الأصنام التي كانت تلوّثه، نرى أيضاً فاطمة (عليها السلام) واقفةً إلى جانب أبيها، ففي الخندق تُقبل عليه بأقراص من الخبز معدودة بعد أن بقى أياماً بدون طعام، وفي الفتح المبين نراها تضرب له خيمته وتُهيّئ له ماءً ليستحم ويغتسل، حتى يزيل عن جسده المبارك غبار الطريق، ويرتدي ثياباً نظيفة يخرج بها إلى المسجد الحرام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أورده (الكليني) في (الكافي)، وطائفة من علماء العامة في مصادرهم من قبيل (كنز العمال) و(ميزان الاعتدال)، كما نقله آخرون.
2 - سيرة ابن هشام، ج1، ص 416.
3 - المناقب، ج1 ص 71.
4 - حدثت غزوة (حمراء الأسد) عندما عاد المشركون من وسط الطريق صوب المدينة بعد معركة (أحد)؛ حتى يُكملوا ضربتهم التي وجّهوها إلى المسلمين، لكنّ اللّه أراد أن يرجعوا خائبين، لذا فقد ألقى سبحانه وتعالى الرعب في قلوبهم عندما واجهوا المسلمين، حتى المجروحين منهم، فتراجعوا عن عزمهم.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد هادي معرفة
عدنان الحاجي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد جعفر مرتضى
الشيخ فوزي آل سيف
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ جعفر السبحاني
حيدر حب الله
الشيخ علي المشكيني
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
الشيخ علي الجشي
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان