مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

باقة من بستان علم الجواد (1)

.... وحيث أننا في صدد الحديث عن الجانب العلمي فقد أحببت الإشارة إلى (نص) ورد في كتب الحديث وثار حوله كلام وجدل منذ ما يقرب من ثلاثمائة سنة، وهو النص الذي ورد في كتاب الكافي والاختصاص فيما يرويه علي بن إبراهيم عن أبيه قال «اسْتَأْذَنَ عَلى أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ النَّوَاحِي مِنَ الشِّيعَةِ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا، فَسَأَلُوهُ فِي مَجْلِسٍ واحِدٍ عَنْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ عليه السلام ولَهُ عَشْرُ سِنِينَ»[1].

 

وقد أثار هذا النص استغرابًا عند المحققين؛ على فرض التمسك بحرفيته، من كونه مجلسًا شخصيًّا واحدًا، ويتحمل هذا العدد الهائل من الأسئلة والأجوبة فإن كل مسألة هي تحتوي على سؤال وجواب، فيكون العدد أكثر مما ذكر! وكيف لهم أن يحصوا هذا العدد؟ وكيف يتسع الزمان (المجلس الواحد في اليوم الواحد) لكل ذلك؟ وحتى لو فرضنا جهة الاختصار في أجوبة الإمام الجواد بحيث يكون الجواب بنعم أو لا، أو فرضنا الإعجاز فيها، فلا يمكن تصور ذلك في جهة أسئلة السائلين!

 

وبحسب كلام العلامة المجلسي في مرآة العقول «يشكل هذا بأنه لو كان السؤال والجواب عن كل مسألة بيتًا واحدًا أعني خمسين حرفًا لكان أكثر من ثلاث ختمات للقرآن فكيف يمكن ذلك في مجلس واحد؟ ولو قيل جوابه عليه السلام كان في الأكثر بلا ونعم أو بالإعجاز في أسرع زمان ففي السؤال لم يكن كذلك!».

 

وفي حل هذا الاشكال هناك عدة طرق:

 

الطريقة الأولى: عدم التعامل مع (النص) المذكور كنص ثابت وواقعي! وبالتالي فلا حاجة إلى تجشم العناء في الرد والتوجيه والشرح له، ما دام لا يعلم مصداقيته!

 

وذلك: إن المصدر الوحيد له هو ما رواه إبراهيم بن هاشم ونقله عنه في الكافي، ثم نقله في الاختصاص (مع أن هناك كلامًا في ثبوت نسبة كتاب الاختصاص للشيخ المفيد) وعلى أي حال فالسند واحد! وينتهي إلى إبراهيم بن هاشم القمي.

 

والمهم في ذلك هو أنه لا ينقله عن معصوم وإنما تسجيل منه لحادثة جرت، إمّا أن يكون شاهدًا لها أو غير شاهد! وظاهر الخبر أنه كان حاضرًا.

 

وفي كتاب الاختصاص فقد دمج بين خبر مجلس الشيعة وسؤالهم عبد الله بن موسى الكاظم وتصحيح الإمام الجواد أخطاء عمه عبد الله بن موسى، وبين هذا الخبر الذي يقول بأنه استأذن عليه قوم من الشيعة..

 

وعلى كل حال فإنه يفترض أن المجلس الذي شهد (الثلاثين ألف مسألة) هو في أول إمامته عليه السلام، وبالقطع واليقين لم يكن عمره آنئذ عشر سنوات، فقد كان دون هذا على الأقل بسنة ونصف! فإذا كان انطباع إبراهيم بن هاشم في أمر محسوس وظاهري وتحديده لعمره غير صحيح مع سهولة ذلك، فهل يكون انطباعه عن (عدد ثلاثين ألف) التي تحتاج إلى حساب ودقة، صحيحًا؟

 

وقد ذهب بعض العلماء والمحدثين على الكافي إلى حصول اشتباه من إبراهيم في ذلك وأنه ما دام الأمر كذلك فلا حاجة لتوجيهات وتكلفات، وقد صرح بذلك المحقق أبو الحسن الشعراني [2] في تعليقه على شرح المازندراني للكافي فقال: «ولا حاجة إلى توجيه كلام إبراهيم بن هاشم بهذه التكلفات، ولم يقل أحد بعصمته بل لم يصرحوا بصحة أحاديثه بل عدوها من الحسان» [3].

 

وردّ النصَّ الشيخُ آصف محسني في تعليقه على توجيهات العلامة المجلسي في البحار بقوله: «متنه غير قابل للتصديق فلابد من رده إلى قائله، والظاهر أنه اشتباه حين التلقي أو الإلقاء وما ذكر المؤلّف من الوجوه تكلف لا ضرورة له» [4]

 

واعتبره الشيخ الكوراني غير صحيح في كتابه الإمام محمد الجواد عليه السلام، فقال: «لا يصح كلام إبراهيم بن هاشم أنه عليه السلام سُئل عن ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد».[5]

 

ويتساءل بعض الباحثين عن حقيقة هؤلاء (القوم) الذين سألوا الإمام ثلاثين ألف مسألة؟ وأي مقدار عظيم من العلم والمعرفة كانوا يحملونه؟ وبالطبع لن يسألوا عن المسائل البديهية كوجوب الصلاة والصوم وأمثالها، وإنما في مسائل تستحق السؤال عنها وهذا يعني أنهم محيطون بشكل استثنائي بكل أبواب الفقه والعقائد وما شابه، فإن السؤال عن أي شيء يقتضي معرفة موضوعه ومحموله والنسبة بينهما.

 

وربما يكون لهذا السبب، ترك السيد كاظم القزويني ذكر العدد فقال: «ويعلم الله عدد الأسئلة التي وجهت إلى الإمام الجواد في ذلك المجلس وتفرق الحاضرون وهم مقتنعون بإمامة الإمام الجواد عليه السلام».[6]

 

الطريقة الثانية: التعامل معه على أساس احتمال أن يكون أصل النص ثابتًا لكن تم التغيير فيه والتبديل، بأن يقال أن النص الأصلي كان سئل عن ثلاثين مسألة فأجاب عنها، لكن النساخ اشتبهوا فأضافوا كلمة (ألْف)، وإذا كان كذلك فلا معنى لرد النص ويكون الأمر طبيعيًّا، فمثلما تم توجيه مسألتين في حضور عبد الله بن موسى في ذلك المجلس إلى الإمام وأجاب عليهما بالجواب الصحيح بعدما أجاب عبد الله خطأ، بعد ذلك تم توجيه ثلاثين مسألة في ذلك المجلس الواحد من مختلف الأبواب، وأجابهم فيها ما جعلهم يفرحون ويسرون لكون هذه الأجوبة منسجمة مع ما يعرفونه من أصول فقه الإمامية، خصوصًا أن بعض الحاضرين كانوا قد جاؤوا من العراق وأطرف الحجاز للتعرف عن قرب على الإمام الجواد ولينقلوا لمن وراءهم ما رأوا!

 

فإذن المشكلة هي في زيادة كلمة (ألف) بعد عدد الثلاثين، وهي من فعل النساخ سهوًا! وقد رأى بعض العلماء أن هذا هو أنسب المحامل والتوجيهات.

 

فقد ذكر محققا كتاب الاختصاص في حاشية هذا الخبر ما يلي «يستبعد أن يكون في وسع السائلين أن يسألوا عن ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد وإن كان الإمام عليه السلام يقدر على جواب أزيد منها. ومن المحتمل أن يكون لفظه (ألف) من زيادة النساخ» [7].

 

ومثلهما فعل محققُ كتاب الأنوار البهية، حيث علق على الخبر بعد نقل المتن له من الاختصاص «ومن المحتمل أن تكون لفظة (ألف) من زيادة النساخ» [8].

 

وجعل الشيخ المحسني هذا أحد الاحتمالات فقال في هامش كتابه حدود الشريعة «المظنون قويًّا اشتباه أحد من الرواة في عدد الأسئلة وكمّيّتها، أو وقوع كلمة (ألْف) سهوًا في المتن» [9].

 

وكذلك السيد جعفر مرتضى العاملي، حيث قال: «كما أن من المحتمل أن تكون كلمة (ألف) زائدة من النساخ، أو من غيرهم. وقد ذكر الكاشاني هذا الحديث، وليس فيه كلمة «ألف» هذه» [10].

 

وقد أشار السيد العاملي إلى ذكر الكاشاني لها في كتاب المحجة البيضاء[11] حيث نقلها في أحوال الإمام الجواد بأنه أجاب عن ثلاثين مسألة. لكننا نلاحظ أن الكاشاني نفسه قد نقلها في الوافي بإثبات «ثلاثين ألف»[12]!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكليني: الكافي (ط دار الحديث) 2/594

(2) أبو الحسن الشعراني (ت 1393) من تلامذة السيد أبو تراب الخوانساري في النجف، تصدى بعد عودته إلى طهران للتدريس والبحث وله كتب كثيرة في مواضيع مختلفة رجالية وحديثية وفقهية وفلسفية ويوصف عند بعضهم بأنه جامع لفنون مختلفة من العلم، وقد تخرج على يده عدد من المجتهدين المعاصرين.

(3) المازندراني؛ المولى محمد صالح: شرح أصول الكافي 7/291

(4) المحسني؛ الشيخ محمد آصف: مشرعة بحار الأنوار 2/201

(5) الكوراني: الإمام الجواد 291

(6) القزويني؛ محمد كاظم: الإمام الجواد من المهد إلى اللحد 57

(7) المفيد: الاختصاص 114 علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي

(8) القمي؛ الشيخ عباس: الأنوار البهية 259

(9) المحسني؛ الشيخ محمد آصف: حدود الشريعة1/363

(10) العاملي؛ السيد جعفر مرتضى: الحياة السياسية للإمام الجواد 31

(11) الكاشاني؛ محسن الفيض: المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء4/306 وشبيه بهذا العدد ما نقله شيخ الطائفة في تهذيب الأحكام 5/ 439 في روايته عن إبراهيم بن أبي البلاد قال: قلت لإبراهيم بن عبد الحميد وقد هيأنا نحوا من ثلاثين مسألة نبعث بها إلى أبي الحسن موسى عليه السلام..

(12) لكاشاني: الوافي3/358

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد