مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

باقة من بستان علم الجواد (2)

الطريقة الثالثة: التعامل مع النص على أساس ثبوت كلمة «ثلاثين ألف» وأنه لا يوجد سهو من النساخ ولا زيادة وتوجيه ما جاء في مضمونه بأحد أشكال التوجيه.. فهنا قدمت إجابات متعددة:

 

1/ أن يكون ذلك العدد هو على نحو المبالغة والتكثير وليس المقصود منه العدد الدقيق للأسئلة والأجوبة! وهذا أحد الوجوه التي أجاب بها العلامة المجلسي في مرآة العقول فقال: «بوجوه؛ الأول: أن الكلام محمول على المبالغة في كثرة الأسئلة والأجوبة، فإن عَدَّ مثل ذلك أيضا مستبعد جدًّا» [1] ومثله قال الكوراني في كتابه فإنه بعد أن قال «إنه لا يصح كلام إبراهيم بن هاشم أنه عليه السلام سئل عن ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد» استثنى وقال: «إلا أن يكون المقصود فيه المبالغة بمعنى سألوه عن مسائل كثيرة تبلغ المئات».

 

وأنت ترى أن المبالغة من الممكن أن تحصل في ضعف العدد أو ضعفيه أو ثلاثة أضعاف أو حتى عشرة أضعاف.. أما أن يصل إلى ثلاثين ألف فهذا ما لا يعهد! وأشار السيد جعفر العاملي إلى أن العدد المذكور ليس تحقيقيًّا وإنما هو تقريبي وفيه مبالغة لإظهار الكثرة فقال: «ولا نستبعد أن يكون هذا العدد تقريبياً، أو فيه شيء من المبالغة لإظهار نسبة الكثرة هنا، إذ من البعيد أن يتم إحصاء دقيق في هذه الموارد، وأمثالها»

 

والكلام فيه كالكلام في سابقه..

 

2/ أن يكون المقصود بالمجلس ليس المجلس الشخصي الواحد وإنما المجلس النوعي، مثلما يقال مثلاً أن العالم الفلاني بحث مسائل الفقه كلّها في مجلس درسه، والمقصود هنا ليس مجلسًا واحدًا بالعدد، وإنما المقصود مجلس واحد بالنوع ينعقد مثلاً كل يوم في الساعة الكذائية على مدى سنوات.. فقد يكون المجلس المقصود في كلام إبراهيم بن هاشم هو مجلس من هذا النوع كأن يكون في بيت الإمام في المدينة أو في قرية صريا أو ما شابه، وبالتالي ينحل الإشكال.

 

وقد أشار إليه كأحد الأجوبة العلامة المجلسي في مرآة العقول بعنوان «الرابع: أن يكون المراد بوحدة المجلس الوحدة النوعية أو مكان واحد كمِنَى وإن كان في أيام متعددة».

 

وكأنّ هذا الجواب تقبّله عدد من العلماء من كتّاب سيرة الإمام عليه السلام فقد أشار إليه السيد محمد تقي المدرسي بقوله: «كما أنّ من الممكن كون الأسئلة وُجِّهت إلى الإمام في أيام متعددة مع وحدة المجلس، فيكون مجلسه أشبه بالمؤتمرات التي تطول أياماً تباعاً يقضونها بالبحث باستثناء أوقات الراحة والطعام» [2].

 

ورأى الشيخ عبد اللطيف البغدادي أنه ذلك هو الظاهر من لفظ الراوي فقال: «والظاهر لنا أن مراد الراوي من المجلس الواحد الذي سُئِل فيه الإمام عليه السلام عن ثلاثين ألف مسألة هو المكان المعّد لجلوسه فيه للناس، كما يقال مثلاً: ذهبت اليوم إلى مجلس زيد أو عمرو ورأيت كذا أو سمعت كذا... الخ، فالإمام سئل في مجلسه ذلك للناس، عن ثلاثين ألف مسألة، فالراوي عيّن نوعية المكان الذي سُئِل فيه الإمام، وأنه مكان واحد وهو الذي يستقبل به الناس دون غيره من الأماكن الأخرى، ولم يعيّن الوقت، والوقت يعرف من القرينة، والقرينة دالة على أن الناس كانوا يتوافدون على الإمام في موسم الحج من جميع النواحي والأقطار والأمصار ليتعرفوا عليه ويسألوه عما حملوا إليه من الأسئلة الكثيرة الكتابية والشفوية، فكان عدد تلك الأسئلة التي وجّهت إليه وأجاب عنها ثلاثين ألف مسألة».[3]

 

وكذلك أشار إليه السيد جعفر العاملي حيث رجح ثبوت كلمة «ثلاثين ألف» في كتابه الحياة السياسية للإمام الجواد. وأضاف العلامة المجلسي وجوهًا أخر للجواب على الإشكال المذكور؛ حتى بلغت سبعة وجوه، كما في مرآة العقول؛ بالإضافة إلى ما مر ذكره.

 

أنه يمكن أن يكون في خواطر القوم أسئلة كثيرة متفقة، فلما أجاب عليه السلام عن واحد فقد أجاب عن الجميع.

 

أن يكون إشارة إلى كثرة ما يستنبط من كلماته الموجزة المشتملة على الأحكام الكثيرة، وهذا وجه قريب.

 

أن يكون مبنيًّا على بسط الزمان الذي يقول به الصوفية لكنه مخالف للعقل.

 

أن يكون إعجازه عليه السلام أثر في سرعة كلام القوم أيضًا أو كان يجيبهم بما يعلم من ضمائرهم قبل سؤالهم.

 

ما قيل أن المراد السؤال بعرض المكتوبات والطومارات فوقع الجواب بخرق العادة.

 

نهاية المطاف: أظن أن الأوفق بالجواب هو الطريق الأول كما أفاده المحقق الشعراني، فلا ملزم لنا بالتعبد بكلام إبراهيم بن هاشم الذي ينقل انطباعًا وصورة عن مجلس من المعلوم يقينًا أنه لا يمكن قبول مضمونه، ولذلك صار الجميع في حيص وبيص لتوجيهه وصرفه عن ظاهره في محاولات لم تكلل في غالبها بالقبول!

 

ومن العجيب أن إبراهيم بن هاشم الذي ينقل هذا الخبر وأنه كان هناك ثلاثون ألف مسألة، لا تصل رواياته عن الإمام الجواد إلى ثلاثين رواية كما يلحظ المتتبع لكتاب مسند الإمام الجواد عليه السلام.. أكثرها لا ترتبط بهذا المجلس فأين ذهبت هذه الثلاثون ألفًا؟

 

ويليه في ذلك الطريق الثاني بافتراض وجود خلل من النساخ، وكم لهم في هذا من جولات! وقد تقدم الكلام فيه.

 

وآخر الطرق هو الثالث!

 

وربما يتصور البعض بأن عدم اللجوء إلى تبرير الخبر وتوجيهه يعني التشكيك في علم الإمام عليه السلام أو قدرته أو اتصاله بالغيب لكن هذا غير صحيح فلا ربط بين الأمرين!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المجلسي؛ المولى محمد باقر: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول6/108

(2) المدرسي؛ السيد محمد تقي: الإمام الجواد عليه السلام قدوة وأسوة، 25

(3) البغدادي؛ الشيخ عبد اللطيف: التحقيق في الإمامة وشؤونها 115

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد