
وسّع الله تعالى على الإنسان طرق التكسّب الحلال، وضيّق طرق الحرام، وتكفّل له رزقه، فقال جلّ وعلا: ﴿وَمَا مِن دَآبَّة فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ رِزۡقُهَا وَيَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلّ فِي كِتَٰب مُّبِين﴾[1]. كما وحثّ الإنسان على السعي والأخذ بأسباب الرزق من خلال سلوك الطرق المشروعة، عن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلٌ قال: لأقعدنّ في بيتي، ولأصلّينّ، ولأصومنّ، ولأعبدنّ ربّي؛ فأمّا رزقي فسيأتيني، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «هذا أحد الثلاثة الذين لا يُستجاب لهم»[2]، وعنه (عليه السلام) أيضاً: «أرأيت لو أنّ رجلاً دخل بيته، وأغلق بابه، أكان يسقط عليه شيء من السماء»[3].
بين الحلال والحرام
كما بيّنت الروايات أنّ أكل الحرام سببٌ لكلِّ شرّ، ولقمة الحلال سبب لكلِّ خير، بل إنّ طلب الحلال أفضل أجزاء العبادة، كما عن الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «العبادة سبعون جزءاً، أفضلها طلب الحلال»[4]، وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) في طلب الحرام، قال: «إنّ الحرامَ لا ينمى، وإن نما لا يُبارَك له فيه، وما أنفقَهُ لم يُؤجَر عليه، وما خلّفَهُ كان زادَهُ إلى النار»[5].
آداب التكسّب
وقد بيّن أمير المؤمنين (عليه السلام) مجموعةً مِن الضوابط والقواعد التي تنبغي مراعاتها في عمليّة طَلَب الرزق، محذِّراً ممّا لا ينبغي الوقوع فيه، وتشكّل وصيّته (عليه السلام) مَدرسةً في هذا الجانب، في زمنٍ يَكاد يكون ثمّة تحوُّل مِن عنوان كَسْبِ الحلال في طَلب الرزق إلى جَمعٍ للمال بِشتّى الوسائل والأساليب المتاحة، وإنْ كانَت حراماً؛ لذا نتوقّف عند مجموعة من القضايا التي تُعدُّ أساساً ومنهجاً في طَلبِ الرزق الحلال:
1. الإجمال في الطلب: إذ ينبغي أن يكون السعي محموداً، فلا يعيش همَّ الرزق والكسب، وَلْيَكُنْ على يقينٍ بِأنّ الله قسَّم الأرزاق بِحِكمته؛ «فَخَفِّضْ فِي الطَلَبِ، وَأَجْمِلْ فِي الْمُكْتَسَبِ، فَإِنَّهُ رُبَّ طَلَبٍ قَدْ جَرَّ إِلَى حَربٍ، وَلَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ بِمَرْزُوقٍ، وَلَا كُلُّ مُجْمِلٍ بِمَحْرُوم»[6].
2. إكرام النفس وعدم ترخيصها: إذ لا ينبغي الابتذال في سبيل الرزق، ولا وَضع النفس في ما يرخصها، مِن أجل متاعٍ قليل أو مَكسبٍ زهيد؛ «وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرغَائِب،ِ فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً. وَلَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللَّهُ حُرّاً»[7].
3. مراعاة الحدود الشرعيّة: فلا يكن المال أَحَبّ مِن رضا الله؛ «وَمَا خَيْرُ خَيْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِشَرٍّ، وَيُسْرٍ لَا يُنَالُ إِلَّا بِعُسْرٍ»[8].
4. عدم الطمع: فإنّه سبيل الفساد، وهو استئثارٌ وَمنْعٌ للآخرين مِن حقوقهم؛ «وَإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَمَعِ، فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ»[9].
5. الرزق مَقسوم: «وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَكُونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ ذُو نِعْمَةٍ فَافْعَلْ، فَإِنَّكَ مُدْرِكٌ قَسْمَكَ وَآخِذٌ سَهْمَكَ. وَإِنَّ الْيَسِيرَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ [أَكْرَمُ وَأَعْظَمُ] أَعْظَمُ وَأَكْرَمُ مِنَ الْكَثِيرِ مِنْ خَلْقِهِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ»[10].
6. التحلّي بالفضائل: فطلب الرزق طريق ينبغي أن يكون محفوفاً بالفضائل ومعالي الأخلاق، بل ينبغي أن يكون طالب الرزق داعياً إلى الله بَتصرّفاته وأفعاله؛ «وَمَرَارَةُ الْيَأْسِ خَيْرٌ مِنَ الطَلَبِ إِلَى النَاسِ، وَالْحِرْفَةُ مَعَ الْعِفَّةِ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى مَعَ الْفُجُورِ. وَالْمَرْءُ أَحْفَظُ لِسِرِّهِ. وَرُبَّ سَاعٍ فِي مَا يَضُرُّهُ، مَنْ أَكْثَرَ أَهْجَرَ، وَمَنْ تَفَكَّرَ أَبْصَرَ»[11].
7. مصاحبة أهل الخير: فَالتعامل مع أهل الإيمان والصلاح يُكسبُ المرءَ جملةً مِن المعارف والأخلاقيّات التي تُعينه في طلبِ الرزق، وَمُصاحبة أهل الشرّ تجعل طِباعه تتأثّر بِطباعهم من دون أن يشعر؛ «قَارِنْ أَهْلَ الْخَيْرِ تَكُنْ مِنْهُمْ، وَبَايِنْ أَهْلَ الشَرِّ تَبِنْ عَنْهُمْ»[12].
8. الاستفادة من التجارب: وَحدها التجارب تكشف معادن الرجال وجواهر الناس وحقيقة ما يدور حول المرء؛ «وَالْعَقْلُ حِفْظُ التَجَارِبِ، وَخَيْرُ مَا جَرَّبْتَ مَا وَعَظَكَ»[13].
9. اغتنام الفُرَص: مِن المهمّ أن يكون الإنسان يَقِظاً في طلبِ الرزق، حكيماً في اتّخاذ قراراته، يدرس خطواته ويفكّر في عواقب الأمور؛ «بَادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ غُصَّةً، لَيْسَ كُلُّ طَالِبٍ يُصِيبُ، وَلَا كُلُّ غَائِبٍ يَئُوبُ، وَمِنَ الْفَسَادِ إِضَاعَةُ الزَادِ وَمَفْسَدَةُ الْمَعَادِ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ عَاقِبَةٌ، سَوْفَ يَأْتِيكَ مَا قُدِّرَ لَكَ، التَاجِرُ مُخَاطِرٌ، وَرُبَّ يَسِيرٍ أَنْمَى مِنْ كَثِيرٍ»[14].
10. عدم التفكير بالثراء السريع: فَيكونُ نموّ المالِ نموّاً طبيعيّاً مبنيّاً على السماحة والجود ومداراة الناس وعدم المخاطرة والابتعاد عن اللجاجة والإلحاح؛ «سَاهِلِ الدَهْرَ مَا ذَلَّ لَكَ قَعُودُهُ، وَلَا تُخَاطِرْ بِشَيْءٍ رَجَاءَ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْمَحَ بِكَ مَطِيَّةُ اللجَاجِ»[15].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ - مركز المعارف للتأليف والتحقيق)
[1] سورة هود، الآية 6.
[2] الشيخ الكينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص77.
[3] المصدر نفسه، ج5، ص78.
[4] المصدر نفسه، ج5، ص78.
[5] المصدر نفسه، ج5، ص125.
[6] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص401، الكتاب 31.
[7] المصدر نفسه.
[8] المصدر نفسه.
[9] المصدر نفسه، ص401 - 402، الكتاب 31.
[10] المصدر نفسه، ص402، الكتاب 31.
[11] المصدر نفسه.
[12] المصدر نفسه.
[13] المصدر نفسه.
[14] المصدر نفسه، ص402 - 403، الكتاب 31.
[15] المصدر نفسه، ص403، الكتاب 31.
معنى (زرب) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
بين الإيمان والكفر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
ما الذي يهمّ أنت أم أنا؟ يتذكر الأطفال ما هو مهم للآخرين
عدنان الحاجي
مناجاة الذاكرين (5): بذكره تأنس الرّوح
الشيخ محمد مصباح يزدي
بين الأمل والاسترسال به (1)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الذّكاء المصنوع كعلم منظور إليه بعين الفلسفة من الفيزياء إلى الميتافيزياء
محمود حيدر
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ..} لا تدلُّ على تزكية أحد (2)
الشيخ محمد صنقور
العزة والذلة في القرآن الكريم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
ماذا نعرف عن القدرات العظيمة للّغة العربية؟
السيد عباس نور الدين
لا تبذل المجهود!
عبدالعزيز آل زايد
سيّد النّدى والشّعر
حبيب المعاتيق
الإمام الباقر: دائرة معارف الإمامة
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (زرب) في القرآن الكريم
بين الإيمان والكفر
سيّد النّدى والشّعر
شهر رجب محضر الله
ما الذي يهمّ أنت أم أنا؟ يتذكر الأطفال ما هو مهم للآخرين
مناجاة الذاكرين (5): بذكره تأنس الرّوح
باقر العلوم
الإمام الباقر: دائرة معارف الإمامة
(مبادئ الذّكاء الاصطناعيّ) محاضرة في مجلس الزّهراء الثّقافيّ
كيف يصنع الدماغ العادة أو يكسرها؟