
ورد في الحديث المشهور عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «نيّة المؤمن خير من عمله ونيّة الكافر شرّ من عمله وكل عامل يعمل على نيته»(1)، وقد اختلف الفقهاء في معنى الحديث على أقوال شتى.
والذي ظهر لي أن ذلك لأن المؤمن ينوي خيرات كثيرة لا يساعده الوقت على عملها، فكان الثواب المترتب على نياته أكثر من الثواب المترتب على أعماله، وأيضًا إنّ المؤمن ينوي أن تقع عباداته على أحسن الوجوه لأن إيمانه يقتضي ذلك، ثمّ إذا كان يشتغل بها لا يتيسر له ذلك ولا يتأتى كما يريد، فلا يأتي بها كما ينبغي، فالذي ينوي دائمًا خير من الذي يعمل به في كلّ عبادة.
وإلى هذا أشار الباقر (عليه السلام) حيث كان يقول: «نية المؤمن خير من عمله، وذلك لأنّه ينوي من الخير ما لا يدركه، ونية الكافر شر من عمله، وذلك لأن الكافر ينوي الشر ويأمل من الشر ما لا يدركه»(2).
وعن الصادق (عليه السلام) أنه قيل له: سمعتك تقول: «نيّة المؤمن من خير من عمله فكيف تكون النية خيرًا من العمل؟ قال: لأن العمل إنما كان رياء للمخلوقين، والنية خالصة لربّ العالمين، فيعطي عزّ وجلّ على النية ما لا يعطي على العمل»(3)، ثم قال: «إن العبد لينوي من نهاره أن يصلي بالليل فتغلبه عينه فينام فيثبت اللّه له صلاته ويكتب نفسه تسبيحًا ويجعل نومه صدقة»(4).
وعنه (عليه السلام) «إن العبد المؤمن الفقير ليقول: يا ربّ ارزقني حتى أفعل كذا وكذا من البرّ ووجوه الخير، فإذا علم اللّه عزّ وجلّ ذلك منه بصدق نيّته كتب اللّه له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله، إن اللّه واسع كريم»(5).
وعنه (عليه السلام) «إنه سئل عن حدّ العبادة التي إذا فعلها فاعلها كان مؤديًا، فقال (عليه السلام) حسن النيّة بالطاعة»(6) يعني أن يكون له في طاعته نية حسنة فان تيسر له الإتيان بما وافق نيّته، وإلا فقد أدى ما عليه من العبادة بحسن نيته.
وعنه (عليه السلام) «إنّما خلد أهل النّار في النّار لأن نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا اللّه فيها أبدًا وإنّما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نيّاتهم كانت في الدّنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا اللّه أبدًا فبالنيات خلد هؤلاء، ثمّ تلا قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84] قال: على نيّته»(7).
وعنه (عليه السلام) «من سمع شيئًا من الثواب على شيء فصنعه كان له أجره و إن لم يكن على ما بلغه»(8). وممّا قيل(9) في معنى الحديث المشهور: «إنّ النية إنما يكون خيرًا من العمل»(10) لتوقف نفع العمل عليها، دون العكس، ولكون الغرض الأصلي من العمل تأثّر القلب بالميل إلى اللّه تعالى عن الغير كما قال اللّه عزّ وجل: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج : 37] ألا ترى إلى إثم المجامع امرأته على قصد أنها غيرها، بخلاف المجامع غيرها على أنها امرأته، والتأثر صفة القلب.
وبهذا يعرف معنى قوله (عليه السلام): «من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة»(11) لأن هم القلب هو ميله إلى الخير وانصرافه عن الهوى وحب الدنيا وهو غاية الحسنات وإنما الإتمام بالعمل يزيدها تاكيدًا، فليس المقصود من إراقة دم القربان الدم واللحم بل ميل القلب عن حبّ الدّنيا وبذلها إيثارًا لوجه اللّه عزّ وجلّ، وهذه الصفة قد حصلت عند جزم النّية والهم، وإن عاق عن العمل عايق، فلن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم والتقوى في القلب.
ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله) لما خرج في غزوة تبوك: «إن بالمدينة قومًا ما قطعنا واديًا، ولا وطئنا موطئًا يغيظ الكفار، ولا أنفقنا نفقة، ولا أصابتنا مخمصة إلا شاركوا في ذلك وهم في المدينة، قالوا: وكيف ذلك يا رسول اللّه وليسوا معنا؟ فقال: حبسهم العذر فشركونا بحسن النية»(12).
________________________
1- الكافي : ج 2 , ص 84 , و المحاسن : ص 260.
2- علل الشرائع : ج 2 , ص 524.
3- علل الشرائع : ج 2 , ص 524.
4- علل الشرائع : ج 2 , ص 524.
5- الكافي : ج 2 , ص 85 , و المحاسن : ص 261.
6- الكافي : ج 2 , ص 85.
7- الكافي : ج 2 , ص 85 , و علل الشرائع : ج 2 , ص 523.
8- الكافي : ج 2 , ص 87.
9- القائل هو أبو حامد الغزالي في إحياء العلوم ونقل عنه المصنف تفصيلاً في المحجة وقد لخصه هنا.
10- إحياء علوم الدين : ج 4 , ص 335 و فيه «نية المؤمن خير من عمله».
11- إحياء علوم الدين : ج 4 , ص 333.
12- إحياء علوم الدين : ج 4 , ص 332.
القلب يفكر مع العقل
عدنان الحاجي
مناجاة الذاكرين (3): آنسنا بالذّكر الخفيّ
الشيخ محمد مصباح يزدي
العزة والذلة في القرآن الكريم
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
معنى (عيّ) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
ماذا نعرف عن القدرات العظيمة للّغة العربية؟
السيد عباس نور الدين
لا تبذل المجهود!
عبدالعزيز آل زايد
كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
الفيض الكاشاني
كيف تعامل أمير المؤمنين (ع) مع التاريخ في مجال تعليمه السياسي؟ (3)
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الحداثة الفائضة في غربتها الأخلاقية
محمود حيدر
ضحكات المطر
حبيب المعاتيق
السيّدة الزهراء: صلوات سدرة المنتهى
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
القلب يفكر مع العقل
مناجاة الذاكرين (3): آنسنا بالذّكر الخفيّ
اختتام النّسخة الخامسة والعشرين من حملة التّبرّع بالدّم (ومن أحياها) بسيهات
كتاب جديد يوثّق تكريم الدّكتور علي الدّرورة في القطيف
العزة والذلة في القرآن الكريم
معنى (عيّ) في القرآن الكريم
ماذا نعرف عن القدرات العظيمة للّغة العربية؟
ضحكات المطر
عقولنا لا تزال قادرة على التفوق على الذكاء الاصطناعي
لا تبذل المجهود!