
تحتاج الأدوية المعنوية إلى المعرفة والنية الخالصة حتى تؤثر بخلاف الأدوية المادية / يجب أن نعرف أن الصلاة بصدد إذلال النفس في مقابل الله وتضعيف كبرنا أمامه.
لا يحتاج الدواء إلى (معرفة) أو (نية) في سبيل أن يترك مفعوله في الجسم الإنسان؛ يعني أولاً لسنا بحاجة إلى أن نعرف ماذا تفعل حبة الدواء في جهاز جسمنا، وثانيًا لا داعي إلى استعمال الدواء بنية التئام الحلق مثلاً. إذ يترك الدواء أثره في جسم الإنسان على أي حال، سواء أكنّا عارفين بتفاصيل أثر الدواء ونوينا الشفاء عند الاستعمال أم لا. بينما تحتاج الأدوية المعنوية التي تشفي روح الإنسان ومن أجل تأثيرها إلى المعرفة والنية الخالصة بخلاف الأدوية المادية.
فعلى سبيل المثال، الصلاة شفاء ووقاية لكثير من أمراضنا بل لجميع الفحشاء والمنكر بشكل عام؛ {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]. ولكن إذا أرادت هذه الصلاة مع كل عظمتها أن تترك أثرها علينا، فيقتضي ذلك معرفتنا ونيتنا المخلصة أيضًا.
إن اطّلعنا بشكل دقيق على حقيقة أثر الصلاة على روحنا، وكانت نيتنا في مسار هذا التأثير، عند ذلك ستكون الصلاة مؤثرة فينا واقعًا. يجب أن نعرف أن الصلاة تسعى لإذلالنا في مقابل الله ولتضعيف كبرنا وأنانيتنا، ثم ننوي ذلك وندعو لتحقّق هذا الهدف ونقول: (إلهي أريد أن أزداد تواضعًا وذلاًّ بين يديك وأن يضعف كبري عبر هذه الصلاة). فإننا إن أردفنا إلى الصلاة مثل هذه المعرفة والنية، سوف نتقرب إلى الله.
لا يستطيع الإنسان أن يسير في هذا الطريق إلا بعد أن عرف ماذا يفعل أولاً، ونوى ما عرفه ثانيًا. السبب الذي جعل ديننا يحث على التدبر والتعقل ومعرفة النفس والتفقه والفهم الدقيق بهذا القدر، هو أن للمعرفة أثرًا وضعيًّا ولا يخلو عن الفائدة أبدًا.
لا ينبغي أن نمر من المفاهيم الرئيسة الدينية التي اهتم بها الدين مرور الكرام، بل ينبغي أن نفكر لماذا اهتم الدين بهذا الموضوع بهذا القدر؟ ليس من الجميل أن يعطل الإنسان قدرة فهمه في مجال إدراك الدقائق الدينية ثم يصرفها في اللعب والقضايا التافهة.
نحن كما نخاف من السرطان، يجب أن نخاف من عدم استيعابنا العميق للمفاهيم الأساسية الدينية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أف لِكُلِّ مُسْلِمٍ لَا يَجْعَلُ فِي كُلِّ جُمْعَة يَوْماً يَتَفَقَّهُ فِيهِ أَمْرَ دِينِهِ ويَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ).
نحن كما نخاف من السرطان، يجب أن نخاف ونخشى من عدم استيعابنا العميق للمفاهيم الأساسية الدينية، لأنه عند ذلك سيقع الإنسان في أخطاء فادحة قهرًا ومن دون مشيئة.
مع الأسف إن بعض المتدينين والثوريين لم يحظوا بالعمق المعرفي وقد توقفوا في مستوى ثابت من المعارف الدينية وهم يزعمون أنهم يعرفون كل المفاهيم الدينية. فعلى سبيل المثال إن بعضهم يحملون فهمًا سطحيًّا عن مفهوم التقوى الأساسي والعميق ويتصورون أنه لا يتجاوز هذا المفهوم العظيم عن نطاق (اجتناب الذنوب)، ولا يتطلعون إلى كسب فهم أعمق عما عرفوه.
كثير من الناس وللأسف الشديد لا يتعبون أنفسهم للحصول على فهم عميق عن الدين وهذا أمر سيئ جدًّا. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أَفْ لِكُلِّ مُسْلِمٍ لَا يَجْعَلُ فِي كُلِّ جُمْعَةٍ يَوْمَا يَتَفَقَّهُ فِيهِ أَمْرَ دِينِهِ ويَسْأَلُ عَنْ دينه) (المحاسن، 1، 225).
إن بعض الناس - وللأسف - لا يخصصون وقتًا كافيًا لفهم الدين مكتفين بمستوى فهمهم العامي عن الدين. ولكن هذه السطحية في الفهم إما ستؤدي إلى فرار الشخص نفسه عن الدين، وإما يسوقه إلى ممارسة بعض الأعمال التي تبعد أشخاصًا آخرين عن الدين. وفي الواقع سوف يحاسبهم الله ويسألهم عن الذكاء الذي منحهم أين صرفوه وفي أي طريق بذلوه؟! إن بعض الأشخاص يصرف فاهمته وذكاءه في دراسته وفي الجامعة فقط، ويصرفها البعض في اللعب والمرح وقضايا أخرى دون أن يستخدموها في الدين.
فعلى سبيل المثال كشفت دراسة ميدانية في إحدى البلدان، أن أكثر المستبصرين الذين تشرفوا بالدخول في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) هم من خريجي الجامعات وذوي الشهادات الجامعية. الابتعاد عن الدين يعبر عن حالة من الحماقة والسفاهة والعامية. فكل من يخالف الدين فإنما يدل على حماقة في داخله. وهكذا قيمهم الله سبحانه فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 58].
إن خطر المتدينين الجهلة على الدين أكثر من خطر غير المتدينين، إن خطر المتدينين الجهلة بقدر خطر المنافقين / كل معاناتنا وآلامنا بسبب ما نراه من جهالة بعض المتدينين.
ليس النزاع الرئيس في العالم بين المتدين وغير المتدين، وإنما بين الذين يعلمون والذين يشعرون وبين الذين لا يعلمون ولا يشعرون. ليس النزاع بين الثوريين وغير الثوريين، بل إنما هو نزاع قائم بين الفهم وعدم الفهم، ويا لها من معاناة يتجرعها الدين من جانب بعض المتدينين الذين ليسوا من أهل الفهم والمعرفة. فإن هؤلاء قد يسيؤون إلى الدين بجهلهم الممزوج ببعض النزعات الإيجابية.
لقد طرقت أسماع بعض المتدينين بعض المفاهيم الدينية ولكنها لم تدخل في أعماق قلوبهم، فهم يشعرون ويدعون بأنهم يعرفون الدين كله فأحيانًا تكون أخطاء هؤلاء المتدينين واشتباهاتهم أضر على الدين من معاصي غير المتدينين.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (قطعَ ظَهْرِي رَجُلَانِ مِنَ الدُّنْيَا رَجُلٌ عَلِيمُ اللسَانِ فَاسِقٌ وَرَجُلٌ جَاهِلُ الْقَلْبِ نَاسِكَ هَذَا يَصُدُّ بِلِسَانِهِ عَنْ فَسَقِهِ وَهَذَا بِنُسُكِهِ عَنْ جَهْلِهِ فَاتَّقُوا الْفَاسِقَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْجَاهِلَ مِنَ الْمُتَعَبَدِينَ أُولَئِكَ فِتْنَةٌ كُلِّ مَفْتُونِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وآله ـ يَقُولُ يَا عَلِيُّ هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ كُلِّ مُنَافِقِ عليم اللسان) (الخصال، ج 1، ص 69) وكذلك قال: (قَطَعَ ظَهْرِي اثْنَانِ عَالِمٌ فَاسِقٌ يَصُدُّ عَنْ عِلْمِهِ بِفِسْقِهِ وَجَاهِلٌ نَاسِكَ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى جَهْلِهِ بنسکه) (غرر الحكم، 245، مجموعة ورام، ج 1، ص 82).
ومع الأسف قلما يلتفت إلى خطر الفئة الثانية، أي المتدينين الجهلة، في حين أن أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) تبين أن الصدمات التي يلحقها هؤلاء بالمجتمع تماثل صدمات المنافقين. وقد تجرعنا آلامًا كثيرة من جانب هاتين الفئتين. فبرأيكم ما هي أسباب مشاكل مجتمعنا الآن؟ كل ما نعاني منه فبسبب جهالة بعض المتدينين وحماقتهم. فإن جهالة هؤلاء المتنسكين تجتمع شيئًا فشيئًا وإذا بها تنجر إلى الانحراف والانشقاق.
الدين ظاهرة معقدة جدًّا وليس مجرد مفاهيم بسيطة نسمعها مرة واحدة ثم نتقنها وينتهي كل شيء بلا حاجة إلى تعمق وتفكر. بل إنما هو بحاجة إلى دقة وتعمق. لا يحتاج الدين إلى متخصصين نراجعهم وحسب، بل يجب على جميعنا فردًا فردًا أن نسعى للحصول على فهم عميق تجاه الدين.
قال علي (عليه السلام): ذلل نفسك بالطاعة / حاسب نفسك وانظر هل قد ازدادت ذلاًّ بعد الطاعة أم لا؟ نقف عند رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: (ذَلَلْ نَفْسَكَ بالطَّاعَةِ) (عيون الحكم، ص 255). فإن أطعت الله ولم تجد نفسك قد ازدادت ذلاًّ لله فلم تطع الله في الواقع، بل قد أطعت هوى نفسك، أو كانت شريكة في الطاعة على الأقل. مثلا ًرأيت أن هذه الطاعة تنسجم مع هواك فاخترتها، لتلبي رغبة نفسك وتطيع ربك في نفس الوقت.
مشكلتنا هي أن نفسنا لا تدعنا نطيع الله وحده، بل نطيع الله والنفس معًا. فلا يتقبل الله عبادتنا وطاعتنا حسب القاعدة لأنه لا يتخذ شريكًا. كأن الله يقول لنا: (إن لم تقدر على استحضار النية الخالصة في جميع أعمالك، فاستحضرها في بعض أعمالك وطاعاتك على الأقل ولتكن بعضها لأجلي فقط، يعني قم بالطاعة التي لا ترغب بها نفسك ولا تكن بحيث تنتقي الأفعال المنسجمة مع هواك وحسب)، (سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ـ عليه السلام ـ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا خَيْرُ شَرِيكَ مَنْ أَشْرَكَ مَعِي غَيْرِي فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لَمْ أَقْبَلُهُ إِلَّا مَا كَانَ لِي خَالِصاً) (الكافي، 2، 295) و(أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ فَمَنْ عَمِلَ لِي وَلِغَيْرِي فَهُوَ لِمَنْ عَمِلَهُ غَيْرِي) (وسائل الشيعة، ج 1، ص 72).
إن أردت أن تعرف أن ما قمت به من طاعة كانت لله واقعًا ولم يكن لنفسك شراكة فيه، فحاسب نفسك وانظر هل قد ازدادت النفس ذلاًّ لله بعد القيام بالعمل وأداء الطاعة أم لا؟ كيف تكون النفس إذا ذلت؟ ستكون في مقابل الله كبعض الأذلاء في هذه الدنيا والذين يهينون أنفسهم أمام الآخرين أو يتسولون في الطرقات. فلابد أن تصبح النفس هكذا في مقابل الله. لابد أن نرى هل نستطيع أن نذل أنفسنا في مقابل الله سبحانه، أم أننا أذلاء في مقابل شهوات النفس الدانية؟
من الأعمال الرائعة التي تعيننا على ذل النفس وتمنحنا هذا الشعور هو أن نهتم بقبول الطاعة أكثر من أدائها. فقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (كُونُوا بِقَبُولِ الْعَمَلِ أَشَدَّ اهْتِمَاماً بِالْعَمَل) (مجموعة ورام / ج 1، ص 64).
فعلى سبيل المثال، عندما تأمر نفسك بالسجود لله، تتمرد في البداية ولا تطيع، ولكنك إن استطعت أن ترغم أنفها وتفرض عليها السجود، بمجرد أن ترفع رأسك يتغيّر لحنها وتبدأ بالتفاخر والتباهي بفعلها وسجودها. وهذا هو العجب.
العالم كما نراه... وتأثير هذه الرؤية على نفوسنا
السيد عباس نور الدين
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (7)
محمود حيدر
شكل القرآن الكريم (4)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الأدوية المعنويّة والأدوية المادّيّة
الشيخ علي رضا بناهيان
الإيمان والطّمأنينة
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الاعتراف بالذنوب يقرّبنا إلى الله
الشيخ محمد مصباح يزدي
طرق الوقاية والعلاج من حبّ الدنيا
الشيخ مجتبى الطهراني
الهداية والإضلال
الشيخ شفيق جرادي
الذنوب التي تهتك العصم
السيد عبد الأعلى السبزواري
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات
حسين حسن آل جامع
اطمئنان
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
كم ساعة يجب أن تنام وفقًا لعمرك؟
العالم كما نراه... وتأثير هذه الرؤية على نفوسنا
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (7)
شكل القرآن الكريم (4)
الأدوية المعنويّة والأدوية المادّيّة
الإيمان والطّمأنينة
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ}
شكل القرآن الكريم (3)
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (6)
السيدة الزهراء: حزن بامتداد النّبوّات