تمهيد
عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام قال: "لم تخلُ الأرض منذ خلق الله آدم من حجَّة لله فيها ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجَّة لله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله، قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟ قال: كما ينتفعون بالشِّمس إذا سترها السحاب"1.
صحيح أنَّنا نعيش في زمن غيبة الإمام المهديِّ عجل الله فرجه الشريف، وأنَّنا ننتظر اليوم الذي يظهر فيه هذا الإمام المسدَّد ليقيم العدل على المعمورة كلِّها، وليتحقّق وعد الله تعالى به. ولكن هذا لا يعني أنَّ الانتفاع منه عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يحصل إلا يوم الظهور، بل هو حاضر وما زالت بركاته ظاهرة، وهداه يفيض على هذه الدُّنيا، كما عبَّرت هذه الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام، فالناس تنتفع به رغم كونه غائباً مستوراً. والتشبيه بالشمس التي سترها السحاب، يقرِّب الفكرة، فالشمس التي سترها السحاب لا نستطيع أن نراها، ولكنَّنا رغم ذلك لا نحرم من نورها، فنبقى تحت شعاعها نعيش نهارها رغم عدم رؤيتنا لها. هذا في التشبيه، لتقريب الفكرة وسنذكر فيما يلي بعض المفردات المتعلِّقة بكيفيِّة حصول الاستفادة في هذا الزمن.
سبب اللُّطف والرحمة الإلهيَّة
إنَّ نفس وجود الإمام عجل الله فرجه الشريف في هذه الدُّنيا له بركات غيبيَّة كبيرة، يكفي أن الله سبحانه وتعالى عندما ينظر إلى هذه الدنيا ليتعامل مع أهلها بما يستحقُّون، سيكون بين أفرادها هذا الإمام المعصوم الذي بسبب وجوده يدفع النقمة والعذاب، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِم﴾2.
التدخُّل بشكل غير مباشر
لعلَّ للإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف تدخُّلاته التي من خلالها يسدِّد المؤمنين ويوفِّقهم، ويصلح الأمور بما قدَّر الله تعالى له بما يتناسب مع الغيبة، تماماً كما حصل في قصَّة موسى مع العبد الصالح الذي أخبرت عنه الآيات القرآنية ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن ربِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عليه صَبْرًا﴾3. فهناك من يقوم بأعمال قد لا يلاحظها الناس، ولكنَّهم يعيشون آثارها الطيبِّة، ومثال ذلك القصّة المتقدّمة4 التي تُروَى عن الشيخ المفيد والتي فيها أنَّ الإمام الحجّة عجل الله فرجه الشريف قال له: "أَفِد يا مفيد، فإنْ أخطأت فعليّنا التسديد".
تعيين القيادة الشرعيَّة
ما كان الإمام المهديّ عجل الله فرجه الشريف ليترك أتباعه وشيعته دون راعٍ أو قائدٍ يرجعون إليه لأخذ تكليفهم منه، لذلك ورد في الرواية عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمَّد بن عثمان العمريّ أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطِّ مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف: "أمَّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبَّتك... (إلى أن قال) وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله"5.
في هذه الرواية وعلى أبواب الغيبة الكبرى يسأل إسحاق بن يعقوب الإمام الحجّة عن موضوع مهِّم جدَّاً وأساسيّ، سيُبتلى به المؤمنون في زمن الغيبة، وهذا الموضوع هو القيادة، لمواجهة كلِّ حادثةٍ وكلِّ تحدٍّ وكلِّ مستجِدٍّ قد يطرأ على الساحة، فالناس تحتاج لقيادة واضحة يرجعون إليها، وفي هذه الرواية حدَّد الإمام القيادة التي يجب على الناس الرجوع إليها.
رواة الحديث
إنَّ كلمة "رواة حديثنا" التي يوجِّه الإمام باتِّجاههم في موضوع القيادة، تفيد أنَّ من يتولَّى قيادة الأُمَّة يجب أن يكون منطلقاً في قيادته من فهمه العميق للإسلام الأصيل، المستند للأدلَّة الشرعيَّة الصحيحة المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام.
وعندما يكون المستند هو الدليل الشرعيّ والروايات فهذا يعني أنَّ الذي يتصدَّى لهذا الأمر يجب أن يكون قادراً على معرفة الأحكام الشرعيَّة من خلال الدليل الشرعيِّ، وهذا ما يُصطَّلح عليه بكلمة "المجتهد" أو كلمة "الفقيه" فالمجتهد والفقيه هو الإنسان القادر على استنباط الحكم الشرعيِّ من مصادره المقرَّرة؛ ولذلك كلمة "رواة حديثنا" كان يشار بها إلى العلماء والفقهاء.
وبالنتيجة فالإمام غائب لا يمكن أن يرجع إليه الناس مباشرة في موضوع القيادة، ولكنَّه قبيل غيبته أقرَّ أسلوباً شرعيّاً للقيادة في غيبته وهو أسلوب "ولاية الفقيه".
إنَّ عبارة "فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله"، تفيد أنَّ المؤمن غير مخيَّر في موضوع القيادة، بل الحجّة قائمة عليه بوجود هذا الفقيه، وليس هناك أيُّة شرعيَّة لأيِّ قيادة سوى قيادة الفقيه.
وحدة القيادة
إنَّ عبارة "رواة الحديث" جاءت بصيغة الجمع. فهل هذا يعني تعدُّد القيادة وإمكانيَّة أن يكون هناك أكثر من قائد في نفس الوقت؟
من الواضح في جميع الأنظمة وعند جميع العقلاء أنَّه لا بدَّ من قائد واحد يقود الناس، وأنَّ تعدُّد القيادة يعني ضياع الناس وتشتُّتهم وضعفهم. وبالإضافة إلى وضوح الموضوع عند جميع المجتمعات، هناك روايات أيضاً تؤكِّد وحدة القيادة كالرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّما للمسلمين رأس واحد"6، وغيرها من الروايات العديدة.
وأمَّا هذه الرواية "رواة حديثنا" فإن كانت بصيغة الجمع فهي لا تتحدَّث عن زمن واحد، وإنَّما تتحدَّث عن أزمنة متطاولة لا يعلم نهايتها إلا الله تعالى، وبالتالي فهناك العديد من القادة ولكن قائدٌ بعد آخر...
* جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 93 - 94
2- الأنفال: 32
3- الكهف: 79-82
4- تقدمت في مطالعة الدرس الدرس الحادي عشر
5- العلاّمة المجلسي، بحار الأنوار، 53، ص 181
6- م.ن. ج 69، ص 215
إيمان شمس الدين
عدنان الحاجي
الشيخ مرتضى الباشا
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد هادي معرفة
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
الشيخ علي الجشي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (1)
نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته
الأسرة الدافئة (1)
جنة عدن
القرآن كتاب كامل ودائم ومستقلّ في دلالته
الولادة الميمونة لفاطمة (عليها السلام)
السيّدة الزّهراء: تحفة سماويّة الملامح
تطوّر اللّغة واضطراباتها، جديد المترجم عدنان الحاجي
القرآن وخلق العالم
مفهوم العبادة وحدّها