السيد عباس نورالدين
لماذا نجد بعض الذين يهتمون بمجاهدة أنفسهم ويعتمدون برامج منضبطة ودقيقة لأجل تهذيب النفس يعيشون معاناةً شديدة في حياتهم، حيث يحيط بهم الغم من كل جانب ولا يستطيعون أن يذوقوا حلاوة الحياة ويتذوقوا بهجاتها. وممّا يؤسَف له هو أن يعتبر هؤلاء أنّ هذا الشيء أمرٌ لازم لسلوك هذا الطريق؛ فتراهم يغرقون أكثر في هذه المعاناة حيث تحيط بهم الكآبة والمشاعر السلبية والانقباض وضيق الصدر من كلّ جانب وتصبح ملازمة لهم في كلّ شؤونهم.
وهذا ما يطرح السؤال التالي: هل أنّ هذه المشاعر السلبية كالغم والهم والحزن والكآبة أمور صحية للإنسان أم إنّها من معيقات السير التكامليّ؟ ولكي نجيب عن مثل هذا السؤال ينبغي أن نعرف جيدًا ما هي خصائص التكامل وفق الرؤية الإسلامية؛ لأنّنا ما دمنا غير مدركين لمراحل التكامل فمن الصعب أن نحدّد معاييره.
إنّ تهذيب النفس بالمجاهدة أمرٌ ضروريّ وأساسيّ للانطلاق في هذه الحياة، لكن هذه المجاهدة ليست سوى مقدّمة ووسيلة لشيءٍ أعلى، ولا ينبغي عدّها هدفًا بحدّ ذاته. لقد خلقنا الله تعالى للقيام بمهمة كبرى، ولا ينبغي أن يشغلنا عنها أي شاغل. ولو تأملنا جيدًا لوجدنا أنّ الاشتغال بها والعمل عليها والتفرغ لها يُعد أفضل وسيلة لمجاهدة النفس. وكل من يبتعد عن هذه المهمّة ولا يجد دوره فيها، فسوف يصبح كل شيء عليه صعبًا وثقيلًا.
إنّ تهذيب النفس بكل ما أوتينا من قوة لا ينبغي أن يصبح شغلنا الشاغل، لأنّه وسيلة ومقدمة لشيء أعلى. فحين نعمل على تهذيب نفوسنا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن يكون هذا الأمر لتقويتها وإيجاد الاستعداد التام فيها لأجل استفاضة الكمالات من جانب الله تعالى. فالقلوب الطاهرة النقية من الأمراض القلبية والرذائل الأخلاقية هي التي تستقبل فيض الله وتصبح مستعدة للقيام بالمهمة الكبرى التي أنيطت بها وهي مهمة الخلافة الإلهية في الأرض. وتقتضي هذه المهمة أن يكون الإنسان عاملًا مندفعًا بكل حيوية يجذب من حوله لمؤازرته وإعانته على ذلك. والكل يعرف أنّ الكئيب المغموم التعيس ينفّر الناس ويطردهم، وفي أحسن الأحوال فإنّه يكون مورد شفقتهم فيفقد الجاذبية اللازمة للتأثير عليهم وقيادتهم.
إنّ طريق الله سهلٌ يسير. وأجمل ما يعبّر عن ذلك قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِير}،[1] وقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "بُعِثْتُ إِلَيْكُمْ بِالْحَنَفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ الْبَيْضَاءِ". [بحار الأنوار، ج30، ص548] وحين لا نجد هذا الطريق الإلهي والمنهاج الرباني سهلًا فمن الممكن أن نكون قد ابتُلينا بأحد هذه العوامل والأسباب.
إنّ طريق الشريعة قد عُبّد لأجل أن يتمكّن الناس من تهذيب نفوسهم وتخليتها من كل ما يشينها ويحط من قدرها ويبعدها عن الكرامة الإلهية التي جعلها الله عنوان خلق الإنسان في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}.[2] وكل من يسعى لمجاهدة نفسه على هذا الطريق فإنّه يكون ممّن سمع نداء البعثة ولبّى دعوتها. ولكن..
هناك ثلاثة أمور تجعل طريق مجاهدة النفس صعبًا وشاقًّا ومجهدًا؛ وكل من يسلك هذا الطريق ويشعر بالثقل والصعوبة ينبغي أن يلتفت إلى هذه الأمور أولًا ليرى إن كان واقعًا فيها أم لا.
الأمر الأول: تأتي الصعوبة من تحميل النفس ما لا تقدر عليه
وهذا يشبه من يريد أن يمتحن تلميذ الصف الرابع بمواد الصف العاشر. فكثيرًا ما ننظر إلى ما يقوم به الأولياء والعرفاء وأهل المجاهدة على مستوى تهذيب الباطن وتصفية القلب، ونظن أنّ علينا أن نطبق ما يقومون به تمامًا. علمًا بأنّهم لم يصلوا إلى هذه المرحلة إلا بعد مدة طويلة من المجاهدة وقطع محطات مهمة من التهذيب. ولا شك بأنّ كل شيء قبل أوانه سيكون صعبًا. فنفوسنا مثل عضلاتنا تزداد قوة بفعل التمرين والرياضة. فما لا نقدر على فعله في مرحلةٍ ما يصبح سهلًا يسيرًا بعد مدة من المجاهدة والرياضة. ولهذا، ينبغي أن نضع لأنفسنا برنامجًا نتدرج فيه ونرتقي حتى يصبح الصعب العسير علينا سهلًا يسيرًا.
الأمر الثاني: تأتي الصعوبة من عدم الأنس
حين نؤدّي العبادات من دون الالتفات إلى أبعادها المعنوية والقلبية، تصبح مجهدة ومملة فتنفر النفس منها، وهكذا يشق عليها القيام بها. ولهذا يجب التوجّه بالقلب في كل عبادة والعمل على تحصيل هذا التوجه القلبي واعتباره أكثر أهمية من العمل نفسه. وبعبارةٍ أخرى، يجب في البداية التركيز على النوعية أكثر من الكمية؛ وكل كمية وزيادة في المجاهدة والعبادة ينبغي أن تكون لأجل تفعيل هذا الحضور القلبي.
لا ينبغي أداء العبادات والأعمال المطلوبة بمعزل عن روحها، لأنّ روحها هي التي تبث النشاط والأنس في القلب. فإذا حصل الأنس، اشتاقت النفس إلى العبادات والطاعات وقامت بها بهمة عالية وحيوية بالغة ولم تجد فيها أي صعوبة.
الأمر الثالث: حذار من الإقامة على ظلم
أحد العوامل التي تسلب المجاهد روح العبادة وتؤدّي إلى هذه المشقات والعناءات هو أن يكون مصرًّا على معصية ما ولابثًا على ظلم أحد، ولو كان شيئًا بسيطًا جدًّا. فقد يكون ممّن يؤذي جاره ببعض الروائح أو بموقف سيارته أو ربما لا يعبأ بمعاناة أمه أو أبيه في عمل المنزل والاهتمام بالحديقة، علمًا أنّه يرى ذلك بعينه ويستطيع أن يساعدهما ولو بالمواساة والكلام الطيب.
لقد ذُكر في العديد من الأحاديث الشريفة أنّ المكث على ظلم الآخرين يسلب الإنسان حلاوة الذكر وروح العبادة، ممّا يؤدي بشكل تلقائي إلى هذه المعاناة.
ـــــــــ
[1]. سورة الحج، الآية 78.
[2]. سورة الإسراء، الآية 70.
الشيخ محمد الريشهري
الدكتور محمد حسين علي الصغير
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد جواد البلاغي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الأعلى السبزواري
محمود حيدر
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العقيدة، المعنى والدور
المرتدون في زمن النبي (ص)
طبيعة الفهم الاستشراقي للقرآن (1)
حين تصبح المرأة المثيرة هي القدوة، ما الذي جرى وكيف تُصنع الهوية؟
الحب في اللّه
العرفان الإسلامي
جمعية العطاء تختتم مشروعها (إشارة وتواصل) بعد 9 أسابيع
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (2)
قول الإماميّة بعدم النّقيصة في القرآن
معنى كون اللَّه سميعًا بصيرًا