السيد عباس نور الدين
عن رسول الله (ص) في خطبته المشهورة في استقبال شهر رمضان أنه قال: "ومن حسّن في هذا الشهر الشريف خلقه، كان له على الله أن يثبّت قدميه حين تزل الأقدام".
إنّ لتحسين الخلق في هذا الشهر آثارًا، لعلّها من أروع وأهم الآثار لصيام شهر رمضان، بل يمكن القول إنّ هدف الكثير من الأحكام المتعلقة بهذا الشهر هو إيصالنا إلى مقام حسن الخلق.
هناك الكثير من الأمور التي نقوم بها في شهر رمضان بصورة مؤقّتة تتعلق بالشهر نفسه كالصيام، حيث إنه لا يفترض على الإنسان أن يُكمل هذا البرنامج في الأيام اللاحقة رغم أنه برنامج مميز والجميع يلاحظون آثاره، لكنّه برنامج يحتاج إلى انضباط خاصّ. لكن هناك أمور ينبغي أن نراعيها وإنجازات ينبغي تحقيقها في هذا الشهر، وعلامة تحقّقها أنها تستمر معنا بقية أيام السنة ومنها وأولاها ها هنا: حسن الخلق.
صحيح أن حسن الخلق قد يكون مؤقّتًا وقد يكون ناتجًا عن مجاهدة إضافية، لكن من المفترض أن يتحوّل في شهر رمضان إلى ملكة راسخة في النفس. وحين تصبح أخلاقنا الفاضلة ملكات راسخة في أنفسنا، تصبح متّحدة معها، من خصائصها؛ ولذلك قال الله تعالى: {قل كل يعمل على شاكلته} أي على أخلاقه. فأخلاقك هي التي تبرز في تعاملاتك وعلاقاتك في هذه الحياة.
إذًا تحسين الخلق هو من النتائج المطلوبة، التي تُعدّ علامة نجاحنا في الصيام في شهر رمضان وعلامة على قبولنا في ضيافة الله سبحانه وتعالى.
إنّ الضيافة الإلهيّة شاملة لكل الكمالات. فالتخلق بالأخلاق الفاضلة "تخلّقوا بأخلاق الله" كما رُوي عن رسول الله (ص) وتحسين الخلق مع الناس: هو توفيق إلهي.
الله سبحانه وتعالى يقول أنه أنا بفضلي ورحمتي تصلون إلى التزكية، {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا}، "قد أفلح من زكّاها". والله هنا يقول على لسان رسوله (ص) أنّ هذا الشهر هو شهر الرحمة الإلهية، شهر بسط الرحمة.
كيف نستفيد من هذه الفرصة؟
الله يريد أن يزكينا في هذا الشهر {ويزكيكم}، هذه التزكية هي أحد أهم النتائج والثمار التي ينبغي أن نلتقطها. كيف؟ بالتوجه فقط. يعني أخرجها معك خارج شهر رمضان. أي إذا أردت أن أطالب بالمظالم فأنتظر إلى ما بعد شهر رمضان. فلهذا الشهر حرمة.
فلذلك من أهم الأعمال التي نحسّن فيها أخلاقنا في شهر رمضان المبارك، هو أن نعتبر جميع أنواع الجدالات بكل تفاصيلها العراكية وغيرها هي من الخطوط الحمراء المحرّمة، لا ينبغي أبدًا الدخول فيها. طبعاً، نحن كلما عظّمنا حرمة الله سبحانه وتعالى، الله ينصرنا في النهاية.
ما لم يحسن الإنسان خلقه مع الناس، لن يتمكن من تحسين خلقه مع الله. بل مقدمة حسن الخلق الإلهي، يعني التخلق بأخلاق الله، المقدمة الضرورية هي حسن الخلق مع الناس. مثل قاعدة "من لم يشكر الخلق لم يشكر الخالق". السبب في ذلك هي النظرة الإلهية التي تحكمنا بالموضوع. نحن كمتدينين كيف هي نظرتنا أو رؤيتنا الكونية للعالم. نعتبر أن المخلوقات هي توابع وهي مظاهر وهي شؤونات إلهية. المؤمن لا يفصل أحد عن التبعية الإلهية، "الخلق عيال الله"، كلهم، دون استثناء. وأمام كل واحد من هؤلاء يوجد مسؤولية تجاه كل واحد، مسؤولية خاصة. هناك أشخاص ينبغي أن نحبهم الحب الأتم، "من أحبكم فقد أحب الله"، وهناك أشخاص ينبغي أن نعاديهم في الله وأن نحاربهم لدرجة القضاء عليهم، حقهّم علينا أن نقتلهم، وإذا قصرّنا في قتلهم وقتالهم، يوم القيامة سيطالبوننا، أنه كنتم قادرين على تخفيف العذاب عنّا، بضعة سنوات أو ملايين السنين، فلماذا لم تقتلونا، ولذلك هذه فلسفة القتل في الإسلام، تخفيف من عذابات الآخرين. لذلك قتلنا لأي كافر رحمة مهما كان. لا نقتل أبداً تشفي، بأي شكل؛ بدليل أنه في عمق المواجهة معهم، في ذروة المواجهة إذا أسلم واحد منهم نفرح كثيراً، نكيّف ونهلل إذا أسلم وتاب. وبعدها يصير أخونا وعزيزنا. إذا كان حالنا مع أولياء الله هكذا وحالنا مع أعداء الله الطواغيت هكذا، ففي الوسط تكون قد وضحت المسؤولية.
إنّ للمؤمنين، بالمعنى الشرعي، حقوق كثيرة علينا، ومن أهم هذه الحقوق التجاوز عن سيئاتهم، وظلمهم الشخصي لنا. إلاّ في حالة واحدة، إذا كان هذا التجاوز يؤدي إلى المزيد من الظلم. كما يقال في الشرع، يجرّئه على الحرام. هنا ساعتئذ، رفضنا وموقفنا السلبي ينطلق من النهي عن المنكر، لا من اعتبار أخذ الحق واسترجاعه والمواجهة.
الأمر الآخر الذي يكمّل الجواب إن شاء الله تعالى هو أن نعتبر أن مضايقات الناس بكل تفاصيلنا هي لإصلاحنا. مرة من المرات، يأتي أصحاب الإمام الصادق عليه السلام إلى بيته، وكان لدى الإمام غلام يعمل عنده عمره 15، 16 سنة، أزعجهم جداً على الباب. دخلوا ووجدوه يتصرف نفس الشيء مع الإمام الصادق عليه السلام، قالوا له يا إمام لماذا تقتنيه؟ قال إنّما أفعل ذلك لأتعلم منه الحلم.
مثلاً أحد أسرار أنّه لماذا الله سبحانه وتعالى خلقنا وسمح لنا بالذنوب، هو من أجل أن يظهر مدى عظيم حلمه ورحمته. أكثر شيء يصعقنا نحن، أن نرى كيف أن الله سبحانه وتعالى حليم بالناس الفجّار، والطواغيت. ففرعون يقتّل الأطفال ويستبيح شعب بكامله، ويقول أنا ربكم الأعلى. ولم يترك ساحرًا بالعالم إلاّ ويعمل عنده ليضلّ الناس، لكن الله سبحانه وتعالى يأتي بشخص ويدخله إلى بيته، منذ طفولته، ثم يخرجه، ولا يترك فتنة بالعالم إلاّ ويمرره فيها، "وفتنّاك فتونا"، ويجعله يخدم شعيب 10 سنين تقريباً ويخليه حتى "ليصنع على عينه"، بعد أن يعدّه كل هذا الإعداد بالطفولة، يقول له اذهب وأخيك "اذهبا إلى فرعون إنّه طغى فقولا له قولاً ليناً". ألا يصعق هذا الأمر! كيف أنّ الله يتعامل مع أعدائه وأجرأ الناس عليه! هذا هو الخلق الإلهي الذي ممكن أن نحكي عنه لاحقاً.
فأن نصل في شهر رمضان إلى مرحلة نستطيع أن نتحمل وأن نستوعب الناس المؤذيين، الذين يدوسون على أي شيء. هؤلاء هم امتحاننا الأكبر في شهر رمضان وما بعده.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون قادرين من خلال رعاية هذه الأمور أن ننصف من ظلمنا ونعفو عمن أساء إلينا، كما يقول الإمام زين العابدين في استقبال شهر رمضان. هكذا هو شهر رمضان شهر العفو والمغفرة.
الشيخ محمد الريشهري
الدكتور محمد حسين علي الصغير
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد جواد البلاغي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الأعلى السبزواري
محمود حيدر
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
سبعة إصدارات أدبيّة ساخرة لأمين الحبارة
العقيدة، المعنى والدور
المرتدون في زمن النبي (ص)
طبيعة الفهم الاستشراقي للقرآن (1)
حين تصبح المرأة المثيرة هي القدوة، ما الذي جرى وكيف تُصنع الهوية؟
الحب في اللّه
العرفان الإسلامي
جمعية العطاء تختتم مشروعها (إشارة وتواصل) بعد 9 أسابيع
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (2)
قول الإماميّة بعدم النّقيصة في القرآن