مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
عبدالشّهيد الثّور
عن الكاتب :
عبدالشّهيد الثّور، كاتب وشاعر وخطّاط ورادود، ولد في العام 1965 بقرية السّنابس في البحرين، انجذب باكرًا إلى الخطّ العربيّ وعمل على تحصيل أسرار جماليّاته، بدأت مسيرته مع المواكب الحسينيّة مع نهاية العام 1979، فكوّن لونًا خاصًّا به في أداء العزاء الحسينيّ، يعدّ من الرّعيل الأوّل لرواديد البحرين الذين قادوا حركة التّجديد في العزاء في المنطقة، التي تزامنت مع انتصار الثّورة الإسلاميّة في إيران، وهو من القلائل الذين قاموا بتوثيق تجاربهم في المواكب الحسينيّة، له كرّاس بعنوان: (تجارب موكبيّة في سيرة رادود)، وكتاب في السيرة الذاتية بعنوان (أيام في ذاكرة الوطن)، ورواية بعنوان: (قاهر الموت) توثّق للأجواء الشّعائريّة العاشورائيّة بلغة شعريّة، وسوى ذلك من المؤلّفات. ينظم الشّعر بغزارة، وصدر له ديوان بعنوان (الدّموع الجارية)، وله العديد من المقالات المنشورة في المجلّات والمواقع الإلكترونية.

المفردات الشعبية في سياقها الموكبي

لكل مهنة أدواتها التي يعتمد عليها صاحبها في إنجاز عمله بها، كما للنجار أدواته من منشار ومطرقة وغيرها، كذلك للشاعر أدواته التي ينجز بها نصه الشعري، هذه الضرورة مطلوبة للشعر الفصيح والشعبي، الشاعر يحتاج للكلمات والمفردات بالدرجة الأولى لهندسة أبياته وإخراجها في أبهى صورة وأتمّ تنسيق، في هذه المقالة سأستعرض مجموعة من المفردات الشعبية الواردة في النصوص الموكبية، ومنها نتعرف على قدرة الشعراء على التمكن من زمام القصيدة الشعبية بامتلاك مفرداتها، وإدراجها في أفنية أبياتهم الشعرية، عابرين بها إلى القلوب بمفاتيح هي الأقدر على النفاذ إلى مكامن النفس لدى الجمهور المتعايش مع هذه المفردات، بالطبع فاللغة المحكية قريبة من القلوب جدًّا كونها تلامس شغافها من طرف يمس الشعور، لنأخذ هذا المثال من الشاعر فياض العالي:

يرعب جيوش بلمحته وخزرة عيونه

القارئ يستطيع أن يلتفت إلى مفردة (وخزرة) بسرعة لكونها الكلمة الملفتة في النص، ولا شك أنها أضافت للنص جمالاً وخروجًا عن المألوف، فكثير من الشعراء دون إجهاد للنفس سيستخدم كلمة (ونظرة) وهي تقليدية جدًّا، ولا تضيف للنص بعدًا شعبيًّا، (الخزرة) هي النظرة الغاضبة الصادرة من إرادة جادة لبثّ الرعب، بينما قد يتمكن بعض الشعراء من استخدام أكثر من كلمة في بيت واحد على السواء، فهذا الشاعر فيصل عبدعلي يقول:

ساطي بالمهجة سودني

ما انسى يومه يبو اليمه

مفردة (ساطي) وإن كانت فصيحة المعنى والجذر، إلا أن استخدامها في الشعبية عندما غلب للتأثر القلبي ولشدة الوقع على النفس، أصبحت قريبة من اللهجة المحكية كثيرًا، أما مفردة (سودني) فهي بمعنى أذهلني وأشغلني، ونحن بحاجة للبحث عن أصول كلمات كثيرة وهذه الكلمة منها، مفردة (يبو اليمه) كانت في الأصل (أبو الأئمة) فخففت وحذفت الألف الأولى والأخيرة وأدغمت في بعضها فأصبحت (بو اليمه) من خلال المعايشة يتمكن الشاعر أن ينتزع من البيئة المحيطة مفردات جميلة يوظفها في نصوصه، فاسمع الشاعر علي غريب كيف وظف إحدى هذه الكلمات:

نزف من كل كتُر دمه

مفردة (كتر) بمعنى جانب استخدمها بثقة وجرأة معرضًا عن كلمة (جانب) و(صوب)، كما أنه هناك كلمات هزيلة الوقع والمعنى وغير جديرة بالاستخدام، هناك الكم الفائض من المفردات الجميلة التي تزين النص وتضفي إليه رونقا وبهاءً، وتجد شعراء يبرعون دون غيرهم في التقاط المفردات الشعبية واستخدامها، وسياق الاستخدام هو الفيصل في إظهار جمال العبارة أو قبح التوظيف، في السياقات الشعبية يستخدم حرف (د) حرف ترجي وطلب ويمكن استخدامه مع كلمات كثيرة مثل (ارحم)..(اصبر) ..(خلني).. الشاعر عبدالمنعم مرزوق وظفها توظيفًا آخر:

يا دخيل الله دخفف عليهم كل ألم

ولا يبعد أن حرف (د) يدخل على كلمات كثيرة بهذا المعنى في السياق الشعبي، ومن طبيعة الكلمات الشعبية أو غالبيتها أن يكون لها أصل في اللغة الأم الفصيحة ولكن بعضها تحور وأخرى تُخفف وقد تطرأ الإضافة أو الحذف في بعض الكلمات، الشاعر علي غريب في وصفه للعباس يقول:

ويطوف اعلى الخيم عباس

وعلى اللي ابذمته يطمّن

مفردة (يطمّن) مخففة من كلمة (يطمئن)، كذلك الشاعر حسن القرمزي يقول:

صاب عباس ونحلني

ونيمه فوق الشريعه

هنا تجد مفردة (نيمه) تم إجراء تحويرها من كلمة (أنامه) حتى أصبحت (نيمه)، وكلما أوغل الشاعر في معايشة البيئة والمحيط الشعبي تمكن من اقتناص المزيد من مفرداته واستخداماته ويبدو أن الشاعر علي غريب لديه ولع بتصيد هذه المفردات فها هو يقول:

والله من زود العطش متفتت احشاي

مفردة (زود) لا تجد الشعراء يتجرأؤون ويستخدمونها ولكنه بادر واستخدمها ويعود لنا مرة أخرى ليقول:

بوالفضل يتراود الخيمه واهو الكافل

هنا أيضا تجد (يتراود) مفردة قليلة الاستخدام، تمكن علي غريب من هندستها هندسة مقبولة في نصه، أما الشاعر نادر التتان فنجده يغوص في أعماق الاستخدامات الشعبية ليستل منها مفردة نادرة الاستخدام:

حر وتظل أبد حر أجوديّ نبعك انته (أجودي) لا تجدها في النصوص الموكبية إلا نادرًا، وكلما اتسع أفق الشاعر في إدراك المعاني الشعبية تمكن من تطويعها في نصوصه، وللعاطفة المشحونة دور في إيقاع الكلمات والبحث عنها، كلما أمعن الشاعر واستغرق في بحر العاطفة وغاص في محيط المفردات الشعبية المترعة بالتأثير، وجد سيلاً من المفردات، فما عليه إلا تشذيبها وتوظيفها في شعره، الشاعر حسين حبيب يقول:

يني امحلّل تقضي امجدّل (امحلل) بمعنى مُبرّأ الذمة، وهذه المفردات أصبحت قليلة الاستخدام وذلك لرحيل مستخدميها ولابتعاد الحاجة لها في اللهجة المحكية، إلا أنها تبقى جزءاً من المفردات الشعبية.

ولو أردنا أن نحصر المفردات الشعبية لما تمكنا، وكثيرًا ما نجد حرف الشين داخلاً على الكلمات أو حرف (ج) كما يقول الشاعر أحمد السعيد:

يالعزيزة لا يدش بقلبج الخوف

وظاهرة حرف الشين في اللهجة البحرانية جديرة بإفراد مقالة خاصة لها، كذلك هي الاستخدامات الأخرى لدينا، وأخيراً نختم بمفردة استخدمها الشاعر سيدناصر العلوي:

بوكت ما يجتمع عزمه شمل أضلاعه يتبدد

في لهجتنا المحكية يحولون القاف إلى كاف في كلمة (الوقت)، وكثير من هذه المفردات تلقى استحسانًا وقبولًا في الاستخدام، بل وتكون سلسة اللفظ مرحب بها في الآذان، إنما وضعت هذه المقالة ليعتني إخوتي الشعراء باستخداماتهم للمفردات ووضعها في نصوصهم، ولكي يبحثوا عن كل ما هو جميل في اللهجة المحكية وتوظيفه التوظيف الصحيح، ولكي يكون للقصيدة الشعبية ألقها وقوتها ومجاراتها للقصيدة الفصيحة، ولكي لا تكون القصيدة الدارجة مجرد نظم تصفف فيه الكلمات متجاورة إلى بعضها دون انتقاء واعتناء بمفرداتها، البيت الشعري هو بمثابة عمل خارطة، فهي تتطلب حسابًا للمساحة وتقدير حاجة وضوابط فنية علينا مراعاتها.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد