
إنّ حقيقة الصوم التي هي عبارة عن تضعيف القوى الشيطانيّة الكامنة في النفس المفضية بالإنسان إلى المهالك لن تتحقّق إلاّ بتقليل الأكل الشرب، وأن يكون مقدار الطعام الذي يتناوله الصائم وقت الإفطار مساوياً للمقدار الذي كان يأكله في وجباته في سائر الأيّام لا أكثر. وإلاّ فلو تناول الصائم ما كان يأكله طوال الليل والنهار في سائر الأيام ليقوم بالتهامه كلّه عند الإفطار متداركاً ما فاته من الطعام بسبب الصوم، فلا قيمة لصيام مثل هذا الصائم ولا حقيقة لروح عبادته.
وأمّا ما نشاهده من بعض المترفين من أنّهم عندما يدخل شهر رمضان يقومون بإعداد ألذّ أنواع الطعام ويقومون بتشكيل المجالس لتناول أنواع الطعام وألوان الشراب، حتّى أنّهم في كثير من الأحيان يأكلون في ليالي شهر رمضان أكثر ممّا كانوا يأكلون في سائر الأشهر، فلا شكّ أنّ هذا الصوم لن يكون له أيّ أثر حقيقي مطلوب. بل إنّ من آداب الصوم ألاّ ينام الصائم كثيراً في النهار حتّى يتمكّن من إدراك معنى الجوع والعطش على أتمّ وجه ويستشعر ضعف القوى البهيميّة بوضوح، وأن يسعى مع مرور كلّ ليلة إلى تقليل مقدار إضافيّ من هذه القوى الحيوانيّة حتّى يصل بنشاطه الروحيّ إلى حدّ الكمال، ويهبط بقواه البهيمية إلى أدنى المراتب، ما يمكن له أن يتشرّف في أواخر شهر رمضان المبارك بشرف ليلة القدر.
إنّ ليلة القدر ليلة عظيمة تتجلّى فيها أنوار الملكوت الإلهيّ على العبد، ولذا فعلى الصائم الذي يريد نصيباً وافراً من هذه النعمة الإلهيّة العظمى، أن يمضي مقداراً من كلّ ليلة بالعبادة والذكر والصلاة.
رَوَى زُرارَة عَن أبي جَعْفَرٍ عليه السّلام: «أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لَمّا انْصَرَفَ مِن عَرَفاتٍ وصارَ [سَارَ] إلَى مِنًى، دَخَلَ المَسجِدَ، فَاجْتَمَعَ إلَيهِ النّاسُ يَسألُونَهُ عَن لَيلَة القَدرِ. فَقامَ خَطِيبًا فَقالَ بَعدَ الثَّناءِ عَلَى اللهِ عَزَّوجَلَّ:
أمّا بَعدُ، فَإنَّكُم سَألتُمُونِي عَن لَيلَة القَدرِ، ولَم أطوِها عَنكُمْ؛ لأنِّي لَم أكُنْ بِها عالِمًا. اعْلَمُوا أيُّها النّاسُ: أنَّهُ مَن وَرَدَ عَلَيهِ شَهرُ رَمَضانَ وهُوَ صَحِيحٌ سَوِيّ فَصامَ نَهارَهُ وقامَ وِردًا مِن لَيلِهِ وواظَبَ عَلَى صَلاتِهِ وهَجَرَ إلَى جُمُعَتِهِ وغَدا إلَى عِيدِهِ، فَقَد أدرَكَ لَيلَة القَدرِ، وفازَ بِجائِزَة الرَّبِّ عَزَّوجَلَّ».
وَقالَ أبوعَبدِ اللهِ عليه السّلام: «فازُوا واللهِ بِجَوائِزَ لَيسَتْ كَجَوائِزِ العِبادِ».
والذي لا ينبغي الذهول عنه: أنّ سلامة الروح مرهونة بسلامة البدن، والإفراط في تناول الطعام يضرّ بالبدن أكثر من أيّ شيء آخر. ورد في كتاب «فقه الرضا» عليه السّلام: قالَ: قالَ العالِمُ عليه السّلام: «رَأسُ الحِميَة الرِّفقُ بِالبَدَن».
وفي «المكارم» عن الرضا عليه السّلام: قالَ: «لَو أنَّ النّاسَ قَصَّرُوا في الطَّعامِ، لاسْتَقامَتْ أبدانُهُمْ». وَعَنِ الكاظم عليه السّلام قالَ: «الحِميَة رَأسُ الدَّواءِ، والمَعِدَة بَيتُ الدّاءِ، وعَوِّدْ بَدَنًا ما تَعَوَّدَ».
وورد في كتاب (الدعوات) للراوندي: قالَ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إيّاكُمْ والبِطنَة، فَإنَّها مَفسَدَة، لِلبَدَنِ ومَورَثَة لِلسَّقَمِ، ومَكسَلَة عَنِ العِبادَة».
وَعَن الأصبَغُ بنُ نُباتَة: سَمِعتُ أمير المؤمنين عليه السّلام يَقُولُ لابنِهِ الحَسَنِ عليه السّلام: يا بُنَىَّ، ألا اُعلّمك أربَعَ كَلِماتٍ تستغني بِها عَنِ الطِّبِّ؟ فَقالَ: بَلَى. قالَ: لا تَجلِسْ عَلَى الطَّعامِ إلاّ وأنتَ جائِعٌ، ولا تَقُمْ عَنِ الطَّعامِ إلاّ أنتَ تَشتَهِيهِ، وجَوِّدِ المَضغَ، وإذا نِمتَ فَاعرِضْ نَفسَكَ عَلَى الخَلاءِ. فَإذا اسْتَعمَلتَ هَذا اسْتَغنَيتَ عَنِ الطِّبِّ. وقالَ: إنَّ في القُرآنِ لآيَة تَجْمَعُ الطِّبَّ كُلَّهُ: {كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا}».
وأن يكون القلب بعد الإفطار مضطرباً ومعلّقا بين الخوف والرجاء ، وإيّاه من أن يتملّكه الشعور بالعجب والرضا عن النفس؛ لأنّه له أن يعلم حال صيامه: أمقبول هو عند الله، فصار من المقرّبين عند الله، أم مردود ومطرود من رحمة الله؟ وبشكل عامّ ينبغي للإنسان بعد كلّ عبادة أن يكون أمله متعلّقاً بالله سبحانه وأن يكون اعتماده على رحمته وكرمه، لا أن يطمئنّ بعمله ويعتمد عليه.
نَظَرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ عَلَيهما السّلام إلَى أناس في يَومِ فِطرٍ يَلعَبُونَ ويَضحَكونَ، فَقالَ لأصحابِهِ والتَفَتَ إلَيهِم: «إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ شَهرَ رَمَضانَ مِضمارًا لِخَلقِهِ يَستَبِقُونَ فيهِ بِطاعَتِهِ إلَى رِضوانِهِ، فَسَبَقَ فيهِ قَومٌ فَفازُوا، وتَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخابُوا. فَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ مِنَ الضّاحِكِ اللاّعِبِ في اليَومِ الذي يُثابُ فِيهِ المُحسِنُونَ ويَخِيبُ فِيهِ المُقَصِّرُونَ! وأيْمُ اللهِ، لَو كُشِفَ الغِطاءُ لَشُغِلَ مُحسِنٌ بِإحسانِهِ ومُسِيءٌ بِإساءَتِهِ».
معنى (نسف) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
أكبر مسؤوليات التربية... منع تسلّط الوهم على الفطرة
السيد عباس نور الدين
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (2)
محمود حيدر
التحلّي بذهنيّة قويّة وإيجابيّة يلعب دورًا فعّالًا في التّأقلم مع الألم المزمن وإدارته
عدنان الحاجي
الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
نوازع وميول الأخلاقيات
الشيخ شفيق جرادي
المذهب التربوي الإنساني
الشهيد مرتضى مطهري
الحق والباطل: ماء راسخ وزبد يزول
الشيخ جعفر السبحاني
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ..} كيف يُنسب اليأس للرسُل؟
الشيخ محمد صنقور
أَمَرْنا مُتْرَفِيها!
الشيخ محمد جواد مغنية
اطمئنان
حبيب المعاتيق
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
فوائد الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
معنى (نسف) في القرآن الكريم
أكبر مسؤوليات التربية... منع تسلّط الوهم على الفطرة
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (2)
التحلّي بذهنيّة قويّة وإيجابيّة يلعب دورًا فعّالًا في التّأقلم مع الألم المزمن وإدارته
جمعيّة سيهات للخدمات الاجتماعيّة تختتم الهاكثون الإبداعيّ بثلاثة فائزين
(أسرار ملقاة على الرّصيف) أمسية شعريّة بديعة للعبادي والهميلي
اختتام النّسخة الثّامنة عشرة من حملة التّبرّع بالدّم (نعم الجود)
الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم
معنى (رعد) في القرآن الكريم