فجر الجمعة

السيد كامل الحسن : ماذا يعني التاسع من ربيع؟

تحدّث سماحة السيد كامل الحسن في خطبة له بعنوان: ماذا يعني التاسع من ربيع؟ حول قول الإمام الصّادق عليه السّلام: "رحم الله شيعتنا، خُلقوا من فاضل طينتنا وعُجنوا بماء ولايتنا، يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، أولئك منا" متطرّقًا إلى ما يفرح أهل البيت عليهم السّلام وما يحزنهم، مقدّمًا عدّة احتمالات حول معنى "فرحة الزهراء عليها السّلام". وذلكَ في ٩ ربيع الأول ١٤٤٦هـ في جامع الامام الباقر بصفوى.

 

"يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون". السلام عليكم جميعًا ورحمة الله. بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوكل عليه، خالق الخلق ومدبر الأمر، رب السماء والأرض، عصى فغفر، وملك فقدر، وأمات فأقبر، وإذا شاء أنشر. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا وزير، وهو على كل شيء قدير. وأصلي وأسلم على صفيه وأمينه وحبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه ومبلغ رسالاته، سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا وشفيع ذنوبنا، سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، سيما بقيّة الله في الأرضين.

أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله واغتنام طاعته ما استطعتم في هذه الأيام الفانية. قال الإمام الصادق عليه السلام: "رحم الله شيعتنا، خُلقوا من فاضل طينتنا وعُجنوا بماء ولايتنا، يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، أولئك منا".

في هذا اليوم، يوم التاسع من ربيع الأول، هناك بعض المفاهيم الاجتماعية التي تحتاج إلى توضيح. قبل أن نتحدث عن بعضها، نتحدث عن هذه الرواية المروية عن الصادق سلام الله عليه، حينما يقول بأن الشيعة إنما خلقوا من الطينة المتبقية التي خلقنا منها أهل البيت، وبالتالي فهم مرتبطون بنا لأنهم خلقوا مما تبقى من طينتنا، وهذه العلاقة جعلتهم يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا. أما الآخرون فلم يُخلقوا من بقية طينتنا، فلا يهمهم فرحنا ولا حزننا. إلا أنه ينبغي أن يكون السرور والفرح بما يتطابق مع سلوكنا كشيعة. فإذا أردنا أن ندخل السرور على أئمتنا عليهم السلام، فعلينا بطاعة الله والالتزام بأحكامه وإقامة دينه، فهذا الأمر يفرحهم بلا شك. وإذا صدرت منا بعض المخالفات، فهذا الأمر أيضًا يحزنهم بلا شك. ولذلك ورد في دعاء الإمام الحسين عليه السلام حينما يخاطب ربه: "وأسعدني بتقواك ولا تشقني بمعصيتك". في بعض الروايات: "بمعاصيك". الذي يسعد هو الطاعة، والذي يحزن هو المعصية. حتى أن الإنسان على مدار أيام السنة في أدعية الأسبوع، سيما دعاء يوم الخميس الوارد عن الإمام السجاد عليه السلام: "ولا تفجعني فيه وفي غيره من الليالي والأيام بارتكاب المحارم واكتساب المآثم". الشاهد: "ولا تفجعني"، كأنما يقول بأن ارتكاب الإنسان الذنب أو المعصية هي فجيعة حلت على رأسه، إلا أنه غافل عنها. "لا تفجعني"، كما لو فقد الإنسان ولده أو أباه أو زوجته أو عزيزًا له، هذه فجيعة بالنسبة له ومصيبة. الإمام عليه السلام يقول بأن ارتكاب المعصية فجيعة. "لا تفجعني بارتكاب معصية". هنا الإمام يريد أن يقول بأن ما يدخل علينا السرور هو الطاعة، وما يدخل علينا من الحزن هو أن يرتكب الشيعي معصية تسيء إلينا وتسيء إليه. وهنا أريد أن أشير إلى بيان أمرين:

الأمر الأول: ما تعارف عند المؤمنين في يوم التاسع من ربيع الأول، وهو ما أطلقوا عليه بيوم (التتويج ويوم التنصيب)، فيتبادلون التبريكات والتهاني على مستوى مواقع التواصل وغير ذلك. جرت العادة أن تاسع ربيع يعني يوم التنصيب، يعني يوم التتويج. إلا أننا إذا أردنا أن نخضع هذا المفهوم للواقع العقائدي والتاريخي، هل يصمد أو لا يصمد؟ طبعًا هذا خلاف الواقع العقائدي والتاريخ. يعني لا دليل على ذلك، أنه يوم توج الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف بمنصب الإمامة. وهنا ملاحظات في هذا المفهوم.

الملاحظة الأولى: لا يوجد لدينا على مستوى العقائد لأئمتنا عليهم السلام يوم يُطلق عليه يوم التنصيب والتتويج. لا يوجد. مسألة التنصيب والتتويج خاضعة لغير الأئمة. زعيم رحل وجاء من بعده زعيم، سلطان رحل وجاء من بعده سلطان، يقال منصب، يقال توج بالزعامة والرئاسة والسلطنة. هذا بالنسبة إلى البشر، أما بالنسبة إلى أئمتنا، لا يوجد عندهم تنصيب وتتويج. لماذا؟ لأنهم أئمة قبل أن يخلق الله تعالى السماء والأرض بأربعة عشر ألف عام. هم أئمة ومتوجون من قبل الله. الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يقول: "كنت نبيًّا وآدم بين الماء والطين". كنت نبيًّا. وبالتالي التتويج والتنصيب ليس له علاقة بالأئمة عليهم السلام.

ثانيًا: إن هناك ابتكارًا صنعه الناس. هم الذين ابتكروا ذلك، فقالوا تنصيب، وقالوا تتويج. فلو كان الأمر صحيحًا، أنه بعد شهادة الإمام العسكري عليه السلام، توج الإمام صاحب الزمان عليه السلام يوم التاسع، إذا كان ذلك صحيحًا، لماذا لا تجري العادة على بقية الأئمة عليهم السلام؟ مثلًا شهادة الإمام السجاد عليه السلام في 25 محرم، لماذا لم يتوج الإمام الباقر في يوم 26 محرم؟ ولماذا في يوم مثلًا شهادة الإمام الصادق 25 شوال، لماذا لم يتوج الإمام موسى بن جعفر في يوم 26 شوال؟! وهكذا قس على بقية الأئمة. لا يوجد هناك تتويج وتنصيب. وكيف تكون شهادة الإمام العسكري عليه السلام في الثامن من ربيع، ويكون في يوم التاسع تتويج؟ أصلاً هذا خلاف الذوق. فالشيعة في حزن على شهادة إمامهم يوم ثامن ربيع، وفي يوم تاسع ربيع بيوم واحد يكون تتويج للإمام من بعده كيف يحصل؟ على فرض التسليم والصحة.

إضافة إلى أنه كملاحظة، لا يمكن أن يحصل هناك ولو دقائق معينة تبقى الأرض بلا حجة وبلا إمام. يعني شهادة الإمام العسكري في ثامن ربيع، وبعد 24 ساعة من شهادته، توج الإمام. صار عندنا 24 ساعة فراغ في الإمامة. لا يمكن أن يحصل فراغ في الإمامة ولا في ثانية واحدة. ولذلك عندنا في الروايات الصحيحة، لو حصل هناك فراغ أو عدم وجود إمام ولو لثوانٍ، تقول الرواية لساخت الأرض بأهلها. لا يمكن أن يكون هناك فراغ ولو للحظات. لا يوجد فراغ. إضافة إلى أنه لم نسمع في تاريخ أهل البيت أنهم عليهم السلام طلبوا من شيعتهم. الإمام قال للشيعة: تعالوا، غير موجود مثلًا. "امدد يدك يا ابن رسول الله وبايعك"، ليس عندنا، هذا غير موجود. لأن الأئمة عرّفوا شيعتهم، كل إمام يُعرّف شيعته من هو الإمام الذي سيأتي من بعده مباشرة. الشيعة تعرف. الإمام الجواد عليه السلام في الرواية يقول: الوصي من بعدي ابني علي، يعني الهادي، ومن بعده ابنه الحسن، يعني العسكري. هذه كلمة مفهومة عند الشيعة. يتوفى الإمام الجواد، الشيعة تعلم أن الإمام بعد الجواد هو الهادي. ليس عندنا "تعالوا بايعوني"، "امدد يدك يا ابن رسول الله وأبايعك". هذا غير موجود.

فليس إذًا عندنا تتويج وتنصيب. نعم، في حالة واحدة حصل التتويج وحصل التنصيب فقط لأمير المؤمنين عليه السلام في يوم الغدير. هذا التنصيب هو في الواقع بيعة. إن النبي أمر المسلمين أن يبايعوا عليًّا بإمرة المؤمنين، بيعة يعني في أعناقهم من الله. النبي نصب عليًّا، هنا التتويج والتنصيب، ليس أنه الآن صار إمامًا، لا، هو إمام قبل الخلق. وإنما التنصيب يعني لحكومة المسلمين. فالإمام هو إمام، حتى في بداية الدعوة، النبي قال لبني هاشم: "جئتكم بلا إله إلا الله، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر؟ فيكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي". فأحجم القوم ولم يقم إلا علي. أعادها النبي ثلاث مرات: من يؤازرني؟ لم يقم أحد إلا علي. في المرة الثالثة قال علي: أنا يا رسول الله. فأخذ النبي بيد علي وقال: "هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي". في بداية الدعوة وركز عليها بعد ذلك على مستوى عموم المسلمين في يوم الغدير.

هذا بالنسبة إلى بيان: هل صحيح هناك تنصيب أو تتويج؟

البيان الثاني: إن يوم تاسع ربيع هو يوم فرحة الزهراء عليها السلام. أيضًا في بعض الروايات، هو يوم البركة ويوم العافية. يوم البركة ويوم العافية ويوم نزع السواد، وغير ذلك. حينما نأتي إلى هذا المفهوم الثاني، طبعًا عندنا روايات كثيرة نحتاج أن نفهم، أن يوم التاسع من ربيع هل هو عيد أم ليس بعيد؟ عندنا نحن الشيعة الأعياد أربعة: الفطر، والأضحى، والغدير، ويوم الجمعة. هذه أعيادنا. بالنسبة إلى يوم التاسع من ربيع، هل هو عيد أم لا؟ عندنا روايات، بعض العلماء يضعف هذه الروايات على أن يوم تاسع ربيع هو يوم عيد، وبعض العلماء يوثق هذه الروايات على أنه فعلاً هو يوم عيد. من هذه الروايات التي توثق الرواية التي رواها أحمد بن إسحاق، أحد أكابر أصحاب الإمام العسكري عليه السلام. مضمون الرواية يقول إنه دخل، يعني أحمد بن إسحاق، دخل على الإمام العسكري عليه السلام، وهو يأمر عياله وخدمه بلبس الثياب الجديدة والأحذية الجديدة وتوزيع الحلوى والتزيين فيما بينهم. أحمد بن إسحاق تعجب من هذا. لأول مرة، هذا في يوم تاسع ربيع. رأى الإمام العسكري يأمر عياله بذلك، بلبس الملابس الجديدة والأحذية الجديدة، والتزيين، والضيافة من حلوى وغير ذلك. أحمد بن إسحاق قال: يا ابن رسول الله، ما هذا اليوم؟ قال: هو يوم دعا فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، مضمون الرواية، الأنصار، يعني المهاجرين والأنصار. دعا بأن يعظموا في مستقبل آخر الزمان، يعظموا هذا اليوم ويطعموا إخوانهم ويقضوا حوائجهم، فقد روى آبائي عن رسول الله ذلك. الإمام العسكري يقول لأحمد بن إسحاق: هذا العمل رواه آبائي عن رسول الله، أن الرسول قال للأنصار: "إنه في مستقبل الزمان، أطعموا إخوانكم، اقضوا حوائجهم". ولذلك عندنا من بين المستحبات في هذا اليوم: قضاء حوائج المؤمنين والتوسعة على العيال، على الأهل والأولاد، التوسعة عليهم. هذه أمور مستحبة، أو الغسل.

هذه الروايات لها أسباب ثلاثة عند علمائنا: لماذا يوم التاسع من ربيع هو عيد؟

السبب الأول: وعليه الكثير من علمائنا، أنه يوم استجابة لدعاء الصديقة فاطمة عليها السلام. إن الله تعالى استجاب دعاءها. فحينما استجاب الله دعاءها، فهذه الاستجابة أدخلت السرور على قلبها وعلى أولادها وعلى شيعتها. إن الله استجاب دعاءها.

السبب الثاني: أن جبرائيل عليه السلام أخبر النبي صلى الله عليه وآله، بأنك يا رسول الله ستنال الشهادة في آخر أيام صفر. مرت سنة، انتهى شهر صفر، ولم ينل الرسول الشهادة، ففرحت الزهراء أنه أعطي لأبيها سنة جديدة تعيش معه. ففرحت الزهراء.

هناك روايات أخرى. رواية ثالثة: أن يوم التاسع من ربيع هو أول يوم يتصدى الإمام المنتظر عليه السلام لإدارة شؤون الإمامة والأمة. وهذا الرأي أيضًا يتبناه الكثير من العلماء. حينما يتصدى الإمام، إذًا هو سيأخذ ثأر أهل البيت، ومن بينهم الزهراء. وأيضًا يعرّف العالم بمظلومية الزهراء وعظمة الزهراء، ويكشف عن قبر الزهراء الذي لا يعرفه أحد. وهذا العمل يدخل الفرح على قلب الزهراء. فيقال: فرحة الزهراء لأن الإمام الحجة ولدها، وهو الذي سيأخذ الثّأر ممن ظلمها، وهو الذي سيعرّف المسلمين عظمتها ويكشف عن قبرها المخفي. هذا رأي. يُقال فرحة الزهراء. إذًا عندنا روايات متعددة في هذا الجانب.

من هنا يستحب في هذا اليوم، هناك أمور مستحبة. ينبغي للمؤمنين مراجعة هذه المستحبات في كتب الأدعية، بأن هذا يوم مبارك ويوم عظيم على المؤمنين. أن يدخل السرور في قلوبهم، كما دخل على قلب رسول الله وقلب الزهراء وقلب أهل البيت. هذا ما قصده الإمام الصادق عليه السلام: "رحم الله شيعتنا، خلقوا من فاضل طينتنا وعجنوا بماء ولايتنا، يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا". فنحن نفرح لأن أهل البيت فرحون، ونحن نحزن لأن أهل البيت في حالة حزن. فإذا فرحوا فرحنا، وإذا حزنوا حزنا. هذه قاعدة. لكن السلوك المطابق لما يدخل السرور على أهل البيت، طاعة الله تدخل السرور، ومعصية الله تدخل الحزن. أجارنا الله وإياكم من الذنوب والمعاصي، وأدخل السرور على قلوب أئمتنا عليهم السلام بسلوكنا وأعمالنا. ونسأل الله تعالى زيارتهم، وأن يثبتنا على ولايتهم، وأن تنالنا شفاعتهم يوم القيامة.

بسم الله الرحمن الرحيم، قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد