فجر الجمعة

الشيخ عبدالكريم الحبيل: تأملات في وصية الإمام العسكري (ع)

تحدّث سماحة الشيخ عبدالكريم الحبيل في خطبة له بعنوان: تأملات في وصية الإمام العسكري (ع) مفصّلاً فيها بكونها برنامج حياة متكاملاً، وذلك ٩ ربيع الأول ١٤٤٦هـ في مسجد الخضر عليه السلام في جزيرة تاروت - الربيعية

 

السلام عليكم ورحمة الله، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الأول قبل الإنشاء والإحياء، والآخر بعد فناء الأشياء، العليم الذي لا ينسى من ذكره، ولا ينقص من شكره، ولا يخيب من دعاه، ولا يقطع رجاء من رجاه، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، سبحانه لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له وليٌّ من الذل، وكبّره تكبيرًا، وأشهد أن حبيبه المجتبى وأمينه المرتضى المحمود الأحمد المصطفى الأمجد أبا القاسم محمد صلى الله عليه وآله عبده ورسوله، أرسله نذيرًا للعالمين، وأمينًا على التنزيل، فبالغ في النصيحة ومضى على الطريقة، ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة. اللهم فصلّ عليه وآله أفضل ما صليت على أحد من خلقك من الأولين والآخرين، وبلغه منا تحية كثيرة وسلامًا.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإنها أفضل زاد وأحسن عاقبة في معاد، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، فإنها لم تخلق لنا دار مقام، بل خُلقت لنا دار مجاز لنتزود منها صالح الأعمال إلى دار القرار، فتزودوا منها ما تُحرزون به نجاة أنفسكم غدًا، فليس بين أحدنا وبين الجنة أو النار إلا الموت إن ينزل به. ألا وإن أبلغ الحديث موعظة كتاب الله: "وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو، وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون". جعلنا الله وإياكم من خيرة عباده المتقين الصالحين، وثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنه سميع مجيب.

أيها الإخوة الكرام والأخوات المؤمنات، مرّت بنا أمس ذكرى وفاة سيدنا ومولانا أبي محمد الإمام الحسن بن علي الزكي العسكري صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين. وبهذه المناسبة نرفع العزاء إلى مولانا صاحب العصر والزمان، وإلى جميع مراجعنا العظام، وإلى جميع شيعة آل محمد ومحبيهم، وإليكم أيها الإخوة الكرام، سائلين العلي القدير أن يعظم لنا ولكم الأجر ويجزل لنا ولكم المثوبة، إنه سميع مجيب. وسأجعل حديثي حول وصية من نور ذلك الإمام، ومن فيض ذلك الإمام العظيم. وبدءًا أقدم بطاقة نور عن إمامنا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

الإمام ولد في الثامن من ربيع الثاني سنة 232 للهجرة، ووالده الإمام الهادي عليه السلام، وأمه أُمُّ ولدٍ من بلاد النوبة اسمها سليل على الأشهر. وبلاد النوبة تقع في جنوب مصر وشمال السودان تقريبًا الآن، في هذا الزمان 25% منها في مصر والباقي في بلاد السودان. وكانت في ذلك الزمان دولة مستقلة معروفة ذات كيان معين. وُلِد في أشهر الأقوال بالمدينة المنورة، إلا أنه لما أُشخص الإمام الهادي عليه السلام إلى بغداد أو إلى سرّ من رأى، كان الإمام عليه السلام لا يزال طفلًا صغيرًا، قيل عمره لم يتجاوز السنتين. كنيته أبو محمد، وتوفي سنة 260 للهجرة.

هذه وصية مروية عن الإمام عليه السلام، وكل كلام أئمتنا عليهم السلام نور وموعظة، ونقرأ هذه الوصية تيمناً وتبركاً بكلام الإمام عليه السلام ومواعظه. فالإمام عليه السلام في وصيته هذه يفتتحها بـ: "أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم". التقوى: العمل بالواجبات وترك المحرمات، والورع هو زيادة على ذلك، الوقوف حتى عن الولوج في الشبهات وإن لم تكن محرمة. فالورع لا يقتحمها، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". فالورِع يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه.

والاجتهاد لله: اجعل جميع عملك لوجه الله سبحانه وتعالى، جميع حركتك، اجعل اجتهادك لله، وصدق الحديث وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برٍّ أو فاجر. لهذا روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "اختبروا شيعتنا بصدق الحديث وأداء الأمانة"، فإن كان صادقاً في حديثه يؤدي الأمانة إذا ائتمن عليها، فإنه في هذه الحالة يعتبر من شيعة آل محمد حقاً.

صدق الحديث وأداء الأمانة، وأداء الأمانة ليس فقط في المال، بل حتى من أودع عندك سرًّا من الكلام وقال لك لا تخبر أحدًا. لكن بعد أن يفارقه بسرعة، يسرع بإخبار الآخرين. ويدعو الإمام عليه السلام إلى "أداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برٍّ أو فاجر، وطول السجود". ينبغي بالمؤمن أن يكثر من السجود لله سبحانه وتعالى. "وحسن الجوار، وبهذا جاء محمد صلى الله عليه وآله". ثم قال عليه السلام: "صلوا في عشائرهم". وصية إلى شيعته في العلاقات مع الأطراف الأخرى: "صلوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم. فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدى الأمانة وحسَّن خلقه مع الناس، قيل هذا شيعي فيسرني ذلك".

ثم واصل الإمام عليه السلام وصيته قائلاً: "اتقوا الله وكونوا زيناَ ولا تكونوا شيناً، جروا إلينا كل مودة". وهذه رسالة إلى كل المبلغين، وإلى كل المؤمنين، وخصوصاً حينما يختلطون بغيرهم من إخوانهم المسلمين أو من غير المسلمين. "جرّوا إلينا كل مودة". يعني دعوا الآخرين يحبوننا، لا تجعلوا الآخرين يكرهوننا. "جرّوا إلينا كل مودة وارفعوا عنا كلّ قبيح". بسلوكك، بعملك الصالح، بتصرفك الجميل، بحسن معاملتك مع الآخرين، أنت ترفع عن أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كل قبيح. "فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. لنا حق في كتاب الله". "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى". "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا". "لنا حق في كتاب الله، وقرابة من رسول الله صلى الله عليه وآله، وتطهير من الله". الله سبحانه وتعالى طهر أهل البيت وأذهب عنهم الرجس. "وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلا كذاب".

"أكثروا ذكر الله وذكر الموت، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، فإن في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله عشر حسنات. احفظوا ما أوصيتكم به، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام".

هذه المقطوعة للإمام عليه السلام حفلت بوصايا وروائع من التربية الإسلامية:

- أولاً: الوصية بتقوى الله.

- ثانياً: الورع عن محارم الله.

- ثالثاً: صدق الحديث.

- رابعاً: أداء الأمانة.

- خامساً: حسن الجوار.

- سادساً: حسن السلوك وطيب المعاشرة مع الطوائف الإسلامية، لأنه قال عليه السلام: "صلوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم". حسن السلوك وطيب المعاشرة مع الطوائف الإسلامية.

- سابعاً: الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى. "أكثروا ذكر الله".

- ثامناً: الإكثار من ذكر الموت. فإن الإكثار من ذكر الموت يجعل الإنسان دائماً في حالة ذكرى ويبعد عنه الغفلة. الغافل لا يذكر لقاء الله سبحانه وتعالى، الغافل لا يتوقع أنه سيأتي يوم يرحل عن هذه الدنيا، الغافل في حالة من السبات عن لقاء الله سبحانه وتعالى. "أكثروا من ذكر الله وذكر الموت".

- تاسعاً: تلاوة القرآن الكريم. فالإمام عليه السلام يحث على تلاوة كتاب الله وتلاوة القرآن.

- عاشراً: الإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد.

هذه وصايا عشر جاءت في هذه الوصية للإمام، وهي في الحقيقة برنامج سلوكي إيماني متكامل للإنسان المؤمن، للإنسان المسلم في هذه الحياة الدنيا. فإذا عمل الإنسان بهذه الوصايا العشر، فسوف يكون من الصالحين. وفي الحقيقة ليس فقط من الناحية الفردية بل من الناحية الاجتماعية أيضًا. فرديًّا حيث علاقته بربه من حيث تقوى الله والعمل بما أوجب الله سبحانه وتعالى عليه من واجبات. وأيضاً من خلال علاقته مع الناس، علاقته مع الناس بجميع أصنافهم وفئاتهم، سواء كانوا إخوانه المؤمنين الذين يشتركون معه في المعتقد وفي المذهب، أو إخوانه من المسلمين، أو إخوانه من غير المسلمين.

بل إن الإمام عليه السلام يدعو إلى حسن العلاقة وحسن التعامل حتى مع الإنسان الفاجر. "أداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برٍّ أو فاجر". فالإمام عليه السلام يعطينا في هذه الكلمة الرائعة، وهذه الوصية الفريدة، برنامج حياة متكاملاً في علاقتنا الخاصة مع الله سبحانه وتعالى، وعلاقاتنا مع الآخرين. وينبغي بنا أن نطبق هذه الوصايا. فإذا طبقنا هذه الوصايا العظيمة، فسوف نكون من صالح عباد الله، ومن خيرة عباده المتقين. وهذه الوصية وصية من الإمام عليه السلام إلى شيعته، إلى محبيه، إلى الموالين إليه. وحري بنا نحن كمؤمنين ومعتقدين بإمامة ذلك الإمام العظيم، أن نقرع أسماعنا وقلوبنا بهذه الوصية، ونكون وكأن الإمام بالفعل يخاطبنا، كأنه يلقي هذا الكلام علينا مباشرة.

كأن الإمام واقف يخاطبنا مباشرة. فحينما أجعل نفسي في موقع وفي حال بأن الإمام عليه السلام يخاطبني، بأن الإمام يوصيني مباشرة، وأن هذه رسالة مرسلة إليّ من الإمام عليه السلام، فسوف أتأثر بهذه الرسالة، وأتأثر بهذه الموعظة العظيمة من ذلك الإمام العظيم. ذلك الإمام الذي لم يتحمل وجوده أعداء آل محمد، الذين كانوا يتربصون الدوائر به. والذين حاولوا أن يجعلوا أباه وجده الإمام الجواد كذلك في إقامة جبرية، حيث فرضوا على هؤلاء الأئمة الثلاثة وضعًا يختلف عن الأئمة الذين سبقوهم. وازداد الأمر شدة على الإمام الهادي والإمام العسكري عليهما السلام. فمنعوا الناس من الاتصال بهم، ومنعوهم أيضاً من الاتصال بشيعتهم، إلا من خلال لقاءات فردية محدودة أو من خلال رسائل كان يرسلها الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وبطرق أمنية أيضاً.

حتى أن وكيل الإمام أو السفير الأول الذي لُقب بالزيات كان يبيع الزيت، ويدور بالزيت، ويتخذ هذه وسيلة لإيصال الزيت إلى بيت الإمام الهادي عليه السلام، ليأخذ الرسائل من الإمام عليه السلام ويوصلها إلى شيعة الإمام، أو يوصل الرسائل للإمام ومن الإمام إلى شيعته. وكان هؤلاء الأئمة عليهم السلام قد فرضوا عليهم وضعاً قاسياً جدّاً. ومع هذا قاموا بما تمكنوا من القيام به، إلا أن أعداء أهل البيت لم يمهلوهم ليقوموا بواجبهم ويؤدوا دورهم. فقد عمدوا إلى التخلص من وجودهم المبارك. الإمام الجواد عليه السلام، والإمام الهادي، والإمام العسكري عليهما السلام، رحلوا إلى الله في عمر قصير، في أعمار الورود. فهذا الإمام العسكري عليه السلام لم يطل عمره الشريف أكثر من 28 سنة حينما دسوا له سماً نقيعاً قطع أحشاء الإمام عليه السلام. وظل الإمام يتقلب على فراش مرضه، ويعاني من حرارة ذلك السمّ، ومن شدة ذلك السمّ. بل اشتد به ذلك السمّ حتى صار الإمام ينتفض ولا يتمكن حتى من إمساك إبريق الماء ليشرب. وظل الإمام عليه السلام أيامًا قصيرة جدًّا يتقلب على فراش مرضه إلى أن فاضت روحه المقدسة. فوا إماماه! واسيداه!

وبوفاة ذلك الإمام العظيم ورحلته إلى جوار ربه، انتقل وضع الإمامة إلى الإمام المهدي المنتظر الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف. وأصبح الإمام عليه السلام غائبًا فترة بالغيبة الصغرى ثم الكبرى. وحدث البلاء على بيت الإمام العسكري عليه السلام. فقد حاصروا بيت الإمام عليه السلام مدة طويلة، وأخذوا جواري الإمام، ومنهم نرجس أم الإمام المهدي، وأخذوهن إلى الحبس. حبسوهن سنتين متواصلتين يتوقعون أن يكون بهن حمل. فإن كان بهن حمل من الإمام عليه السلام أخذوه وقتلوا ذلك الحمل. وصاروا بين الفترة والأخرى يكبسون بيت الإمام، يهجمون على بيت الإمام عليه السلام، خصوصاً بعد أن انتشر الخبر أن الإمام عليه السلام عنده ولد، وأن ذلك الولد هو المهدي الموعود المنتظر.

وبعدما علموا بوجود ولد للإمام عليه السلام، صاروا بين الفترة والأخرى يهجمون على بيت الإمام عليه السلام في فترات متعددة. ولكن شاءت القدرة الإلهية، أن الله سبحانه وتعالى نجّى ذلك الإمام العظيم، الإمام المهدي الموعود. وإذا كان الله سبحانه وتعالى يريد شيئاً، فلو اجتمعت الإنس والجن على شيء معين خلاف إرادة الله، لا يمكن لهم أن يقاوموا إرادة الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن لأحد أن يقاوم قدرة الله سبحانه وتعالى. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا في إمامنا المهدي الموعود السرور والفرج، وأن يبلغنا وإياكم يوم ذلك اليوم الموعود، وأن يجعلنا وإياكم من شيعته وأنصاره والثابتين على ولايته، والبراءة من أعدائه. وأن يرزقنا وإياكم العيش في دولته، وأن يجعلنا وإياكم ممن يدركون ذلك اليوم الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله: "لو لم يبق من هذه الدنيا إلا يوم، لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجلاً من أهل بيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجورًا".

اللهم عجل فرجه، واجعلنا من شيعته وأنصاره، والثابتين على ولايته وإمامته، والبراءة من أعدائه، إله الحق آمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: "إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا". وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

الخطبة الثانية

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي لا شريك له في خلقه، ولا شبيه له في عظمته، أحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمه كلها، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله. اللهم اجعل أفضل صلواتك وأزكاها وأعظم بركاتك وأنماها على نبيك وصفيك وخيرتك من خلقك أشرف الأنبياء والمرسلين، حبيبك من العالمين، أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله. وصلّ على علي أمير المؤمنين، وصلّ على الصديقة الطاهرة فاطمة سيدة نساء العالمين، وصلّ على سبطي الرحمة وإمامي الهدى الحسن والحسين، سيدي شباب أهل الجنة. وصلّ على أئمتنا الهداة المهديين من ذرية الحسين: السجاد علي، والباقر محمد، والصادق جعفر، والكاظم موسى، والرضا علي، والجواد محمد، والهادي علي، والزكي الحسن، والخلف الحجة القائم المهدي بن الحسن، حججك على عبادك، وأمنائك في بلادك. اللهم صلّ عليهم صلاة كثيرة دائمة، اللهم ثبتنا على ولايتهم والبراءة من أعدائهم، إله الحق آمين.

عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فبادروا إلى التوبة وأفيضوا في ذكر الله، فإنه أحسن الذكر. وارغبوا فيما وعد المتقين من عباده، فإن وعده هو أصدق الوعد، إذ قال سبحانه في محكم كتابه: "إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ" (الذاريات 15-16). جعلنا الله وإياكم ممن خلقهم لجنته، إنه سميع مجيب.

أيها الإخوة الكرام والأخوات المؤمنات، في خطبتي هذه سوف أبين مسألة شرعية يسأل عنها الأخوات المؤمنات كثيرًا، وهي مسألة من مسائل الزينة للنساء. يسأل النساء عن وصل الشعر الصناعي بالشعر الطبيعي، يعني بشعرها الطبيعي، بشعر رأسها بطريقة معينة يقال لها "إكستنشن" أو وصلات الشعر. هذا شعر صناعي يُضاف إلى شعر الرأس وخصوصًا في المناسبات أو لزوجها أو ما شابه. هذا الشعر يوضع بمادة لاصقة على بشرة الرأس، ويُلصق على شكل طبقات في الأسفل وفي منتصف وأعلى الرأس.

أريد أن أوضح أن هذا النوع من الزينة لا يتناسب مع الغُسل، لأن لصق الشعر يمنع وصول الماء إلى البشرة، وبالتالي، لا يصح الغسل معه. وأيضًا، إذا كان في مقدمة الرأس، لا يصح المسح عليه في الوضوء، لأنه يجب المسح على الشعر الطبيعي وليس الصناعي. أود أن أقول للأخوات والرجال أيضًا، ليس كل زينة أتى بها غير المسلمين تناسب المسلمين، فلدينا أحكام شرعية خاصة بنا تتعلق بالوضوء والغسل.

على المرأة والرجل الحفاظ على طهارتهما، فالمناكير مثلاً تمنع الوضوء الصحيح لأنه يمنع وصول الماء إلى البشرة. وينبغي على المؤمنات الالتزام بأحكام الله وعدم الركض وراء كل زينة تأتي بها غير المسلمات.

أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من خير عباده الصالحين المتقين، وأن يجعلنا من العارفين بأحكام ديننا، وأن نلتزم بما أمرنا الله سبحانه وتعالى من حلال وحرام، إنه سميع مجيب.

جميعًا في يوم الدعاء وساعة الدعاء ومكان الدعاء نرفع أيدينا متضرعين لله سبحانه وتعالى بالدعاء: 

اللهم صلّ على محمد وآل محمد، اللهم بحق محمد وآل محمد وبحق القرآن العظيم وما فيه، صلّ على محمد وآل محمد واغفر لنا ذنوبنا كلها جميعًا، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. 

اللهم اغفر لنا ولإخواننا المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات. 

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. 

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمة الإسلام هي العليا، وكلمة الكافرين السفلى. 

اللهم عذّب كفرة أهل الكتاب والمشركين الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك. 

اللهم فرّج عن إخواننا في فلسطين، اللهم فرّج عنهم فرجًا عاجلًا قريبًا يا رب العالمين. 

اللهم وطهّر القدس الشريف من دنس الصهاينة الغاصبين، اللهم أهلكهم عاجلًا غير آجل يا رب العالمين.

اللهم عجّل لوليك الفرج والنصر والعافية، إله الحق آمين. 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: "إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ، إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ". 

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون. 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.