الجزء الأوّل من الحوار الذي أجرته معها "نسرين نجم"
تحدّث كثيرون عن أهمية وطبيعة وقيمة وحتمية وجود السيدة زينب (ع) في كربلاء "فكان رحيلها مع الإمام الحسين (ع) ضروريًّا لإكمال خطة المواجهة بين الحق والباطل"، وهذه المواجهة لا تقتصر فقط على الشهادة، بل هي مرتبطة بمعركة إعلامية كبيرة لإظهار الحقائق التي حاولوا تغييبها وتحريفها لضرب جوهر الإسلام، حول الدور الذي أدّته السيدة زينب (ع) في إعلاء راية الإسلام، والرسالة التي حملتها وقدمتها، كان لنا هذا الحوار مع الكاتبة والباحثة في الفكر الديني والسياسي والحقوقي الأستاذة إيمان شمس الدين.
(دعينا بداية نقرأ في واقعنا، كي نفهم طبيعة وجود السيدة زينب عليها السلام في كربلاء وأهميته).
بعد العولمة التي جعلت من العالم قرية صغيرة، وكان ذلك بسبب التطور التكنولوجي وطرق الاتصال والتواصل، ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث لعب الإعلام في كل هذه المجالات دورًا محوريًّا فيما أطلق عليه "الحرب الناعمة"، والحرب الناعمة تتعلّق بتغيير الأفكار وزرع منظومة قيم بعيدة عن مضمون ومعنى ودلالات منظومتنا وإن شابهتها في الظاهر، كمفهوم العدالة والحرية والمساواة والإنسانية وغيرها، مقصدي أننا عشنا ولامسنا بشكل مباشر كيف لعب الإعلام دورًا بارزًا ومهمًّا في صناعة الوعي وتغيير الأفكار والقيم.
ولنعد الآن إلى كربلاء، فالإمام الحسين عليه السلام خرج ومعه عياله وعائلته وأصحابه، نساء ورجالًا وأطفالًا، وكان يعلم أنه ذاهب إلى مواجهة محورية ومهمة ومركزية في مسار الرسالة الإسلامية، بل مفصلية بين الحق والباطل، بين الإيمان كلّه، والشرك كلّه، وإن لبس هذا الشرك ثوب الإسلام. وكان على علم من جده النبي محمد (ص)، أنه سيقتل مع شباب آل محمد وأصحابه، لنتخيل عدم وجود النساء والأطفال، وتم قتل الإمام (ع) وأهل بيته من الرجال وأصحابه، كيف سيكون شكل الرواية التي وصلتنا عبر التاريخ من رواتها المحصورين آنذاك برواة السلطة؟
كان هناك هدف محوريّ ورئيس في أخذ النساء والأطفال، ولكن السؤال الأهم:
هل تصدّت كل النساء للجبهة الإعلامية، أم توزعت الأدوار، أم أن هناك شخصية محورية هي التي كان عليها المواجهة والمحاججة؟ وما هي صفات تلك الشخصية ومؤهلاتها؟ هل لمجرد انتسابها بقرابة للحسين (ع) مع تحقق ذلك في أغلب النساء المرافقات للإمام عليه السلام؟ أم أن الأصل هو كفاءة المتصدّية واقتدارها، وفهمها العميق للإسلام وشربها للنهج النبوي القويم؟
لنضع النقاط على الحروف الآن: السيدة زينب عليها السلام كانت الأكفأ والأقدر والأكثر فهمًا لعمق الإسلام ولمنهجه القويم، والأكثر وعيًا في طرق الخطابة ومقاماتها ومتى وكيف وأين وماذا تقول، فكان رحيلها مع الإمام الحسين (ع) ضروريًّا لإكمال خطة المواجهة بين الحق والباطل، والتي لا تقتصر على الشهادة في سبيل الله وتقديم الغالي والنفيس، بل يجب أن تكتمل معالم المعركة والمواجهة بجبهة إعلامية عريضة يصوغ خطتها من هو شبيه للإمام (ع) في الفكر والقدرة والإدراك، ليكمل مسيرة الشهادة بمسار التعريف بالقضية وتجلية الحقيقة، وفضح السلطة الغاشمة المنحرفة.
فكان النهج الزينبي الإعلامي هو الامتداد لكربلاء الحسين (ع) في التعريف والتوظيف والتبليغ، ولا أبالغ لو قلت إنها تشبه آية: "يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ" (1)
فكان هنا التبليغ واجبًا حتميًّا لإكمال رسالة النبوة، وإعادة إصلاح واقع الأمة، وإعادة مسارها لجادة الطريق القويم المتمثل بصراط النبوة، فكما عصم الله النبي (ص) من بعض المنافقين والمتربصين به وبالإسلام، كذلك عُصِمت زينب كامرأة من بطش ابن زياد ويزيد وجنودهم ومواليهم لحفظ المسار مما يحاك له من انحرافات خطيرة على واقع المشروع الإلهي.
وقد قال النبي (ص) في عدة مصادر:
"حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينًا، حسين سبط من الأسباط" (2)
فكان مسار زينب عليها السلام مسارًا إعلاميًّا للتبليغ بقضية الإمام الحسين (ع)، وقضية كربلاء ومعالمها، وأهدافها، ولتعرية حقيقة يزيد وفساد سلطة الشام، وهذا فعلًا ما حصل، ففي الكوفة كان المجتمع يعرف من هي زينب ومن هو الحسين (ع)، فكان خطابها يتناسب وهذه المعرفة، أما في طريقها إلى الشام، فكانت تتحدث في كل محطة وفقًا لمدى وعي الناس فيها بمحمد وآل محمد ورسالتهم الإلهية، وفي الشام كان خطابها مغايرًا، لذلك قالوا إن كربلاء حسينية الوجود وزينبية البقاء والامتداد. بالتالي لا علاقة للقرابة العالية كمعيار في موضوع التصدي والدعوة، نعم إن اجتمعت القرابة مع الأهلية والقدرة فلا ضير، لكن المعيار الأساس هو الأهلية والكفاءة العلمية والمعرفية والمنطقية، فلا يعني أن تكون المرأة زوجة أو ابنة أو أخت قيادي أو شهيد أو مسؤول، أن يكون لها الأحقية في ذلك، بل المعيار هنا ليس النسب، وإنما الأهلية والكفاءة في مجالات عدة، وإن اجتمع كلاهما فنور على نور.
(تعدّ السيدة زينب (ع) الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد الإمام الحسين (ع)، فما هو الدور الذي لعبته وأدته في النهضة الحسينية وفي حفظ الحركة الحسينية؟)
كما ذكرنا في السؤال الأول، أن دور زينب عليها السلام كان دورًا إعلاميًّا تبليغيًّا، ومحوريًّا في صناعة وعي الناس بقضية كربلاء وأبعادها وأسس نهضتها، وكان هذا الدور ليس بالدور السهل، لأنه يتطلب إدراكًا لواقع المجتمعات التي كانت تمر بها زينب (ع) في مسار الأسر إلى الشام، وكان يتطلب قدرة خاصة من امرأة ثكلة بإمامها وأخوتها وأبنائها وأهل بيتها وخيرة شيعة محمد وآله، والمرأة بطبيعتها رقيقة وعاطفية، إلا أن موقعية المرأة عند العرب تتطلب تعاملًا خاصًّا، بحيث من المعيب كان التطاول على النساء، لكونها ليست من الرجولة في شيء، أي تعدّ منقصة في حق من يقوم بذلك، فليس من مقومات الشجاعة مواجهة النساء، لما اشتهر عن ضعفهن ورقتهن، إنما من مقومات الشجاعة أن تواجه الفرسان، وكانت هذه نقطة القوة التي استغلتها زينب (ع)، مع أن يزيد وجيشه تجاوزوا كلّ الخطوط الحمراء، إلا أن هذه بقيت نقطة قوة في صالح زينب (ع)، لذلك كانت في كل بقعة جغرافية تقوم بوظيفة تبليغ قضية كربلاء وأهدافها، لكن بما يتناسب والبيئة الاجتماعية التي تتواجد فيها، وهو ما ساعد بشكل كبير في انتشار قصة وقضية كربلاء في مسار الأسر، وخاصة في الشام، حيث قلبت زينب عليها موازين القوى في مجلس يزيد، وجعلت الكفة في صالحها وصالح النهضة الحسينية.
(إلى أي حدّ انعكست إيجابًا الأدوار والمهام التي قامت بها عقيلة الطالبيين في إبراز دور المرأة في الإسلام ومركزها ومكانتها؟)
هناك أكثر من رؤية حول دور المرأة استنادًا إلى حركة الزهراء (ع) بعد وفاة النبي (ص)، وحركة زينب (ع) بعد استشهاد الحسين (ع):
-رأي استند عليه في محورية دور المرأة في التبليغ الرسالي، والنهضة الاجتماعية، وفي معركة الحق والباطل، ورأى أن لوظيفة المرأة في الأسرة امتدادًا اجتماعيًّا خارجها يمتد إلى المجتمع في التربية والتعليم والتبليغ، وأنها قادرة وفق التزامها بالحدود الشرعية حتى أن تقوم بذلك في كل الأوساط حتى الرجالية منها إذا اقتضت الضرورة.
-رأي وجد أن هذه الوظيفة كانت استثنائية، أي في الظروف الاستثنائية، وليست أساسًا في مسار المرأة ووظيفتها، فرأى أن الأصل هو دورها داخل حدود أسرتها، وأن ما قامت به الزهراء (ع)، وزينب (ع)، كان استثناء وليس أصلًا، واستندوا في ذلك إلى مسيرتهم وسيرتهم قبل أن تحدث هذه الاستثناءات.
-رأي رأى أن للمرأة عدة أدوار، لكن الأصل فيها للأسرة، وقال إننا في عصر الغيبة نحن نعيش الاستثناء، بالتالي تتوزع الأدوار في المجتمع وخارج الأسرة بين المرأة والرجل، كما يتم توزيعها داخل الأسرة بين المرأة والرجل، باختلاف طبيعة الأدوار لاختلاف بيئاتها، ففي الأسرة تختلف الروابط بين المرأة والرجل فهي رابطة زوجية، بالتالي تختلف الحقوق والواجبات، وفي المجتمع الرابطة رابطة أخوة إيمانية، بالتالي تكون مختلفة في الحقوق والواجبات والأدوار. ولكن هذا الرأي يرى أن وظيفة المرأة سواء داخل الأسرة تتطلب قابلية ومؤهلات، تختلف عن تلك المطلوبة عن وظيفتها في المجتمع، وإن اشتركت معها في بعض هذه المؤهلات والقابليات.
وأنا أميل إلى أن للمرأة أدوارًا متعددة ومتوازنة، فهي إن كانت زوجة وأمًّا فتترتب على هذه الزوجية والأمومة عدة حقوق وواجبات مسؤولة عنها هي أمام الله، فإن كانت قادرة على أن تؤدي هذه الوظيفة باقتدار واتزان، وكانت لها قابلية عالية وقدرات ومؤهلات وكفاءة في أن تمتد بوظيفتها التربوية والتعليمية والتوعوية إلى المجتمع دون أن يؤثر ذلك على وظيفتها الأسرية ذات الأولوية في سلم أولوياتها، فلا بأس، فإن كانت مقصرة وغير قادرة على أداء وظيفتها الأسرية الواجبة عليها، فهذا حتمًا سيؤثر على مصداقيتها وكفاءتها إن قررت التصدي في المجتمع، فكيف لشخص فشل في مهامه الأسرية لتقصير منه (ليس لظروف خارجة عن إرادته وقهرية)، وعدم كفاءته وبذله المجهود اللازم في هذا الصدد، أن يكون أهلًا للتصدي للمجتمع، لما يحمله هذا التصدي من عناوين التوعية والتربية والتعليم؟ وهذا عكس ما يروج له الغرب من خلال النسويّة المتطرفة، التي تدعو في بعض مبانيها إلى هدم الأسرة بحجة تحرير المرأة، وتقليص دورها في الأسرة، وبدل أن يتم طرح رؤى متوازنة، فإن الإفراط بحق المرأة يواجه بالتفريط أيضًا، وليس بمعالجات عادلة.
فالتأهيل وامتلاك القدرة والكفاءة والقابلية (الرشد) من شروط الزواج أولًا، وهي بالتالي من شروط التصدي في المجتمع وإن اختلفت في بعض حدودها وسعة المؤهلات والرشد المطلوب. فكما المجاهدين في سبيل الله عليهم إعداد العدة العسكرية الكافية لتحقيق هدف إرهاب عدو الله، فكذلك المجاهدين في المجالات الثقافية والفكرية عليهم أن يتسلحوا بسلاح العلم والمعرفة، وامتلاك القدرة المنطقية الكافية في هذا الصدد.
وقد رأينا أنه مع وجود كثير من نساء آل محمد في كربلاء، إلا أن من تصدى لهذه المهمة العظيمة كانت زينب (ع)، لما لها من مؤهلات وقدرات، ولمستوى الرشد الذي تملكه (ع)، ولمحورية دورها الأسري ونجاحها الذي تجلى بشكل كبير في كربلاء، حيث استشهد كل أبنائها مع الإمام الحسين (ع)، وفق كثير من الروايات.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1).. المائدة/ ٦٧
(2). رواه الترمذي ٣٧٧٥ وابن ماجة ١٤٤ وأحمد بن حنبل ١٧١١١
السيرة الذاتية:
إيمان شمس الدين:
- كاتبة وباحثة في في الفكر (الديني، السياسي، الحقوقي)
- عضوة في منظمة front line definder
- بكالريوس ميكروبيولوجي ومساند كيمياء حيوي
- ماجستير علم اجتماع سياسي وعنوان البحث " المرأة والعمل السياسي في الحضارات والأديان - التكون والصيرورة ".
- مهتمة في المجال الحقوقي، من ناحية بحثية.
المؤلفات:
- في قضايا التجديد والمعاصرة (دار القارئ - مركز عين للدراسات والبحوث المعاصرة). ٢٠١٩
- التغيير والإصلاح مطالعة في التأسيسات والمقومات والإشكاليات (دار الانتشار العربي) ٢٠١٩
- المثقف وجدلية القهر والاستبداد (دار الانتشار العربي)٢٠٢٠
- عقلنة الثورة وتأصيل النهضة: محاولة لقراءة الواقعة من زوايا مطلبية معاصرة (دار الانتشار العربي) ٢٠٢١
- الهوية والاستلاب: اغتراب الإنسان المعاصر (دار روافد للطباعة والنشر بيروت) ٢٠٢٢
- حوار حول الدين والانسان، (دار روافد للطباعة والنشر بيروت) ٢٠٢٣
- الغاية من الزواج ومسألة الرشد: مدخل إلى الإشكاليات المعاصرة، (دار روافد) ٢٠٢٣
- المثقف والاشتباك، (دار روافد) ٢٠٢٤
حيدر حب الله
عدنان الحاجي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد باقر الصدر
السيد عادل العلوي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (7)
العلاقة بين المعجزة والوحي
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (5)
الزهراء.. الحزن الأبدي
ذاكرة التفاصيل لا يكتمل بلوغها إلا في سن المراهقة عند الأطفال
الصّحيفة الفاطميّة
السّعيد محاضرًا حول آليّات التّعامل الإيجابيّ مع الإنترنت والوسائل الرّقميّة
منتظرون بدعائنا
الشيخ صالح آل إبراهيم: ما المطلوب لكي يكون الزواج سعيدًا؟
آيات الأنفس الأولى