لقاءات

الشّيخ علي الفرج: الإحياء النّبوي من أجلى المصاديق التّوعويّة

نظم كثيرًا من القصائد في مدح النبيّ محمّد (ص) وآل بيته (ع)، حمل رسالة محمّديّة أصيلة، وسعى إلى نشر الفكر والثّقافة الإسلاميّة، شعرًا وكتابة وحضورًا، له مجموعة من المؤلّفات منها: "تكوين البلاغة، كائن اللّغة، العبّاس بن عليّ (ع) بين الأسطورة والواقع، نسيج المرايا (ديوان شعر)، مرجعيّة القرآن"، وفي أجواء المولد النّبويّ الشّريف كان لنا حوار معه، إنّه سماحة الشّيخ علي عبدالله الفرج.

 

حاورته: *نسرين نجم*

 

(دعنا بداية نتعرّف إلى هذه الشّخصيّة العظيمة الاستثنائيّة التي تحتفل العوالم كلّها بها، ما هي خصائصها؟ وبماذا تميّزت عن سواها من شخصيّات الأنبياء؟)

 

في البدء أتشرّف بالكلمات المتواضعة من أصغر إنسان ينتمي إلى مركب الرّسالة، وليس الضّوء من فمي وإنما هو من رذاذ الوحي.

وأمّا إذا كان توجد آية في القرآن الكريم تفضّل الرّسول صلّى الله عليه وآله على باقي الأنبياء؟ والجواب أنّ كثيرًا من العلماء مَن بحثوا عن هذا السّؤال فلم يجدوا جوابه، فانتقلوا إلى الأحاديث، ولكنّنا نحاول أن نحفر في ومضات الآيات لعلّنا نصل إلى معدن العظمة، فنقول:

١ - (خاتم النّبيين)، وهو المذكور في قوله تعالى ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 40].

(خاتم) بفتح التّاء وكسرها، وقد قرئ بهما.

بالفتح: بمعنى الختام والانتهاء، والمعنى أنّه انتهاء النّبيين، فهو كالخاتم والطّابع الذي يكون عند الانتهاء، أو كالكتاب الذي يفرغ منه كاتبه. كما يحتمل أن يكون معناه الدي يتختّم به صاحبه ويتجمّل به.

والكسر: بمعنى أنه خاتمهم، يعني جاء آخرهم، فلم يبق بعده نبيّ، فبه انتهت النّبوّة والرّسالة صلى الله عليه وآله.

٢ - بقاء معجزته (القرآن) إلى يوم القيامة، قال تعالى ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9].﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42].

ولا يوجد معجزة أخرى غير القرآن الكريم في هذا الزّمن الحاضر، وعندي دليل قرآني يثبت عدم وحود المعاجز غير القرآن حتى في عصر النبي (ص) وهو قوله تعالى {أَوَلَمۡ یَكۡفِهِمۡ أَنَّاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ یُتۡلَىٰ عَلَیۡهِمۡۚ} [سُورَةُ العَنكَبُوتِ: ٥١]، أي لا حاجة للمعاجز بعد نزول القرآن. وغيرها من عشرات الآيات التي تتفاوت وضوحا وخفاء.

٣ - رسالته وشريعته للناس كافّة: من الأمور المعروفة أن الرسل والأنبياء إنما أرسلوا من الله إلى أقوام خاصة، إلا النبي (ص) فقد أرسله الله إلى النّاس كافة، مكانًا وزمانًا، قال تعالى ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف: 158].

وأخيرا نستنتج من الأمور الثلاثة أن الدين لم يكمل إلا بشريعة النبي (ص) وذلك للملازمات المعرفيّة التي هي دليل كاف على أفضليته على جميع الأنبياء، فشريعتهم مؤقّتة، وشريعته مستمرّة وممتدّة. كذلك أن الإنسان لم ينضج في تفكيره الدّينيّ في زمان الأنبياء، وأما النّاس في زمن الرسول (ص) فنضجوا وتطوروا في عقولهم، فبعث الرّسول ونزل القرآن استمراريًّا، فهذا دليل أيضًا على أفضليّته على جميع الأنبياء، الاكتمال بالدين والحركة الدعوية التي كلّما انتشرت يكون الأجر والثواب عند الله أوسع وأكثر".

 

(ما أهميّة إحياء المولد النّبويّ ودلالاته على صعيد الفرد والأمّة؟)

 

أوّل الأمر، أن نسأل عن مشروعيّة احتفال المولد النبوي فأقول: إنّ الأصل في الأشياء الحياتيّة هي المباح شرعًا، لقوله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ). ولا حاجة لدليل خاصّ على نفس الاحتفال.

ثم أتكلّم عن أهميّة الاحتفال والاحتفالات لأهل البيت (ع) فهنا فوائد مهمّة:

- نتذكّر بعض سيرة النّبيّ في القرآن والأخبار الصّحيحة دون المختلقة أو المخالفة للقرآن، وهذا ما يقوم بها المشائخ والعلماء أيّدهم الله، وكذلك المثقّفون الممارسون.

- شدّة الارتباط بالنّبيّ (ص)، وأهل البيت (ع) من ناحيتين: الحالة الفرديّة وذلك باستحياء الاتيان بالذّنب في هذه اللّيلة وهذا اليوم. والحالة الاجتماعيّة باحتفلاتهم بالسّرور والأفراح، فهذا الأمر يعطي الإنسان الأجر والحسنات يوم لا ظلّ إلّا ظلّه.

- صُنع الطّعام والتّشارك فيه، والثّواب يلحق بأصحابه؛ لما فيه من تعظيمٍ لقدر النبي (ص) والتّعبير عن محبّته بطريقة حسنة.

 

(كيف يمكن تعريف الجيل النّاشىء على الخصائص المحمّدية في عالم الصّورة والسوشيل ميديا؟ وما أهميّة الشّعر النّبويّ في تعزيز الهويّة الإيمانيّة؟)

 

لا بدّ أن نعي - نحن وغيرنا من المؤمنين - أن نؤسّس مشاريع جديدة غير مكرّرة لنشر الثّقافة المحمّديّة، وكلّ فرد منّا مشروع، ولا بدّ في عمرنا القصير من حالة إنتاجيّة ولو شيئًا واحدًا، وهذه مصداق لقانون الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ولو لهداية فرد واحد في عمرنا.

وأمّا الشعر فهو (ومضة) إلهيّة، وقد يكون (موضة) شيطانيّة، وهنا شاعر سقط في طريق الله، ولم يصعد في مدرج الألوهيّة، وهنا شاعر وظّف الشّعر بإسلوب ابتكاريّ وغير مسبوق، (الطّرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق)، وهذه ليست رواية ولكنّها صحيحة المعنى، وبالخصوص استغلال الإحياء النّبوي من أجلى المصاديق التوعويّة وتعزيز السّير إلى الله.

 

(ما هي صورة الشّعر النبوي بين الماضي والحاضر؟ وما هي نصائحكم للشّعراء المبتدئين في هذا المجال؟)

 

لا يخفى أنّ (الشّعر الحديث) ليس مصطلحًا زمنيًّا، يستمدّ حدوده من الأرقام التّاريخيّة، وإنّما هو مصطلح لكلّ ما يتجاوز الواقع ويغامر على حساب الثّابت النّسبيّ، وأمّا (الشّعر القديم) هو ما له من فنّيّة نسقيّة لا ترقى إلى حدّ يتجاوز الواقع.

وربّما أتمرّد على الواقع الثّابت، وهو الانطلاق من خلفيّة دينيّة تتمثّل فى أن (من كتب فينا بيتًا من الشّعر بنى الله له به بيتًا في الجنّة)، وهذه الاستراتيجيّة النّفعيّة التي قد يحقّقها الشّاعر بالزّهيد من الفنّيّة والأدبيّة ساهمت في إفراز كمّ هائل من النّصوص المفكّكة فنيًّا والتي لا تتناسب مع مكنة الشّاعر وانفعالاته الصّادقة في اللّحظة الشّعريّة.

ونتيجة ما ذكرناه إذا كنّا شعراء مبدعين محلّقين في هذا الزّمن الحاضر، فعلينا أن نتجاوز السّياج ونغامر في كلّ بيت، وعلينا نحن الشعراء المتديّنون - زيادة على الشّعراء الإنسانيين - ألا نكتب شعرًا هزيلًا مفككًا قاصدين مدح أهل البيت (ع) للأجر والثّواب، وإنّما نحن المحبّون لهم سوف نتجاوز خارج العالم، بلغة متميّزة مبتكرة، سواء في مولد النّبيّ أو النّهضة الحسينيّة أو مدح المعصومين.

 

ننهي هذا الحوار بقصيدة من قصائدكم النّبويّة للقرّاء بمناسبة المولد النّبويّ الشّريف

 

سوف أختار قصيدة قد أنشدها الصّديق الشّيخ حسين الأكرف حفظه الله، وقد أنشد بعضها، وهذه القصيدة كاملة بعنوان (مِحْرَابُ الزَّمَنِ)

أَهْرَقْتُ قَافِيَتِي إِلَيْكَ شَرَابَا

وَزَعَمْتُ أَنَّكَ تَعْشَقُ الأَكْوَابَا

وَسَرَقْتُ أَنْفَاسُ الصَّبَاحِ أَصُوغُهَا

شِعْرًا يَظَلُّ بِرَاحَتَيكَ كِتَـابَا

وَعَزَفْتُ لَحْنَ مَشَاعِرِي وَحَطَمْتُ كُلْـ

ـلَ مَحَابِرِي وَتَخِذْتُهُنَّ خِضَابَـا

أَمَلًا بِأَنْ أَحْيَا وَعُشْبُ خَوَاطِرِي

يَلْقَى بِوَجْهِكَ مِنْ عُلَاهُ سَحَابَا

أَفْنَى فَيُوجِدُنِي هَوَاكَ وَإِنَّنِي

سَأَظَلُّ أَعْشَقُ فِي هَوَاكَ غِيَابَا

وَسَنَاكَ يَخْطِفُ نَاظِرَيَّ فَيَرْتَمِي

 فِي جَانِحَيَّ فَيَخْطِفُ الأَعْصَابَا

وَكَذَا أَرَاكَ وَأَنْتَ نَبْعُ حَضَارَةٍ

وَأَرَى سِوَاكَ مَتَى قَلَاكَ سَـرَابَا 

هَذِي مَلَامِحُ أَحْمَدٍ مَرْسُومَةً

لَو خَاطَبَتْ عُمْرَ الزَّمَانِ تَصَابَى

لَو قَاسَمَتْ زُمَرَ الْمَلَائِكِ وَمْضَةٌ

مِنْ نُورِهَا لَهَوَى الْمَلَاكُ وَذَابَــا

أَمُحَمَّدٌ وَغَفَتْ عَلَى اسْمِكَ نَغْمَةٌ

تَنْسَابُ فِي فِكَرِ الزَّمَانِ صَوَابَا

قَامَتْ عَلَى اسْمِكَ لِلْوُجُودِ دَعَائِمٌ

وَدَخَلْتَهُ فَجَبَرْتَ مِنْهُ نِصَابَا

يَا ابْنَ الأَطَائِبِ وَالأَطَائِبُ بَعْدَهُ

نُسِيَتْ وَفِيهِ تَفَاخَرَتْ أَنْسَابَا

يَا ابْنَ الْمَفَاخِرِ وَالْمَفَاخِرُ حَوْلَهُ

سَجَدَتْ فَقَامَتْ تَمْلَأُ الأَحْقَابَا

هَبْنِي عَرَفْتُ مِنَ الشُّمُوسِ إِذَا بَدَتْ

وَجْهًا فَثَمَّ عَنِ الْوَرَى مَا غَابَا

فَإِذَا بِكَ اللُّغْزُ الْعَظِيمُ لِحَلِّهِ

شَاخَتْ نُهَى الدُّنْيَا وَظَلَّ شَبَابَا

وَإِذَا بِكَ الْمَجْهُولُ حِينَ تَقَطَّعَتْ

هِمَمُ الزَّمَانِ وَمَا رَأَتْ لَكَ بَابَا

وَتَظَلُّ فِي وَجْهِ الْحَيَاةِ تَسَاؤُلًا

هَيْهَاتَ أَنْ يَلْقَى إِلَيْهِ جَوَابَا

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد