مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشهيدة بنت الهدى
عن الكاتب :
ولدت الشهيدة آمنة بنت آية الله السيد حيدر الصدر (بنت الهدى) عام 1356هــ 1937م في مدينة الكاظمية، عرفت بالذكاء الوقاد، وسرعة الحفظ، وقد لعبت دوراً فعالاً وملموساً في هداية الفتيات، مارست عملها التبليغي عبر إلقاء المحاضرات والكتابة في مجلة "الأضواء" ثم مارست كتابة القصة لمخاطبة الجيل الناشيء بأسلوب قصصي بسيط، من مؤلفاتها: الفضيلة تنتصر، ليتني كنت أعلم، امرأتان ورجل، صراع مع واقع الحياة، لقاء في المستشفى، الخالة الضائعة، الباحثة عن الحقيقة ،كلمة ودعوة، ذكريات على تلال مكة، بطولة المرأة المسلمة، المرأة مع النبي (ص) . استشهدت مع أخيها السيد محمد باقر الصدر عام 1980.

المَرأة وَالمِلكيّة

الشهيدة بنت الهدى

للمرأة المسلمة الحقُّ الكامل في التملّك الشخصي ، والتصرّف الكلّي فيما تملك من مالٍ وعِقار ، وفي كلّ أدوار حياتها ، سَواء أكانت بنتاً أم زوجاً أم أُمّاً ، وِفقاً للنظام العام ، وليس للزوج المسلم حقٌّ في أنْ يتصرّف بما يخصّ زوجته المسلمة أو أنْ يمَسّ شيئاً ممّا تملِك بغير إذنٍ منها ورضاء .
ومِن هذا نرى أنّ الإسلام قد أعطى بتشريعه هذا للزوجة المسلمة حقوقاً ، لم تحصل عليها في تشريعات أيّ حضارةٍ أُخرى منذ أقدم العصور ، وحتى الآن ، ففي الشرائع الحديثة التي تُعتبَر القمّة في التشريع البشري وُضِعت شروط عامّة للزواج وَرُبِطَ عقد الزواج بعقدٍ آخر أُطلق عليه اسم عقدِ ترتيب أملاك الزوجين ، وهذا العقد يجعل ثروة الزوجة إلى حدٍّ كبير تحت سيطرة الزوج ويحرمها من سيطرتها المطلقة بوصفها مالكةً للمال ، بينما يمنح هذه السيطرة للزوج لا على ماله فحسب ، بل على مال زوجته أيضاً ، وفقاً لأحد أشكالٍ أربعة ، سمَح القانون بصياغة العقد طِبقاً لأيّ واحدٍ منها تَبعاً لِما يقَع عليه اختيار الزوجين ، والأشكال الأربعة هي كما يلي :
أوّلاً : شركة الزوجين ، وهو تقسيم أملاك الزوجين إلى ثلاثة : قسمٌ عام للزوجين غير قابل للقِسمة ، وقسمٌ خاصٌّ بالزوج ، وقسمٌ خاصٌّ بالزوجة ، وللزوج وحدَه حقّ إدارة الأقسام الثلاثة كرئيس للشركة .
والثاني : بدون شركة أو استبعاد الشركة : وهو أنّه لا يوجد في هذا القسم أملاك عامّة فكلُّ زوج يحتفظ بأملاكه الخاصّة ، لكن للزوج وحده حقّ إدارة أملاكه وأملاك زوجته واستثمارها .
الثالث : فصل الأملاك ، وفي هذا القسم منافع الزوجين منفصلة ، فكلّ واحدٍ منهما يحتفظ بملكيّته لأملاكه واستغلالها وإدارتها ، على شريطة أنْ تترك الزوجة إلى زوجها جُزءاً من إيرادها اشتراكاً معه في نفقات المعيشة .
الرابع : المهر ، وهو تقسيم أملاك الزوجة إلى مهر.
وغير مهر : فالمهر ما جعلته المرأة مهراً عند الزواج من أملاكها ، أو ما أُعطي إليها في عقدِ ترتيب أملاكها من أقاربها مثلاً ، وللزوج حقّ إدارته واستثماره فقط .
ولنقِف الآن عند الشكل الأوّل من هذه النُّظُم ، وهو شكل الشركة الزوجية ، ففيه أنّ للزوج إدارة ماله الخاص ومال الزوجة الخاص ومال الشركة ، وحقّ إدارة أملاك شركة الزوجية خاصٌّ بالزوج كرئيسٍ لها ، وهو حقٌّ خوّله له القانون ، فلا يجوز انتقاصه ولا إلغاؤه بشرط في عقد ترتيب أموال الزوجين .
وسلطة الزوج في إدارة الأموال المشتركة تكون في الأعمال الإدارية ومباشرة رفع الدعاوى أمام القضاء ، وفي الأعمال الإدارية المحضة تكون سلطة الزوج فيها غير محدودة ، فيؤجِر ويستأجِر العقار من غير تحديد ، وله قَبض الإيراد وله أنْ يتصرّف فيه كما يُريد ، ويقبض رأس المال من غير مراقبة ولا إذنٍ من أحد ، وكذلك له السلطة غير المحدودة في التقاضي ، فسلطة الزوج في ذلك غير محدودة وليس للزوجة الرجوع عليه بأيّ تعويض ، ولو أخطأ خطأ فاحشاً أو أدار إدارة سيّئة أو بذّر تبذيراً يجعله مسؤولاً قانونيّاً ؛ فهو يعمل كمالك حقيقي ليس عليه أيّ مسؤولية قِبَل أيّ شخصٍ كان .
وللزوج أيضاً
إدارة أملاك الزوجة الخاصّة ، لكنّ سلطة الزوج في ذلك تختلف عن سلطته في إدارة أموال شركة الزوجية كالآتي :
أوّلاً : لا يجوز منع الزوج من مباشرة سلطته في إدارة أموال شركة الزوجية ، حتى ولو بشرطٍ في عقدِ ترتيب أموال الزوجين ، ولكنّ منع الزوج من إدارة أملاك الزوجة الخاّصة يجوز اشتراطه في عقدِ ترتيب أموال الزوجيّة ، فيُمكن للزوجة بعد الشرط أنْ تحتفظ بإدارة أملاكها لنفسها خاصّة .
ثانياً : سلطة الزوج على أموال شركة أموال الزوجية سلطةٌ مطلقة كمالكٍ حقيقي ، ولكن سلطته على أملاك الزوجة الخاصّة سلطة إدارة عادية فقط .
ثالثاً : الزوج غير مسؤول في إدارته السيّئة والإسراف والتبذير في شركة أموال الزوجية ، بخلاف إدارة أملاك الزوجة الخاصّة فهو مسؤولٌ عن كلِّ خطأ أو إسراف أو تبذير كمدير عادي ، وعلى هذا فنحن نرى أنّ سلطة الزوج على الزوجة في أملاكها الخاصّة أقلّ منها في أموالها الخاصّة ، إذا صحّ لنا أنْ نعتبر أنّ تلك الأموال تُعتَبر أموالاً لها بعد الزواج .
ولكنّ عقد الزواج في التشريع الإسلامي لا يتعدّى شخصَ الزوجين إلى مالهما أو عقارهما إطلاقاً ، فلا علاقة للزوج بمالِ زوجته إطلاقاً لأيّ سببٍ كان ، فالزوجة حرّة في أنْ تبيع وتشتري وترهَن وتوكِل مَن تشاء لما تشاء ، بلا معارضةٍ من الزوج ، إلاّ في حدود القانون العام من إسرافٍ أو تبذير أو سفَهٍ مثلاً ، فليس للزوج إذاً دخْلٌ في ماليّة الزوجة ولا في أهليّتها . فهي كاملة الأهليّة في التصرّف بأموالها وأملاكها قبل الزواج أو بعده بلا فارق ، ومهما كانت الزوجة غنيّة فليست مُلزمة في المساهمة بنَفَقَات البيت ، ولا في نَفَقَات الأولاد ، وإذا أنفقت فإنما تنفق نتيجة لروحِ التعاون لا لحقٍّ شرعيٍّ أو عرفي ، والمهر وما يُدفَع إلى الزوجة قبل الزواج أو بسببه ، من الزوج أو من غيره مِن الأقارب والأصحاب هو ملكٌ خالصٌ للزوجة لا شأنَ للزوج به ككلّ أملاكها وأموالها .
هذا هو الزواج في الإسلام وهذه هي المقارنات التشريعيّة بينه وبين باقي القوانين الوضعية ، وهذه هي أحكام المرأة في الإسلام والتي تدلّ على أنّ الزوجة المسلمة قد حصلَت على حقٍّ لها في تشريعات الإسلام ، كما لم تحصل عليه أيُّ زوجةٍ في أيِّ حضارة . ثمّ هذه هي المرأة الغربيّة ، وقد أعطيناك عنها لمحةً موجزة إذ هي زوجة ، ورأينا استغلال الرجل لها وتلاعبه بأموالها دون حسيبٍ أو رقيب .
وبعد كلِّ هذا يُقال : إنّ المرأة الغربيّة حرّةٌ متحرّرة ، وأنّ المرأة المسلمة أسيرةٌ مُستَعبدة ، ونحن لو أردنا أنْ نأتي على جميع المقارنات التشريعية للمرأة المسلمة والمرأة الغربيّة لضاق بنا المجال ، ولعلّنا سوف نبحث هذا الموضوع في رسالةٍ أُخرى إنشاء الله ، ولكن الآن يكفينا لإثبات حرّية المرأة المسلمة وعبوديّة المرأة الغربية هذا المثَل الواحد الذي ذكرناه في حقِّ المرأة بالتملّك .
وقد قنعت المرأة الغربية من الرجل أنّه فتح أمامها أبواب الخلاعة والتكشّف ، وهيّأ لها سبيل الاستهتار والتبرّج ، وحتى هذا فإنّه لم يكن لحِساب المرأة الغربيّة ، ولا كان إرضاءً لها ولرغبتها الخاصّة ، بل كان لحساب الرجل وإشباعاً لنزَواته ورغباته ، فحتّى في عالم الخلاعة والتبرّج ليست المرأة الغربية مختارةً حرّة ، وإنّما هي خاضعة أيضاً لشركةٍ جسديّة تُقابل الشركة الماليّة ويكون للرجل في هذه الشركة حقّ التصرّف والاختيار أيضاً ، فقد تُعجِبه التسريحة الفلانيّة أو الزينة الفلانيّة ، وقد لا يعجبه الزيّ الفلاني أو التصميم الفلاني ، وفعلاً فإنّ أكثر مصمّمي الأزياء مِن الرجال يخلَعون على المرأة الزيّ الذي يَروقُ لهم والذي يرضي عيونهم وأذواقهم . وعلى كلِّ حال فإنّ المرأة الغربيّة مسخّرة للرجل ولميوله ونزَوَاته .
وأمّا الإسلام فهو لا يُقيّد المرأة المسلمة بأيّ قيدٍ ، ولا يوجّه إليها أيّ تكليفٍ خاصٍّ بها دون الرجل ، إلاّ بالحجاب ، والحِجاب كما قدّمنا في الفصول السابقة ضرورة مِن ضروراتها وحقيقة واقعيّة من حقيقتها الأُنثويّة ، وليس له أيّ أثرٍ على سلوكها العام أو الخاص ..
فتصوّروا أيّهما شريعة الكرامة والحرّية الحقيقيّة بالنسبة للمرأة ، شريعةٌ تقول : مَن تزوج امرأة لِمالِها حرَمه الله مِن مالها؛ لأنّها تريد من الرجل أنْ ينظر إلى المرأة بالمقاييس الإنسانيّة ، لا بالمقاييس النقديّة ، وأنْ يعتبرها شريكةً له في حياته لا تجارةً رابحة ، وبين شريعة أُخرى تنزل بالزواج عن مفهومه الإنساني الخيّر ، وتربط بينه وبين إنشاء شركة ماليّة لحساب الرجل ، يخرج فيها الرجل وهو يملِك كلّ شيء وتخرج منها المرأة وهي لا تملِك شيئاً سِوى جواز المرور الذي حصلَت عليه من الرجل نفسه .
نعم سِوى جواز المرور في الشارع والدخول إلى المنتديات متكشّفة متهتّكة . بقيَ علينا الحديث عن مسألة قد تُثار بشأن ملكيّة المرأة وحقّها مِن التملّك في الإسلام ، وهي مسألة الإرث ؛ إذ أنّ الإسلام جعَل للرجل فيه مثل حظِّ الأُنثيَين ، وقد تُفسَّر هذه التفرقة لحساب الرجل .
ولكنّ الواقع أنّ هذا الفَرق مرتبطٌ بوضع الالتزامات التي وضَعها الشارع بين الرجل والمرأة ، فالرجل المسلم هو المسؤول الشرعي والعُرفي لأعمال الزوجة والبيت ، وهو المكلّف بتهيئةِ مؤونة العيش ومستلزمات الحياة لمَن يعول ، ولهذا فإنّ من حقّه الطبيعي أنْ يختلف عن المرأة في الإرث ، ويكون له من الإرث مثل حظّ الأنثيَين على العكس تماماً من المرأة المسلمة فهي غير مسؤولة شرعاً ولا عُرفاً عن أيّ نفقةٍ أو صرف ، كما قدّمنا في هذا الفصل ؛ ولذلك فلَيس في هذا أيّ هضمٍ لحقوق المرأة ولا أيّ مكسَبٍ للرجل دونها من الميراث ، فهي في الحقيقة تُشاركه في الزيادة التي يأخذها باعتبار المسؤولية التي تقَع على الرجل تجاهها .

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد