الحقائق عبارة عن الواقعيّات الموجودة في الخارج، بما فيها المادّيّات والطبيعيّات والموجودات الملكوتيّة المجرّدة، بما فيها من العلوم والمعارف الذهنيّة، التي لم تتحقّق على أساس فرض فارض واعتبار معتبر.
أمّا الاعتباريّات فعبارة عن الأشياء التي محلّها وموقعها الذهن فقط، والمتحقّقة على أساس فرض فارض، بالشكل الذي تدور وجوداً وعدماً مدار الفرض والاعتبار، فهي تكتسب تحقّقها الاعتباريّ بمجرّد الاعتبار، وينتفي عنها أي تحقّق بمجرّد رفع اليد عن الاعتبار أو نقضه.
وبالطبع فإنّ لدينا قسماً ثالثاً غير هذين القسمين وهو الانتزاعيّات، وهذه ليست من الحقائق ولا من الاعتباريّات، بل تنشأ بواسطة انتزاع الذهن من الحقائق الخارجيّة، فلا تحقّق لها في الخارج أبداً، وكلّ ما هناك أنّ محلّها ومورد انتزاعها في الخارج، كما في الفوقيّة والتحتيّة.
فعنوان الفوقيّة، مثلًا فوقيّة سطح البيت نسبة إلى ساحته ليست شيئاً غير ذات السطح، فنحن لا نجد شيئاً غير نفس السطح، وغير سقف الغرفة الذي يعلوها باسم فوق، فما هناك هو نفس السطح، لكنّ ذهننا ينتزع من النسبة الخارجيّة بين سقف الغرفة وأرضيّتها عنواناً ندعوه ب - فوق.
وهذا العنوان محلّه الذهن لا الخارج، ومبدأ انتزاعه في الخارج، وهو ليس اعتباريّاً لأنّ فوقيّة السقف نسبة إلى الأرض غير قائمة باعتبار الشخص المعتبر، فالسقف يعلو سطح الغرفة شئنا أم أبينا.
ونغضّ الطرف عن شرح وتفصيل الأمور الانتزاعيّة باعتبارها لا ترتبط فعلًا بموضوع بحثنا الحاليّ ونقصر الكلام على الحقائق والاعتباريّات.
إنّ الاعتباريّات باعتبارها من صنع وصياغته الذهن، فلابدّ لحصولها من وساطة قوى الإدراك، سواء القوى الوهميّة والخياليّة والفكريّة، وبعبارة أوجز. العقل النظريّ، أم النفس الناطقة والنور المجرّد للروح الإنسانيّة التي نعبّر عنها بالعقل البسيط والملكوت الأعلى والناطقة القدسيّة والكلمة الإلهيّة.
ومع أنّ قيام الاعتباريّات وقوامها في الذهن وأنّ قيامها باعتبار المعتبر، إلّا أنّها في نهاية المتانة والإتقان، وكثيراً ما تكون بنفسها منشأ ومبدأ لحقائق كثيرة في الخارج، فطباعة أوراق العملة النقديّة مثلًا جعل القيم المختلفة لها أمر اعتباريّ يرتبط بقرار خزانة الدولة ورئيس الأمور الماليّة، حيث يصدر الأمر منهما بطباعة الأوراق النقديّة وعرضها بقيم مختلفة.
فتكون هذه الأوراق النقديّة معتبرة ما دام إمضاء المسؤول والشخص المعتبر وإقراره لها باقياً، لكنّها تسقط عن الاعتبار بمجرّد سحب الرئيس المسؤول ومسؤول الخزانة إمضائهما أو إصدارهما قراراً بإلغائها، فتصبح أكداس الأوراق النقديّة الثمينة حينذاك بلا قيمة، وسيؤول مصيرها إلى المدفأة أو إلى ما شابه ذلك من الاستعمالات.
ولا يخضع اعتبار الرئيس المسؤول لها، وطبعها، ومقدار المطبوع منها، وتعيين قيمتها، ومدّة اعتبارها، وطرحها للتداول داخل الدولة أو في الداخل والخارج، للفوضى أو المزاجيّة؛ إذ لا بّد من حساب دقيق لتقدير ثروة المملكة من الذهب والفضّة الموجودة في الخزينة أو ضمن أموال الدولة، وقيم المعادن المستخرجة، أو محصول اللؤلؤ المستخرج من البحر، والأراضي الزراعيّة والبساتين، أو العمل والجهود اليدويّة للعمال والفلاحين، وكلّ ما يصدق عليه عنوان المال ويمكن حسابه بشكل العملة الصعبة، وبعد الحساب الدقيق لقيمة العملة الصعبة وأسعار البضائع والذهب والفضّة الخارجيّة وملاحظة العوامل المهمّة الأخرى، كميزان الثروة والنقد عند الشعب، يقومون بتبديل ذلك المال في المعاملة إلى أوراق رسميّة معتبرة ويدعونها بأوراق العملة الماليّة، تسهيلًا للحمل والنقل وحفظاً للذهب والفضّة ولجهات أخرى غيرها.
وهذا الحساب من الدقّة والصحّة بالقدر الذي يحدّد الشخص المعتبِر والمعيِّن لقيم وأسعار الأوراق النقديّة بضرورات المحاسبة الاقتصاديّة، بحيث إنّه لا يجرؤ على طباعة وعرض ورقة نقديّة بقيمة خمسة تومانات أكثر أو أقلّ من المطلوب، وفي حالة ثبوت هذا الأمر فإنّه سيحاكم على مخالفته هذه عند الحاكم والقاضي المسؤول. وللصكوك والكمبيالات أيضاً نفس هذا الأمر الاعتباريّ.
والطوابع البريديّة لها أيضاً نفس الشأن، فدائرة البريد تعمد لسهولة استلام النقود من الناس مقابل التزامها بإيصال رسائلهم وأماناتهم إلى مقاصدها إلى طباعة طوابع تُلصق على الشيء المرسَل بما يتناسب مع وزنه وبُعد مقصده وكونه من المطبوعات أو غيرها، فتقبل هذه الطوابع بمثابة إيصالات نقديّة، ثمّ تقوم هذه الدائرة - لتغطية ميزانيّتها الكلّيّة ورواتب موظّفيها وعمّالها ووسائل الحمل والنقل على اختلافها من الطائرة والسفينة والسيّارة والدرّاجة الناريّة والدرّاجة الهوائيّة وفي بعض القرى من الحمار والحيوانات المستعملة للنقل - بحساب هذه الأمور وتقسم مجموعها على جملة المحمولات، فتصدر طوابع بريديّة للنقل داخل المدينة بقيمة ريال واحد مثلًا، وللنقل إلى المدن الأخرى بقيمة خمسة ريالات وإلى خارج الدولة بأكثر من ذلك، وتقوم بتعيين واعتبار وتثبيت هذه الأسعار وتطبع الطوابع تبعاً لذلك وتبيعها.
وحين تستلم دائرة البريد الطرود وتقوم بنقلها حسب تعهّدها والتزامها فإنّها تختم عليها بختم البطلان، أي أنّها تسقط تلك الطوابع من درجة الاعتبار وتلغي اعتبارها منها، لأنّ التزام دائرة البريد وتعهّدها كان فقط إيصال تلك الطرود إلى مقاصدها، وستصبح في هذه الحال تلك الطوابع البريديّة غير ذات قيمة، فتستخدم لمعرفة تأريخ واسم وصفات السلاطين المتوفّين؛ وتجمع في دفاتر ومجاميع تثير الاعتبار والاتّعاظ، أو تُلقى مع المهملات في صندوق النفايات.
لقد كان الاعتبار ومدّة الاعتبار وزمانه وكيفيّته وقيمته محدودة ومشروطة، وحين يُختم عليها بختم البطلان فإنّها ستبطل جميعاً وتنهار دفعة واحدة، فليس في الأمر استبداد ولا إعمال للرأي الشخصيّ لرئيس دائرة البريد في هذه الاعتبارات، لا بلحاظ القيمة ولا بلحاظ مدّة الاعتبار، فهم يمتلكون حقّ طبع وبيع وتعيين قيم هذه الطوابع ضمن دائرة محدّدة مرتبطة بمصالح الدولة ونفقات دائرة البريد، ومع أنّ جميع أعمالهم هذه اعتبار محض، إلّا أنّه ليس اعتباراً جزافيّاً، فهم بحكم عقلهم ودرايتهم وحسن إدارتهم وصدقهم وأمانتهم لا يملكون أن يطبعوا يوماً ما ولمرّة واحدة طابعاً واحداً بقيمة ريال واحد ويقوموا باعتباره من غير داع وسبب، وهم كذلك غير قادرين حتى في مورد واحد أن يقوموا بإبطال طابع واحد بقيمة ريال واحد وإسقاطه من الاعتبار والختم عليه بالبطلان من غير داعٍ وسبب.
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد مصباح يزدي
الشيخ محمد جواد البلاغي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد عبد الأعلى السبزواري
محمود حيدر
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الحب في اللّه
العرفان الإسلامي
جمعية العطاء تختتم مشروعها (إشارة وتواصل) بعد 9 أسابيع
الرؤية القرآنية عن الحرب في ضوء النظام التكويني (2)
قول الإماميّة بعدم النّقيصة في القرآن
معنى كون اللَّه سميعًا بصيرًا
الصابئة، بحث تاريخي عقائدي
الاستقامة والارتقاء الروحي
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا
ماهية الميتايزيقا البَعدية وهويتها*