علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

سرّ القوّة المذهلة للتّنهد العميق والشّعور بالسّعادة الكامنة وراءه

ترجمة: عدنان أحمد الحاجي

 

سطح الرئتين مغطىً بسائل يزيد من مرونتهما. ويصل هذا السائل إلى أعلى مستوى فاعليته عند أخذ أنفاس عميقة (التنهد) بشكلٍ دوري، من حين إلى آخر، كما اكتشف باحثون من المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ باستخدام تقنيات قياس متطورة في المختبر.

 

عند التنفس بعمق، يتمدد السائل السطحي للرئة ويضغط بقوة. هذا يُمكّن مكوناته من تنظيم نفسها بأفضل طريقة - طبقة علوية صلبة تعلو طبقات أكثر ليونة تحتها.

 

• تتمدد الرئتان عند الشهيق وتنقبضان عند الزفير. تستجيب أنسجة الرئتين (البنية الإسفنجية للرئتين) والطبقة السائلة الرقيقة البينية، التي تغطي سطح الرئتين حيث يلتقي الهواء بالأنسجة، إلى حركة التمدد والانقباض بالمقاومة.

 

• يُقلّل السائل الذي يُغطّي سطح الرئة هذه المقاومة - خاصةً بعد التنفس العميق.

 

• يحدث هذا لأن التنفس العميق يساعد على تنظيم السائل السطحي للرئة بحيث يكون له طبقة علوية صلبة وطبقات أكثر ليونة ومرونة أسفلها، ما يُساعد الرئتين على العمل بشكل أفضل.

 

يُصاب أكثر من نصف الأطفال الخُدّج المولودين قبل الأسبوع الثامن والعشرين من الحمل بمتلازمة الضائقة التنفسية (1) بعد الولادة بفترة وجيزة. وذلك لأن رئتي الطفل لم يكتمل نموهما بعد، ولا تُنتجان إلّا كمية قليلة جدًّا من السائل، الذي يُقلل التوتر السطحي في الرئتين ويُساعد على إبقاء الحويصلات الهوائية في الرئتين مفتوحة. وبدون كمية كافية من هذا السائل، تنهار بعض الحويصلات الهوائية، فتعجز الرئتان عن الحصول على كمية كافية من الأكسجين.

 

الرئتان تصبحان أكثر مرونة

 

حتى قبل ما يقرب من 40 عامًا، كان الخدّج يموتون غالبًا بسبب عجز رئاتهم عن القيام بوظائفها بشكل صحيح، ولكن في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وجد الأطباء طريقة لإنقاذ حياتهم، بعد أن أخذوا سائلًا رئويًّا خاصًّا من حيوانات [من البقر، مثل Survanta® و Infasurf® أو من الخنزير، Curosurf®] (2) وحقنوه في رئات الأطفال الخُدّج. أثبت هذا العلاج فعاليته لأن السائل ينتشر على سطح الرّئة، ما يجعلها أكثر ليونة ومرونة، وأسهل تمددًا ما يُمكّن الأطفال الخُدّج من التنفس. هذه الطريقة أعطت نتائج ممتازة في الأطفال حديثي الولادة. يُغطّي السائل سطح الرئة بالكامل، مما يجعل الرئتين أكثر مرونة، بحسب يان فيرمانت Jan Vermant، أستاذ المواد اللينة والمرنة في المعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ. 

 

ولكن حتى الكبار، قد يصابون بفشل رئوي. على سبيل المثال، خلال جائحة فيروس كورونا، أُصيب حوالي 3000 شخص في سويسرا بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة (ARDS). حاول الأطباء علاج هذه الحالة بأخذ مادة خافضة للتوتر السطحي (سائل نشط سطحيًّا) من رئات الحيوانات وحقنوها في رئات المرضى، لكن هذا لم يُجدِ نفعًا في الكبار. هذا الفشل يعني أن المشكلة لا تقتصر على خفض التوتر السطحي (وهو ما تفعله المادة الخافضة للتوتر السطحي).

 

وفقًا لفيرمانت، تلعب الضغوط الميكانيكية داخل سائل الرئة نفسه دورًا رئيسًا في سبب فشل الرئتين - ما يعني أن فيزياء سلوك سائل الرئة أكثر تعقيدًا من مجرد تأثير التوتر السطحي.

 

بالتعاون مع باحثين من إسبانيا وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية، استخدم فريق البحث أجهزة متطورة لدراسة كيف يتصرف سائل الرئة (السائل الذي يبطن الرئتين من الداخل) تحت الضغط الميكانيكي، حين عرّضوه للتمدد وللضغط مرة أخرى في المختبر. على غرار ما يحدث طبيعيًّا في الرئتين من التمدد حال الشهيق والانكماش حال الزفير. محاكاة عملية التنفس في بيئة مختبرية لدراسة كيفية تصرف سائل الرئة في ظل هذه الظروف من شأنه أن يساعد على فهم كيف تعمل الرئتان على المستوى المجهري. وقد نشر الباحثون نتائجهم مؤخرًا في مجلة "تقدم العلوم (3). 

 

سبب الشعور بالراحة في الصدر

 

حاكى الباحثون في التجربة التي أجروها حركات التنفس في حال التنفس الطبيعي، وكذلك في حالة التنهد، وقاموا بقياس التوتر السطحي للسائل الرئوي في كل حالة. أوضح فيرمانت أن هذا التوتر السطحي يؤثر في مدى مرونة الرئتين. فكلما زادت مرونة الرئتين، قلت مقاومتهما للتمدد والانكماش، وأصبح التنفس أسهل.

 

باستخدام أدوات قياس متقدمة، وجد الباحثون أن التوتر السطحي للسائل الرئوي ينخفض بشكل ملحوظ بعد التنهد العميق. ويبدو أن هذا يوفر تفسيرًا ماديًّا لهذا الشعور بالراحة في الصدر، والذي غالبًا ما يشعر به المرء بعد التنهد العميق. والتفسير العلمي للشعور بالراحة (بعد التنهد) يبدأ بمعرفة أن سائل الرئة - ذلك السائل الرقيق جدًّا الذي يُغطي السطح الداخلي للرئتين - ليس مجرد طبقة رقيقة واحدة. يشكلها السائل الرئوي على سطح الرئتين، بل يتكون في الواقع من طبقات مجهرية رقيقة جدًّا، ومتعددة، ومتراصة فوق بعضها، يمكنها التحرك أو إعادة ترتيب نفسها في حالة التنهد بعمق. ما يساعد على جعل التنفس أكثر سلاسة.

 

محاكاة هيكل السائل الرئوي متعدد الطبقات

 

قد تُصبح هذه الطبقات، بمرور الزمن، والاستمرار في التنفس الطبيعي غير منظمة. ولذا تتطلب في مثل هذه الحالة تنهدًا عميقًا من حين إلى آخر لاستعادة الهيكل المثالي لهذه الطبقات المتعددة.

 

وبناءً على تحليلات الباحثين وجدوا أنه عندما يتمدد السائل الرئوي وينضغط (كما هو الحال أثناء التنفس العميق)، يتغير تكوين الطبقة الخارجية. وتُصبح غنية بالدهون المُشبعة - وهي جزيئات دهنية مُتراصة بإحكام. وهذا من شأنه أن يُؤدي إلى تكوين سطح سائل أكثر كثافة واستقرارًا عند التقاء الهواء والسائل في الرئتين، كما قالت نوڤيس - سيلفا Novaes Silva. ويضيف فيرمانت: "هذه حالة ليست حالة الراحة الطبيعية الذي يبقى فيها سطح الرئة على هذا النحو تلقائيًّا، بل يتطلب جهدًا، أو عملًا ميكانيكيًّا والمعروف بالشغل الميكانيكي (4) [كالتمدد الناتج عن التنهد] لاستعادة التوازن الديناميكي الحراري (5)".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- https://ar.wikipedia.org/wiki/متلازمة_الضائقة_التنفسية_لدى_الرضع

2- https://altibbi.com/الادوية/سيرفانتا-انتراتراكيل

3- https://www.science.org/doi/10.1126/sciadv.adx6034

4- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/شغل_(فيزياء)

5- https://ar.wikipedia.org/wiki/توازن_ديناميكي_حراري

المصدر الرئيس

https://ethz.ch/en/news-and-events/eth-news/news/2025/10/why-deep-sighs-are-actually-good-for-us.html

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد