
كروية الأرض في القرآن:
ليس في القرآن الكريم آية مفادها أنَّ الأرض مسطَّحة بل ثمَّة ما يُشير في بعض الآيات إلى كرويَّة الأرض كما في قوله تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾(1).
فالتَّكوير يعني الاستدارة، ولا معنى لاستدارة الليل والذي هو الظّلمة لولا كرويّة الأرض حيث تستدير الظّلمة حول الوجه المستدبر للشّمس، ويستدير الضّوء حول الوجه المستقبل للشّمس، ولأنّ الأرض في حالة دوران حول نفسها اقتضى ذلك أن يتحوّل الضوء من جهة إلى جهة أخرى فيكون في الموقع الذي كانت الظلمة تغشاه، وبذلك يُصبح الموقع الذي كان الضّوء يغشاه مظلمًا، فليس لموقع الضّوء ثبات كما أنّه ليس لموقع الظّلمة ثبات، بل كلٌّ من الليل والنّهار يتعاقبان على كلٍّ من وجهَي الأرض.
ولأنَّ تحوُّل أحد شِقَّي الأرض من الاستقبال للشَّمس إلى استدبارها لا يكون بنحو الطَّفرة لذلك تتحوّل الظّلمة والضّوء بمستوى حركة دوران الأرض حول نفسها فيشع الضوء في موقعٍ كان مظلمًا وتعمُّ الظلمة في موقعٍ كان مُشِعًّا، فلو تصورنا خطوطًا وهميةً مستديرةً حول الأرض لكان الضوء كُلَّما شَعَّ في خطٍّ من هذه الخطوط فَقَدَ خطًا كان مُشِعًّا فيه فأصبح مظلمًا، فكأن الضوء غشي موقع الظلمة وكأن الظلمة غشيت موقع الضوء، وهذا هو سر التعبير بقوله: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾(2)، واختارت الآية التعبير بالفعل المضارع ﴿يُكَوِّرُ﴾ لإفادة الاستمرار والتجدُّد كما هو مدلول صيغة الفعل المضارع.
وهو سر التعبير في آية أخرى بقوله تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾(3)، فكأنما الظلمة تُلاحق الضوء وكذلك قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾(4).
وبتقريبٍ آخر إنَّ التعبير بالتكوير الوارد في قوله تعالى: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾(5)، لا يناسب افتراض أنَّ الأرض مسطَّحة، وذلك لأنَّ المدلول اللغوي للفظ التكوير(6) هو لفُّ الشيء بنحوٍ يكون على هيئة الكُرَة، فحينما يقال كوَّرْتُ الطِّين أو العجين، فإنَّ معناه جَعَلتُهُ يأخذ شَكْلَ الكُرَةَ، فلو كانت الأرض مسطَّحَةً لكان التَّعبير بتكويرِ الليل والنَّهار عليها غير دقيقٍ، فالليلُ والنَّهارُ بمثابة الخَطَّيْنِ فإذا افترضنا أنَّ إحاطتهما بشيء كان بنحو التكوير كان ذلك مقتضيًا لكرويَّة ذلك الشيء، إذْ لو كان ذلك الشيء (الجسم) مربعًا مثلاً لأخذ الخطان شكل المربَّع، وهكذا لو كان مثلثًا لأخذ الخطان شكل المثلث، ولأن الآية المباركة عبَّرت بالتكوير فذلك يكشف عن أنَّ شكل الأرض كروي.
وثمّة آيات أخرى أشارت إلى كرويّة الأرض يُمكن الوقوف عليها بالتأمل ومراجعة البحوث المتصدية لبيان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.
توهم أن الأرض مسطحة في القرآن:
وأما الآيات التي توهَّم البعض دلالتها على أنَّ القرآن الكريم أفاد أنَّ الأرض مسطَّحة فهي مثل قوله تعالى: ﴿وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾(7)، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا﴾(8)، وقوله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾(9)، وتمام هذه الآيات ونظائرها لا دلالة فيها على دعوى أنَّ القرآن يرى الأرض مسطَّحة.
أما قوله تعالى: ﴿وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾(10)، فالمراد من تسطيح الأرض هو بسطها، وتسويتها وتهيئتها بحيث تكون صالحة لأن يسكنها الإنسان وينتفع بها ويتنقل فيها، فيكون مفاد هذه الآية المباركة هو مفاد قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً ..﴾(11)، وقوله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ﴾(12)، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا﴾(13)، فَفَرْشُ الأرضِ يعني بسطها ومَهْدها يعني تهيئتها لتكون صالحة للاستقرار عليها، وهذا هو معنى مدّ الأرض الوارد في قوله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ..﴾(14)، فمدُّ الأرض يعني بسطها من جهتي الطول والعرض.
وعليه يكون مفاد تمام هذه الآيات هو أنَّ الله تعالى بصدد التذكير لعباده بما أنعم به عليهم من بسط الأرض وتهيئتها لتقوم عليها معائش الناس، فالتّوصيفات المذكورة في هذه الآيات المباركات إنما هي لسطح الأرض، فالفراش والمهاد والمدّ والتسطيح والبسط توصيفات لسطح الأرض وليس للهيئة التي عليها واقع هذا الكوكب إذ أنَّ سياق الآيات هو التذكير والوعظ ولا يكون التذكير إلا بما هو مشهود.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة الزمر 5.
2- سورة الزمر 5.
3- سورة الأعراف 54.
4- سورة الفرقان 45-46.
5- سورة الزمر 5.
6- لسان العرب -ابن منظور- ج5 ص156، مختار الصحاح -محمد بن عبد القادر- ص299.
7- سورة الغاشية 20.
8- سورة نوح 19.
9- سورة ق 7.
10- سورة الغاشية 20.
11- سورة البقرة 22.
12- سورة الذاريات 48.
13- سورة النبأ 6.
14- سورة ق 7.
معنى (لمز) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (3)
محمود حيدر
التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي
عدنان الحاجي
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}
الشيخ مرتضى الباشا
أكبر مسؤوليات التربية... منع تسلّط الوهم على الفطرة
السيد عباس نور الدين
الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
نوازع وميول الأخلاقيات
الشيخ شفيق جرادي
المذهب التربوي الإنساني
الشهيد مرتضى مطهري
الحق والباطل: ماء راسخ وزبد يزول
الشيخ جعفر السبحاني
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ..} كيف يُنسب اليأس للرسُل؟
الشيخ محمد صنقور
اطمئنان
حبيب المعاتيق
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
معنى (لمز) في القرآن الكريم
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (3)
التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي
لا محبّ إلّا اللَّه ولا محبوب سواه
الدّريس يدشّن ديوانه الشّعريّ الأوّل: (صحراء تتنهد ومطر يرقص)
جلادة النّقد
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}
فوائد الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
معنى (نسف) في القرآن الكريم
أكبر مسؤوليات التربية... منع تسلّط الوهم على الفطرة