قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾ (4)

قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء﴾ كالجملة المعترضة بين فقرات دعائه دعاه إلى إيراده تذكره في ضمن ما أورده من الأدعية عظيم نعمة الله عليه إذ وهب له ولدين صالحين مثلهما بعد ما انقطع عنه الأسباب العادية المؤدية إلى ظهور النسل، وأنه إنما وهبهما له باستجابة دعائه للولد فحمد الله على ما وهبهما وأثنى عليه على استجابة دعائه في ذلك.

 

قوله تعالى: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء﴾ الكلام في استناد إقامته الصلاة إلى الله سبحانه نظير الكلام في استناد إجنابه أن يعبد الأصنام فإن لإقامة الصلاة نسبة إليه تعالى بالإذن والمشية كما أن لها نسبة إلى العبد بالتصدي والعمل وقد مر الكلام فيه.

 

وهذه الفقرة ثاني دعاء يشترك فيه هو عليه السلام وذريته ويعقب في الحقيقة قوله أولاً: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾  كما يلحق به دعاؤه الثالث المشترك فيه: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.

 

وقد أفرد نفسه في جميع الفقرات الثلاث عن غيره إذ قال: ﴿وَاجْنُبْنِي﴾ ﴿واجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ﴾ ﴿اغْفِرْ لِي﴾ لأن مطلوبه لحوق ذريته به كما قال في موضع آخر: ﴿وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ﴾ الشعراء: 84، وفي موضع آخر كما حكاه الله بقوله: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ البقرة: 124.

 

وأما قوله في الفقرة الأولى ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ﴾ وهاهنا ﴿اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي﴾ فقد تقدم أن المراد ببنيه بعضهم لا جميعهم فتتطابق الفقرتان.

 

ومن تطابق الفقرتين أنه أكد دعاءه في هذه الفقرة بقوله: ﴿رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء﴾ فإن سؤال تقبل الدعاء إلحاح وإصرار وتأكيد كما أن التعليل في الفقرة الأولى، بقوله: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ﴾ تأكيد في الحقيقة لما فيها من الدعاء، بقوله: ﴿وَاجْنُبْنِي﴾ إلخ.

 

قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ ختم عليه السلام دعاءه - وهو آخر ما ذكر من دعائه في القرآن الكريم كما تقدم - بطلب المغفرة للمؤمنين يوم القيامة ويشبه آخر ما دعا به نوح عليه السلام مما ذكر في القرآن: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ نوح: 28.

 

وفي الآية دليل على أنه عليه السلام لم يكن ولد آزر المشرك لصلبه فإنه عليه السلام - كما ترى - يستغفر لوالديه وهو على الكبر وفي آخر عهده وقد تبرأ من آزر في أوائل عهده بعد ما استغفر له عن موعدة وعده إياه قال تعالى: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي﴾ مريم: 47، وقال: ﴿وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾ الشعراء: 86، وقال: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ التوبة: 114..

 

ومن لطيف ما في دعائه عليه السلام اختلاف النداء المكرر الذي فيه بلفظ ﴿رَبِّ﴾ و﴿رَبَّنَا﴾ والعناية فيما أضيف إلى نفسه بما يختص بنفسه من السبقة والإمامة، وفيما أضيف إلى نفسه وغيره إلى المشتركات.

 

بحث روائي:

 

في الدر المنثور، أخرج أبو نعيم في الدلائل عن عقيل بن أبي طالب: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أتاه الستة النفر من الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه فسألوه أن يعرض عليهم ما أوحي إليه فقرأ من سورة إبراهيم: وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا - واجنبني وبني أن نعبد الأصنام.. إلى آخر السورة فرق القوم وأخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه.

 

وفي تفسير العياشي، عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أحبنا فهو منا أهل البيت فقلت: جعلت فداك منكم قال: منا والله أ ما سمعت قول الله وهو قول إبراهيم عليه السلام: ﴿فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾.

 

وفيه، عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من اتقى الله منكم وأصلح فهو منا أهل البيت قال: منكم أهل البيت قال: منا أهل البيت قال فيها إبراهيم: ﴿فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ قال عمر بن يزيد: قلت له: من آل محمد قال إي والله من آل محمد إي والله من أنفسهم أما تسمع قول الله تعالى: إن أولى الناس بإبراهيم - للذين اتبعوه وقول إبراهيم: ﴿فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾.

 

أقول: وقد ورد في بعض الروايات أن بني إسماعيل لم يعبدوا صنما قط إثر دعاء إبراهيم: واجنبني وبني أن نعبد الأصنام، وأنهم إنما قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله والظاهر أن الرواية موضوعة، وقد تقدمت الإشارة إليه في البيان السابق.

 

وكذا ما ورد في بعض الروايات من طرق العامة والخاصة أن أرض الطائف كانت في الأردن من أرض فلسطين فلما دعا إبراهيم عليه السلام لبنيه بقوله: ﴿وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ﴾ أمر الله بها فسارت بترابها إلى مكة فطافت على البيت سبعة أشواط ثم استقرت حيث الطائف الآن.

 

وهذا وإن كان ممكن الوقوع في نفسه من طريق الإعجاز لكن لا يكفي لثبوته أمثال هذه الروايات الضعيفة والمرسلة على أن هذه الآيات في مقام الامتنان ولو قارن هذا الدعاء واستجابته تعالى له مثل هذه الآية العظيمة العجيبة والمعجزة الباهرة لأشير إليها مزيدًا للامتنان. والله أعلم.

 

وفي مرسلة العياشي، عن حريز عمن ذكره عن أحدهما عليهما السلام: أنه كان يقرأ ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ يعني: إسماعيل وإسحاق، وفي مرسلته الأخرى عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام: مثله وظاهر هذه الرواية أن القراءة مبنية على كفر والد إبراهيم والروايتان ضعيفتان لا يعبأ بهما.

 

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد