أهل البيت (عليهم السلام) وضرورة إطاعتهم
أمر سبحانه بإطاعة الرسول وأُولي الأمر، وقال: (يا أَيُّهَاالّذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ في شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلى اللّه والرَّسُول إِنْ كُنْتُمْ تُوَْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخر ذلِكَ خَيرٌ وَأَحْسَنُ تَأْويلاً).(1)
تأمر الآية بإطاعة اللّه كما تأمر بإطاعة الرسول وأُولي الأمر لكن بتكرار الفعل، أعني: (وأَطيعُوا الرَّسُول) وما هذا إلاّ لأَنّ سنخ الإطاعتين مختلف، فإطاعته سبحانه واجبة بالذات، وإطاعة النبي وأُولي الاَمر واجبة بإيجابه سبحانه. والمهم في الآية هو التعرُّف على المراد من أُولي الأمر، فقد اختلف فيه المفسرون على أقوال ثلاثة:
1. الاَُمراء، 2. العلماء، 3. صنف خاص من الأمّة، وهم أئمّة أهل البيت (عليهم السلام).
وبما أنّه سبحانه أمر بإطاعة أُولي الأمر إطاعة مطلقة، غير مقيدة بما إذا لم يأمروا بالمعصية يمكن استظهار أنّ أولي الأمر المشار إليهم في الآية والذين وجبت طاعتهم على الإطلاق، معصومون من المعصية والزلل، كالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى اقترنوا في لزوم الطاعة في الآية.
وبعبارة أخرى: إنّه سبحانه أوجب طاعتهم على الإطلاق، كما أوجب طاعته، وطاعة رسوله، ولا يجوز أن توجب طاعة أحد على الإطلاق إلاّ من ثبتت عصمته، وعلم أنّ باطنه كظاهره، وأمن منه الغلط والأمر بالقبيح، وليس ذلك بحاصل في الأمراء، ولا العلماء سواهم، جلّ اللّه عن أن يأمر بطاعة من يعصيه، أوبالانقياد للمختلفين في القول والفعل، لأنّه محال أن يطاع المختلفون، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه.(2)
وقد أوضحه الرازي في تفسيره، وذهب إلى أنّ المقصود من أولي الأمر هم المعصومون في الأمّة، وإن لم يخض في التفاصيل، ولم يستعرض مصاديقهم،لكنّه بيّن المراد منهم بصورة واضحة، وقال: والدليل على ذلك أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع، لابدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأً منهي عنه، فهذا يُفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد وأنّه محال.
فثبت أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كلّ من أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم، وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أنّ أولي الأمر المذكور في هذه الآية لابدّ وأن يكون معصوماً.(3)
وقد أوضح السيد الطباطبائي دلالة الآية على عصمة أولي الأمر ببيان رائق وإليك نصّه، قال: الآية تدل على افتراض طاعة أُولي الأمر هؤلاء، ولم تقيده بقيد ولا شرط، وليس في الآيات القرآنية ما يقيد الآية في مدلولها حتى يعود معنى قوله: (وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأمْر مِنْكُمْ) إلى مثل قولنا: وأطيعوا أُولي الأمر منكم فيما لم يأمروا بمعصية أو لم تعلموا بخطئهم، فإن أمروكم بمعصية فلا طاعة عليكم، وإن علمتم خطأهم فقوِّموهم بالردّ إلى الكتاب والسنّة و ليس هذا معنى قوله: (وَأَطيعُوا الرَّسُول وَأُولي الأمْرِ مِنْكُمْ).
مع أنّ اللّه سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيد فيما هو دون هذه الطاعة المفترضة، كقوله في الوالدين: (وَوَصَّيْنَا الإنْسان بِوالِدَيهِ حُسناً وَإِنْ جاهَداكَ لتشرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما).(4) فما باله لم يُظهر شيئاً من هذه القيود في آية تشتمل على أُس أساس الدين، وإليها تنتهي عامة أعراق السعادة الإنسانية.
على أنّ الآية جمع فيها بين الرسول وأُولي الأمر، وذكر لهما معاً طاعة واحدة، فقال: (وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم)، ولا يجوز على الرسول أن يأمر بمعصية أو يغلط في حكم، فلو جاز شيء من ذلك على أُولي الأمر، لم يسع إلاّ أن يذكر القيد الوارد عليهم فلا مناص من أخذ الآية مطلقة من غير أن تقيد، ولازمه اعتبار العصمة في جانب أُولي الأمر، كما اعتبر في جانب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) من غير فرق.(5)
وبذلك تبَّين أنّ تفسير أُولي الأمر بالخلفاء الراشدين أو أُمراء السرايا أو العلماء أمر غير صحيح، لأنّ الآية دلَّت على عصمتهم ولا عصمة لهؤلاء، فلابدّ في التعرُّف عليهم من الرجوع إلى السنَّة التي ذكرت سماتهم ولا سيما حديث الثقلين حيث قورنت فيه العترة بالكتاب، فإذا كان الكتاب مصوناً من الخطأ، فالعترة مثله أخذاً بالمقارنة.
ونظيره حديث السفينة: «مَثَل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق».(6) إلى غير ذلك من الأحاديث التي تنصُّ على عصمة العترة الطاهرة، فإذاً هذه الأحاديث تشكّل قرينة منفصلة على أنّ المراد من أولي الأمر هم العترة أحد الثقلين.
بل يمكن كشف الحقيقة من خلال الإمعان في آية التطهير، وقد عرفت دلالتها على عصمة أهل البيت الذين عيَّنهم الرسول بطرق مختلفة. وعلى ضوء ذلك فآية التطهير، وحديث الثقلين، وحديث السفينة إلى غيرها من الأحاديث الواردة في فضائل العترة الطاهرة كلّها تدل على عصمتهم. هذا من جانب ومن جانب آخر دلَّت آية الإطاعة على عصمة أُولي الأمر، فبضم القرائن الآنفة الذكر إلى هذه الآية يتضح المرادمن أُولي الأمر الذين أمر اللّه سبحانه بطاعتهم وقرن طاعتهم بطاعة الرسول.
وأمّا الرواية عن النبيّ: فقد روى ابن شهراشوب عن تفسير مجاهد أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) حين خلّفه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة، فقال: «يا رسول اللّه، أتخلفّني بين النساء والصبيان؟» فقال ص: «يا علي، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، حين قال له: (اخلفني في قومي وأصلح)، فقال أبلى واللّه: (وأولي الأمر منكم)».(7)
وأمّا ما رُوي عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) حول الآية فحدث عنها ولا حرج، فلنقتصر في المقام على رواية واحدة نقلها الصدوق بإسناده عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري.
قال: لمّا أنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه محمد ص: (يا أيّها الّذين آمنوا أَطيعوا اللّه وأَطيعُوا الرسول وأُولي الأمْر منكم) قلت: يا رسول اللّه، عرفنا اللّه ورسوله، فمن أولوا الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟ فقال (ص): «هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي، أوّلهم علي بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ علي بن الحسين، ثمّ محمد بن علي المعروف في التوارة بالباقر ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ علي بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ علي بن محمّد، ثمّ الحسن بن علي، ثمّ سَمِيِّ محمّد و كنيتي، حجة اللّه في أرضه وبقيته في عباده ابن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح اللّه تعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيه على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان».
قال جابر: فقلت له: يا رسول اللّه فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال (ص): «أي والذي بعثني بالنبوة إنّهم يستضيئون بنوره،وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب. يا جابر هذا من مكنون سر اللّه ومخزون علم اللّه، فاكتمه إلاّ عن أهله».(8)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. النساء: 59.
2. مجمع البيان:3|100.
3. التفسير الكبير: 1|114.
4. العنكبوت: 8.
5. الميزان:4|391.
6. الحاكم:المستدرك: 3|151 أخرجه مسنداً إلى أبي ذر.
7. المناقب لاِبن شهراشوب: ط المطبعة العلميّة.
8. البرهان في تفسير القرآن: 1|381.
الشيخ محمد صنقور
الشيخ فوزي آل سيف
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مصباح يزدي
حيدر حب الله
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
أحمد الرويعي
حسين حسن آل جامع
أحمد الماجد
فريد عبد الله النمر
علي النمر
حبيب المعاتيق
زهراء الشوكان
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
شفيق معتوق العبادي
شعراء عائلة المؤمن: لأبكينَّك شعرًا
مقدار ما سُلبَ من نساء أهل البيت (ع)
زينب (ع) شاهدة النهضة
سفر الركب الحسيني من كربلاء الى كربلاء (1)
نشاط الدّماغ حين نحاول قراءة ما يفكّر به الآخرون
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (2)
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
ليلة وحشة زينب (ع)
حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (1)
ما جدوى إقامة الشعائر الحسينيّة؟