قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

حقوق أهل البيت (عليهم السلام) في القرآن الكريم (3)

وجوب مودّتهم وحبّهم (1)

 

قام الرسل بإبلاغ رسالات اللّه سبحانه إلى الناس، دون أن يبغوا أجراً منهم، بل كان عملهم خالصاً لوجهه سبحانه، لأنّ إبلاغ رسالاته كانت فريضة إلهية على عواتقهم، فكيف يطلبون الأجر للعمل العبادي الذي لا يبعثهم إليه إلاّ طاعة أمره وطلب رضاه، ولذلك كان شعارهم دوماً، قولهم (وَما أسأَلكم عليهِ منْ أَجْر إِن أَجْري إِلاّ على اللّه ربّ العالَمين) .(1)

 

فقد ذكر سبحانه على لسان الأنبياء تلك الآية في سورة الشعراء، ونقلها عن عديد من أنبيائه، نظراء: نوح(2)، هود(3) صالح(4) لوط(5) شعيب(6) وقد جاء هذا الشعار في سور أخرى نقلها القرآن الكريم عن رسله وأنبيائه، فقد كانوا يخاطبون أُمَمهم بقولهم: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْري إِلاّ على اللّه).(7) (يا قَوم لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الّذي فطرني).(8)

 

فإذا كان هذا موقف الأنبياء من أُمّتهم، فكيف يصح للنبي الخاتم ص أن يطلب الأجر؟! بل هو أولى بأن يكون عمله خالصاً للّه، لأنّه خاتم الرسل وأفضلهم، وقد كان يرفع ذلك الشعار أيام بعثته، بأمر منه سبحانه و يتلو قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكرى لِلْعالَمين).(9) هذه هي حقيقة قرآنية لا يمكن إنكارها، ومع ذلك نرى أنّه سبحانه يأمره في آية أُخرى بأن يطلب منهم مودة القربى أجراً للرسالة. ويقول: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَودَّةَ فِي القُربى).(10) فكيف يمكن الجمع بين هذه الآية، وما تقدم من الآية الخاصة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والآيات الراجعة إلى سائر الأنبياء، فإنّهم (عليهم السلام) كانوا على نهج واحد؟... هذا هو السوَال المطروح في المقام. والإجابة عليه يتوقَّف على نقل ما ورد حول الموضوع في القرآن الكريم، فنقول:

 

الآيات التي وردت حول أجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أصناف أربعة:

 

الأوّل: أمره سبحانه بأن يخاطبهم بأنّه لا يطلب منهم أجراً، قال سبحانه: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكرى لِلْعالَمين).(11)

 

الثاني: ما يشعر بأنّه طلب منهم أجراً يرجع نفعه إليهم دون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فيقول سبحانه: (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ على اللّهِ وهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ شَهيد).(12)

 

الثالث: ما يُعرّف أجره، بقوله: (قُلْ ما أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاّ مَنْ شاء أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلاً).(13) فكان اتخاذ السبيل إلى اللّه هو أجر الرسالة.

 

الرابع: ما يجعل مودة القربى أجراً للرسالة، ويقول: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُربى). فهذه العناوين الأربعة لابدّ أن ترجع إلى معنى واحد، وهذا هو الذي نحاول أن نسلّط عليه الأضواء.

 

الجواب: إنّ لفظة الأجر يطلق على الأجر الدنيوي والأخروي غير أنّ المنفي في تلك الآيات بقرينة نفي طلبه عن الناس هو الأجر الدنيوي على الإطلاق، ولذلك لم ينقل التاريخ أبداً أن يطلب نبي لدعوته شيئاً بل نقل خلافه.

 

هذه هي قريش تقدَّمت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي طليعتهم أبو الوليد، فتقدم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: يا ابن أخي إن كنت إنّما تريد بما جئت به من هذا الأمر، مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سوَّدناك علينا، حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رأيًا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك، طلبنا لك الطبَّ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبرئك منه، فإنّه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه، أو كما قال له حتى إذا فرغ عتبة، ورسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني قال: أفعل، فقال: (بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم* حم* تَنْزَيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحيم* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرآناً عَرَبِياً لِقَومٍ يَعْلَمُونَ* بَشيراً وَنَذِيراً فَأعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُون* وَقالُوا قُلُوبُنا في أَكِنَّةٍ مَمّا تَدْعُونا إِلَيْه).(14)

 

ثمّ مضى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها يقروؤها عليه. فلماّ سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه، ثمّ انتهى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السجدة منها، فسجد ثمّ قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك.(15)

 

هذا النصّ وغيره يعرب عن أنّ مدار الاإثبات والنفي هو الأجر الدنيوي بعامة صوره، وهذا أمر منفي جداً لا يليق لنبي أن يطلبه من الناس.

 

قال الشيخ المفيد: إنّ أجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التقرُّب إلى اللّه تعالى هو الثواب الدائم، وهو مستحق على اللّه تعالى في عدله وجوده وكرمه، وليس المستحق على الأعمال يتعلَّق بالعباد، لأنّ العمل يجب أن يكون للّه تعالى خالصاً، وما كان للّه فالأجر فيه على اللّه تعالى دون غيره.(16)

 

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنّ مودة ذي القربى وإن تجلت بصورة الأجر حيث استثنيت من نفي الأجر، لكنّه أجر صوري وليس أجراً واقعياً، فالأجر الواقعي عبارة عمّا إذا عاد نفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكنّه في المقام يرجع إلى المحب قبل رجوعه إلى النبي، وذلك لأنّ مودة ذي القربى تجرّ المحب إلى أن ينهج سبيلهم في الحياة، ويجعلهم أُسوة في دينه ودنياه، ومن الواضح أنّ الحبّ بهذا المعنى ينتهي لصالح المحب. قال الصادق (عليه السلام): «ما أحب اللّه عزّ وجلّ من عصاه» ثمّ تمثَّل، فقال:

 

تعصي الاإله وأنت تظهر حبه  

هذا محال في الفعـال بديـع

لو كان حبك صادقاً لأطعتـه   

إنّ المحبّ لمن يحب مطيـع(17)

 

وسيوافيك أنّ المراد من ذوي القربى ليس كلّ من ينتمي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنسب أو سبب، بل طبقة خاصة من أهل بيته الذين عرفهم بأنّهم أحد الثقلين في قوله: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه، وعترتي أهل بيتي، وانّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».(18)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. الشورى: 109.

2. الشعراء:109، 127، 145، 164، 180.

3. الشعراء:109، 127، 145، 164، 180.

4. الشعراء:109، 127، 145، 164، 180

5. الشعراء:109، 127، 145، 164، 180.

6. الشعراء:109، 127، 145، 164، 180.

7. هود:29.

8. هود: 51.

9. الأنعام: 90.

10. الشورى: 23.

11. الأنعام: 90.

12. سبأ: 47.

13. الفرقان: 57.

14. فصّلت: 1 ـ 5.

15. السيرة النبوية:1|293ـ 294.

16. تصحيح الاعتقاد: 68.

17. سفينة البحار: مادة حبَّب.

18. أخرجه الحاكم في مستدركه:3|148، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين. ولم يخرجاه، وأخرجه الذهبي في تلخيص المستدرك معترفاً بصحته على شرط الشيخين قلت: هذا حديث متواتر وقد ألَّف غير واحد من المحقّقين رسائل حوله.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد