قرآنيات

معاني الأخوة في القرآن الكريم

الشيخ حسين أنصاريان

 

تكررت كلمة الأخوة واشتقاقاتها في القرآن الكريم ستًّا وتسعين مرّة، في ثلاث سور من سوره الشريفة، لكنّها تحمل معاني مختلفة، منها:

 

المعنى الأول: أخوة النسب

 

وتطلق على الأخوين أو الإخوة الذين ولدوا من أب واحد وأم واحدة، كقوله تعالى: ﴿فَطَوّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ﴾(1). أو من أب واحد دون الأم، وكذا العكس أي من أم واحدة دون الأب، والأول من قبيل قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ * وَلَمّا جَهّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لّكُم مِنْ أَبِيكُمْ﴾(2).

 

المعنى الثاني: أخوة الرضاعة

 

من قبيل قوله تعالى: ﴿وَأَخَوَاتُكُم مِنَ الرّضَاعَةِ﴾(3)، إذ الآية الكريمة صريحة في دلالتها على تحقيق مبدأ الأخوّة الذي يدعو إليه الدين الإسلامي، لذلك ترتّب عليه مجموعة من الأحكام الشرعية ذكرت في محلّها.

 

المعنى الثالث: أخوة الدين والعقيدة وهذا المعنى من الأخوّة هو الميزان في الأخوّة الحقيقية؛ فإنّ أخوّة النسب ربما تنقطع بمخالفة الدين، بينما أخوّة الدين لا تنقطع وإن لم يكن هناك نسب.

 

وهذا المعنى ـ الثالث ـ من الأخوّة يحمل أنواعاً متعددة تربط الإنسان بالآخرين بنوع من الأخوّة المترتب على مجموعة القيم والمفاهيم التي تحتم عليها العقيدة والدين، والآيات الكريمات تشير إلى كثرة هذه المفاهيم.

 

قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً﴾(4)، بمعنى أنّه تعالى ألّف بينهم بأخوّة الإيمان والإسلام التي هي إحدى نعمه جلّ وعلا.

 

وقال تعالى: ﴿إِنّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾(5)، إذ في الآية إشارة إلى اجتماع المؤمنين على الحقّ وتشاركهم في الصفة المقتضية له. وقال تعالى: ﴿فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلاَةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ﴾(6)، وهذا المقطع من الآية الكريمة صريح في تحقيق معنى أخوة الدين عند تحقق ما يقتضي ذلك.

 

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (7)، فقد جعلت الآية الكريمة اشتراكهم في مذهب الكفر والشرك أخوة بينهم وإن اجتمعوا على غير الحق.

 

وقال تعالى: ﴿وَإِلَى‏ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً﴾(8)، وكذلك قوله تعالى: ﴿وَإِلَى‏ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً﴾(9)، و: ﴿وَإِلَى‏ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً﴾(10)، فإنّ في جميع هذه الآيات جاءت الأخوّة حاملة لمفهوم الأخ بكونه أحد أفراد قومه وعشيرته، فإنّ هوداً وصالحاً وشعيباً كانوا إخواناً لأبناء أقوامهم وعشائرهم، كما ورد ذلك عن الإمام علي بن الحسين في (تفسير العياشي)(11).

 

قال تعالى: ﴿يا أخْتَ هَارونَ﴾(12)، وفي الآية إشارة إلى مفهوم الأخوة المبتني على المودة والصلاح بين الناس. قال تعالى: ﴿وَمَا نُرِيهِم مِنْ آيَةٍ إِلاّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا﴾(13)، فقد أشارت الآية الكريمة إلى الأخوّة في الصحة والإبانة والصدق، وإنّما سمّاها أختاً لاشتراكها في الصحة والدلالة.

 

قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾(14)، إذ قد أوضحت الآية مفهوم الأخوّة المبتني على التشابه في العمل القبيح من قبيل أخ الشيطان كفعل ما يقدم به الشيطان من عمل.

 

وبالجملة: إنّ المستفاد من الآيات الكريمة كون الأخ هو المشارك لغيره؛ إمّا تكوينياً في الولادة، وإمّا تشريعاً كالأخ من الرضاعة، وإمّا لسنّة اجتماعية ككونه من العشيرة أو البلد.

 

ولقد كان العرب يسمّون الملازم للشيء أخاً له، فيقال: أخو العرب، وأخو يثرب، وهكذا. وإمّا للمشاركة والمشاكلة في مفاهيم أخرى كالمودة والصلاح وتشابه الأعمال.

 

وهناك الأخوّة بين الأرواح قبل الأبدان، كما ورد في (الكافي) بإسناده عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): (إنّما المؤمنون إخوة بنو أب وأم، وإذا ضُرب منهم عرق سهر له الآخرون)(15)، أي إنّهم إخوة في الفطرة التي فطر الله الناس عليها، كما قال تعالى:﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللّهِ الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدّينُ القَيّمُ﴾(16).

 

وممّا يدلّ على هذا المعنى أيضاً، ما نقله سليمان الجعفري عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: (يا سليمان، إنّ الله خلق المؤمنين من نوره، وصبغهم برحمته، وأخذ ميثاقهم لنا بالولاية، فالمؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمّه، أبوه النور وأمّه الرحمة) (17).

 

وفي رواية أخرى: (لم تتواخوا على هذا الأمر، ولكن تعارفتهم عليه)(18)، أي أنّ الأخوّة كانت بينكم منذ القديم والأزل وليست هي صنيعة اليوم، وإنّما تعارف المؤمن على الآخرين هو الذي يكون جديداً.

 

وما يدلل على ذلك أيضاً قوله(عليه السلام): (إنّ المؤمن ليستريح إلى أخيه المؤمن كما يستريح الطير إلى شكله)(19). وفي (نوادر الراوندي) بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن قلب الظمآن إلى الماء البارد)(20).

 

وكذا ما ورد في الدلالة على الصحبة غير الاختيارية كما في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)(21). فالتناكر نتيجة التباين والاختلاف، والائتلاف نتيجة التناسب الذي عبّر عنه بالتعارف.

 

وقوله (صلى الله عليه وآله): (إنّ أرواح المؤمنين لتلتقيان على مسيرة يوم وليلة، وما رأى واحد منها صاحبه)(22)، الدال على الأخوّة في عالم الذر المبتنية على الإيمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المائدة: 30 .

(2) يوسف : 58-59 .

(3) النساء:23 .

(4) النساء : 23 .

(5) آل عمران : 103 .

(6) الحجرات : 10 .

(7) آل عمران: 156.

(8) هود : 50 .

(9) هود : 61 .

(10) هود : 84 .

(11) تفسير العياشي 2: 20.

(12) مريم : 28 .

(13) الزخرف: 48 .

(14) الإسراء: 27.

(15) الكافي 2 : 165 / 1 .

(16) الروم: 30 .

(17) بحار الأنوار 64 : 73 .

(18) الكافي 2 : 168 / 1 .

(19) بحار الأنوار 71 : 274 .

(20) النوادر : 100 / 58 .

(21) بحار الأنوار 5 : 261 .

(22) مسند أحمد بن حنبل 2 : 220

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد