قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

النظرية القرآنية في خصوص مستقبل العالم (2)


الشيخ جعفر السبحاني ..
5. الإمداد الغيبي لمستقبل البشرية:
يؤكّد القرآن الكريم على حقيقة مهمة وهي أنّ مصير البشرية سيؤول إلى انتصار الحقّ حتماً، وذلك لأنّه سيظهر أفراد في المجتمع يضحّون بكلّ وجودهم ويبذلون الغالي والنفيس في نصر الإسلام والحقّ وإذلال الكفر والباطل، ولذلك يحذر اللّه سبحانه البعض من الناس أنّهم في حالة انحرافهم عن الطريق القويم والصراط المستقيم وارتدادهم إلى وادي الجهل والانحراف، فإنّ عملهم هذا لن يضر الإسلام والمسلمين شيئاً وأنّهم لم ولن يستطيعوا محو الرسالة الإسلامية الحقّة والقضاء عليها أبداً، وأنّ التاريخ البشري يشهد أنّه في كلّ عصر تظهر مجموعة من المؤمنين الذين يحبّهم اللّه ويحبّونه، علاقتهم مع المؤمنين مبنيّة على الحب والتواضع والعزة والاحترام وأنّهم أعزّة على الكافرين يدافعون وبكلّ قوّة وثبات من أجل نصر الحقّ وإعلاء كلمته يقول سبحانه: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينهِ فَسَوفَ يَأتِي اللّهُ بِقَوم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونهُ أَذِلّة عَلى المُؤْمِنين أَعِزَّة عَلى الكافِرينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبيلِ اللّهِ وَلا يَخافُونَ لَومة لائِم... ) .([1])
وحينئذ لابدّ من ملاحظة أنّ هذه الوعود الإلهية والبشارات السماوية، بحكومة العدل الإلهي وشمول الرسالة للعالم بأسره والتي لم تتحقّق حتّى هذه اللحظة، لنرى متى يتم هذا الوعد وتتحقّق تلك الأُمنية التي طالما حلم بها الأنبياء والمرسلون والصالحون؟
إنّ الروايات الإسلامية الصحيحة هي التي تحلّ لنا هذه العقدة وتكشف لنا حقيقة الأمر وتضع اليد على ذلك المجهول الذي طالما انتظرنا تحقّقه، وذلك في عصر ظهور المهدي المنتظر(عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) .
إنّ الروايات الكثيرة قد تحدّثت وبصورة قطعية عن تطوّر البشرية وتكاملها عقلياً وفكرياً وفي مجال التطور الصناعي والتكنولوجي، كما أنّها قد تحدّثت عن شمول العدل الإلهي لجميع ربوع المعمورة، وإنّ رسالة التوحيد هي التي تعم البشرية في نهاية المطاف.
وها نحن نذكر هذه الروايات بصورة مختصرة مكتفين بذكر رواية واحدة لكلّ موضوع من المواضيع التي سنذكرها.


مستقبل البشرية وفقاً للأحاديث الإسلامية:
1. تكامل العقول:
لا ريب أنّ لمرور الزمان والتجارب التي خاضها الإنسان خلال رحلته الطويلة ـ سواء كانت تلك التجارب حلوة أم مرّة ـ دورها الفاعل في تطوّر العقل البشري وتكامله ونمو استعدادات الإنسان وقابلياته، حيث يدرك وفي ضوء الرعاية واللطف الإلهي، إنّ جميع النظريات والآيديولوجيات والمدارس الفكرية الوضعية عاجزة عن وضع الحلول المناسبة والعلاج الناجع لحلّ معضلة الإنسان ومشاكله الاجتماعية والروحية والنفسية، ولذلك سوف يستجيب بسرعة وبدون أدنى تردّد لنداء المحرر والمنقذ العالمي الحجة ابن الحسن المهدي(عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) بكلّ اطمئنان وبكلّ ارتياح واشتياق، ولذلك ورد عن الإمام الباقر(عليه السلام)قوله: «إذا قام قائمنا وضع اللّه يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم».( [2])


2. التطور والتكامل الصناعي:
من الواضح جداً أنّ الثورات والتحوّلات الاجتماعية تحتاج إلى وسائل مادّية تمكّنها من النجاح والانتشار، وهذا الأمر يسير بصورة طردية مع حركة وسعة هذه الثورة، فلا ريب أنّ الثورة العالمية تحتاج إلى وسائل وأجهزة تكنولوجية متطوّرة جداً حتّى تتمكن من إيصال ندائها إلى جميع سكان العالم في أقصى الأرض شرقاً وغرباً، وأنّه من دون ذلك التطوّر والتكامل الصناعي لا يمكن أن يتسنّى للثورة الاجتماعية أن تنجح في إيصال رسالتها إلى العالم بأسره. من هذا المنطلق نجد أنّ الروايات الشريفة قد أكّدت على أنّه في عصر الإمام المهدي(عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) تصل حالة التطور والتكامل العلمي إلى درجة يصبح فيها العالم بحكم القرية الواحدة وأنّ من يسكن في المشرق يتحدّث إلى من يسكن في المغرب ويرى صورته.
فقد ورد عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) : «إنّ المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه بالمغرب وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي بالمشرق».( [3])
وهناك رواية أُخرى تسلّط الضوء على تلك الحقيقة بأوضح بيان وبصورة أجلى حيث ورد فيها: «إنّ قائمنا إذا قام مدّ اللّه لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتّى لا يكون بينهم وبين القائم بريد، يكلّمهم فيسمعون، وينظرون إليه وهو في مكانه».( [4])


3. هيمنة الإسلام على العالم:
إنّ الأحاديث والروايات الإسلامية تطبّق البشارات القرآنية والوعد الإلهي بحاكمية الإسلام وشموليته للعالم على زمان ظهور الإمام المهدي(عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) حيث يقول الإمام الباقر(عليه السلام) في هذا الخصوص:
«يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر اللّه عزّوجلّ به دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون».( [5])


4. التكامل الأخلاقي:
لقد استنتجنا من خلال البحوث السابقة أنّ التكامل الحقيقي رهين بالبعدين المادي والمعنوي معاً، وأنّ التكامل الآحادي الجانب ـ مادياً أو معنوياً ـ لا يُعدّ تكاملاً حقيقياً.
ولذلك نجد الروايات والأحاديث الإسلامية تؤكّد على التكامل الأخلاقي في عصر ظهور الإمام الثاني عشر (المهدي المنتظر ـ عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف ـ)، وأنّ العبارة التي يجمع على نقلها كلّ المحدّثين المسلمين نقلاً عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنّه«يَمْلأُ الأَرضَ قِسْطاً وعَدلاً» تحكي عن تلك الحقيقة التي أشرنا إليها وهي وصول الإنسان إلى درجة عالية من التكامل والرقي الأخلاقي .


5. تعمير الأرض وإزالة الدمار:
إنّ الأحاديث الإسلامية والروايات تشير إلى أنّ الإنسان سيسيطر على جميع المقدّرات وأنّه سيكشف الكنوز الكامنة في أعماق الأرض، وأنّه سيتمكّن من إعمار الأرض من خلال تلك الإمكانات الهائلة التي سيحصل عليها، فقد ورد عن أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) قولهم: «وتظهر له الكنوز ولا يبقى في الأرض خراب إلاّ يعمره».( [6])
وفي النتيجة أنّ جميع الحسابات العقلية والاجتماعية في خصوص مستقبل البشرية تتطابق مع الرؤية القرآنية والأحاديث الواردة عن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته(عليهم السلام) ، مع فارق واحد وهو أنّ هذه الآيات والروايات تحدّد وبوضوح زمان ذلك التكامل والتطور وتحصره في زمن ظهور الإمام المهدي(عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف) وتعتبر أنّ جميع ذلك التطوّر والتكامل مرافق لحركة وظهور الإمام(عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف).( [7])

 [1] . المائدة: 54.
[2] . منتخب الأثر: 483.
[3] . منتخب الأثر: 483.
[4] . منتخب الأثر: 483.
[5] . منتخب الأثر: 292.
[6] . منتخب الأثر: 482.
[7] . منشور جاويد:1/366ـ 374.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد