الشيخ جعفر السبحاني ..
حلف سبحانه في تلك السورة بأمرين، أحدهما الضحى، والآخر: ﴿اللَّيل إِذا سَجى﴾، وقال: ﴿وَالضُّحى * وَاللَّيلِ إِذا سَجى * ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى * وللآخِرةُ خَيرٌ لَكَ مِنَ الأُولى * وَلَسوفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرضى﴾. (1)
تفسير الآيات
المراد من الضحى وقت الضحى، وهو صدر النهار حتى ترتفع الشمس وتلقي شعاعها، قال سبحانه: ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحى﴾. (2)
وقوله: ﴿وَالليلِ إذا سَجى﴾ أي والليل إذا سكن، يقال: سجى البحر سجواً، أي سكنت أمواجه، ومنه استعير تسجية الميت، أي تغطيته بالثوب، والمراد إذا غطى الليلُ وجه الأرض وعمّت ظلمتُه جميع أنحاء البسيطة. هذا هو المقسم به.
وأمّا المقسم عليه: فهو ما جاء عقبه، أي ما تركك يا محمد ربّك وما أبغضك منذ اصطفاك.﴿وللآخِرةُ خَيرٌ لَكَ من الأُولى﴾ أي ثواب الآخرة والنعيم الدائم فيها خير لك من الدنيا الفانية.﴿ولَسَوفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرضى﴾ أي سوف يعطيك ربّك في الآخرة ما يرضيك من الشفاعة والحوض وسائر أنواع الكرامة.
وروي أنّ محمد بن علي بن الحنفية، قال: يا أهل العراق، تزعمون أنّ أرجى آية في كتاب اللّه عزّ وجلّ هو قوله تعالى: ﴿قُلْ يا عِبادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه﴾ (3) إنّا أهل البيت نقول: أرجى آية في كتاب اللّه، هو قوله: ﴿وَلَسَوفَ يُعطيكَ رَبُّكَ فَتَرضى﴾ وهي واللّه الشفاعة، ليعطينّها في أهل لا إله إلاّ اللّه حتى يقول: ربّي رضيت. (4)
وقد ذكر المفسرون في شأن نزول الآية: أنّه احتبس الوحي عنه خمسة عشر يوماً، فقال المشركون: إنّ محمداً قد ودّعه ربّه وقلاه، ولو كان أمره من اللّه تعالى لتتابع عليه، فنزلت هذه السورة.
هذا ما يذكره المفسرون، ولكن الحقّ انّه لم يكن هناك أيُّ احتباس وتأخير في نزول الوحي، وذلك لأنّه جرت سنّة اللّه تعالى على نزول الوحي تدريجاً لغايات معنوية واجتماعية، وقد أشار الذكر الحكيم إلى حكمة نزوله نجوماً في غير واحدة من الآيات، قال سبحانه: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَولا نُزّلَ عَلَيْهِ الْقُرآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُوَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾.(5)
فالآية تعكس فكرة المشركين حول نزول القرآن وكانوا يتصورون أنّ القرآن كالتوراة، يجب أن ينزل جملة واحدة لا نجوماً وعلى سبيل التدريج، فأجاب عنه الوحي، بأنّ في نزوله التدريجي تثبيتاً لفوَاد النبي "صلى الله عليه وآله وسلم"، لتداوم الصلة بين الموحي والموحى إليه بين الحين والحين.
وهذا بخلاف ما لو نزل جملة واحدة وأوصد فيها باب الوحي، وانقطعت صلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسماء، ففي صورة استدامة الوحي والصلة بينه وبين اللّه سبحانه يعيش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت ظل إمدادات غيبية تعقبه إزالة الصدأ العالق على قلبه من خلال مجابهة المشركين والكافرين، بخلاف الثاني، ففيه إيماء إلى انقطاع الصلة حينها يجد النبي "صلى الله عليه وآله وسلم" نفسه وحيداً دون من يعضده ويسلّيه ويذهب عنه همّ القلب.
ففي الحقيقة لم يكن هناك طارئة باسم احتباس الوحي أو تأخيره، وإن زعم المشركون نزول الوحي نجوماً احتباساً وتأخيراً له.
وأمّا الصلة بين المقسم به والمقسم عليه، فلا تخلو من وضوح:
1. لأنّ نزول الوحي يناسب الضحى، كما أنّ انقطاعه يناسب الليل.
2. لأنّ عماد الحياة هو مجيىء الليل عقب النهار، لا استدامة النهار ولا استدامة الليل، فهكذا الحال في عماد الحياة النبوية الذي هو نزول الوحي نجوماً تثبيتاً لقلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
3. ولأنّ الضحى والليل نعمة من نعم اللّه سبحانه منّ بها على عباده لما لهما من تأثير مباشر في استقرار الحياة وهكذا الحال في نزول الوحي نجوماً.
1- الضحى:1 ـ 5.
2- طه:59.
3- الزمر:53.
4- مجمع البيان:5|505.
5- الفرقان:32.
الشيخ شفيق جرادي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
د. سيد جاسم العلوي
السيد محمد حسين الطهراني
الفيض الكاشاني
السيد علي عباس الموسوي
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
الولاية والتّمكين بين الاصطلاح وحراك المعنى (1)
أفضل معاملة مع الله
مهمَّة في القصر: أحداث من سيرة عليّ بن يقطين
معنى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾
أكبر خريطة دماغية على الإطلاق
مجاز القرآن بإطاره البلاغي العام (2)
التطور التاريخي لفيزياء الجسيمات الأولية (2)
فعاليّة في القطيف بمناسبة اليوم العالميّ للتّوحّد
الشيخ عبد الجليل الزاكي: شرف المؤمن بقيام الليل
الشيخ محمد علي الأحمد: الإنسان في حالتي النعمة والنقمة