السيد محمد باقر الحكيم ..
المنهج التغييري الاجتماعي
المنهج الرابع: هو المنهج الذي يعتمد بصورة أساسية على ما ورد في القرآن الكريم من معلومات ووقائع حول الأنبياء وكذلك على النصوص الصحيحة التي وردت في توضيح الصورة القرآنية أو النصوص التي وردت تؤيد هذه الصورة.
ويتجه هذا المنهج إلى ترتيب المعلومات وتقسيمها حول محاور رئيسية هي:
1 - الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية والعقائدية والأخلاقية التي كان يتصف بها الزمن الذي بعث النبي فيه.
2 - شخصية النبي ومواصفاته الخاصة التي تحدث عنها القرآن الكريم سواء في البعد الذاتي ومواصفاته الشخصية له أو علاقته بالله تعالى أو علاقته بالناس أو موقعه الرسالي ودوره في عملية التغيير الاجتماعي.
3 - مسيرة حياة النبي (ص) في الحياة الشخصية والحياة الرسالية والعملية وتطور عمل الرسالة وأهدافه في المراحل المختلفة لهذه الحياة والنتائج الرسالية التغييرية التي حققها في هذه المراحل.
4 - النتائج العامة التي توصل إليها النبي في رسالته وعملية التغيير والمعوقات والمشاكل.
وبذلك نخرج بصورة كاملة مترابطة بين أحداث القصة من ناحية والأهداف المنشودة من وراء الرسالة والانجازات التي حققتها الرسالة والمشاكل والمعوقات التي واجهتها.
وينظر هذا المنهج في تناوله للقصة - بصورة أساسية - إلى الهدف القرآني العام وهو التغيير الاجتماعي والعوامل المؤثرة أو المعيقة في العملية التغييرية.
وقد حاولنا تطبيق هذا المنهج في دراستنا لقصص الأنبياء أولي العزم (نوح وابراهيم وموسى وعيسى) كما ورد ذلك في كتابنا (القصص القرآني).
وإذا أضفنا إلى ذلك ما فعلناه في دراستنا لقصة موسى عليه السلام بصورة خاصة، حيث أحصينا أيضاً (الموضوعات) التي تناولتها القصة وعلاقة هذه (الموضوعات) بالقصة وأهدافها، يصبح هذا المنهج من المناهج الجديدة والمتطورة في دراسة القصة القرآنية.
حيث يشتمل على عدة مزايا أساسية، هي:
أ - الاعتماد على ما ورد في القرآن الكريم بصورة خاصة وتوضيحات ذلك في النصوص المعتمدة بعيداً عن ثقافة أهل الكتاب الخاصة.
ب - الاهتمام بالهدف الأساس للقرآن الكريم وللقصص وهو التغيير الاجتماعي وتوضيح صورته.
ج- - إعطاء تصور متكامل ومنسجم عن حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شخصيته ومسيرة حياته والأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية العامة.
د - الاهتمام بالموضوعات الفكرية والاجتماعية التي وردت الإشارة إليها في ثنايا القصة للخروج بتصورات كاملة عنها.
وفي حدود اطلاعي فإن هذا المنهج لم يسبق عرضه بهذه الطريقة من قبل في بحث القصة القرآنية.
المنهج التحليلي
المنهج الخامس: هو منهج يتجه إلى دراسة وتحليل كل الموارد والمقاطع التي وردت فيها القصة في القرآن الكريم بصورة مستقلة، والهدف من التحليل ليس هو بحث مفردات القصة كما هو الاتجاه في المنهج الأول (التجزيئي) بل يكون الهدف من ذلك بيان عدة نقاط مهمة ترتبط بمجيء هذا المقطع أو ذاك من القصة الواحدة، وهذه النقاط:
1 - بيان الهدف والغرض العام أو الهدف الخاص الذي سيقت له القصة في ذلك الموضع الخاص منها.
2 - بيان العلاقة والارتباط بين القصة في موضعها الخاص وسياقها القرآني في الآيات الكريمة التي سبقتها أو لحقتها.
3 - بيان أسرار تكرار القصة في ذلك الموضع في موارد تكرار القصة كما هو الحال في أكثر القصص القرآنية ولا سيما الأنبياء أولي العزم، ومع بيان تغاير الأسلوب في ذلك المقطع من ناحيتي العرض والمضمون.
4 - تحليل عام لمضمون المقطع الذي يتحدث عن القصة، ويمتاز هذا المنهج في أنه يساير الهدف العام لنزول القرآن الكريم، وهو التغيير الاجتماعي الجذري كما حققنا في بحوث علوم القرآن حيث يشير إلى علاقة المقطع بذلك. كما أنه في الوقت نفسه يشخص الارتباط الفني والمعنوي مع السياق القرآني والمفاهيم والأفكار والقضايا التي يطرحها القرآن الكريم. فلا تأتي القصة منفصلة في عرضها عن جوها القرآني.
مضافاً إلى تفسيره للمقطع تفسيراً موضوعياً، ويفسر في الوقت نفسه تكرار القصة بتشخيص السبب في التكرار وفي أسلوب العرض أو الاقتصار في المضمون على هذه الحصة من القصة.
وقد طبقنا هذا المنهج الجديد - الذي لا أعرف له سابقة في حدود إطلاعي - على تسعة عشر موضعاً وهي المواضع التي وردت فيها قصة موسى في القرآن، والتي هي أكثر القصص وروداً فيه.
واذكر هنا نموذجاً واحداً لطريقة دراسة أحد هذه المواضع لتتضح معالم هذا المنهج، وهو ما ورد من الآية (103 - 171) من سورة الأعراف والتي تبدأ بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ وتختم بقوله تعالى ﴿وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّواْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
ونلاحظ في هذا الموضع من القصة عدة أمور:
الأول: أن القصة جاءت في عرض قصصي مشترك مع قصة نوح، وهود، ولوط، وشعيب عليهم السلام، تكاد تتحدد فيه صيغة الدعوة والتكذيب والعقاب الذي ينزل بالمكذبين.
الثاني: أن هذا العرض القصصي العام يأتي في سياق بيان القرآن الكريم لحقيقة حشر المخلوقات وصورته، وأنهم يحشرون أمماً بكاملها من الجن والإنس، وعلى صعيد واحد يتلاعنون بينهم، أو يتحابون: ﴿قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلّما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت اخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلّونا فآتهم عذاباً ضِعْفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون﴾(الاعراف / 38(
﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات لانُكلف نفساً إلاّ وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون* ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هَدانا لهذا وماكنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أنْ تِلْكُم الجنةُ أورثتموها بما كنتم تعملون﴾ (الاعراف / 42 – 43)
ثم يعرض القرآن الكريم مشاهد متعددة من هذا الحشر، وبعض العلاقات التي تسود الناس فيه، وأنه تصديق لدعوة الرسل وما بشروا وأنذروا منه.
الثالث: أن القصة على ما جاء فيها من التفصيل واستعراض للحوادث فهى تبدأ في سرد الوقائع من حين بدء البعثة والدعوة، كما أنها تذكر الوقائع في حدود المجابهة - التي كان يواجهها الرسول - الخارجية مع فرعون وملَئه، والداخلية مع بني اسرائيل وفي إطار بيان ما ينزل بالمكذبين والمنحرفين من عذاب وعقاب وأضرار.
الرابع: أن القصة تتناول في معرض حديثها عن الحوادث جوانب من المفاهيم الإسلامية العامة والسنن التاريخية، كتأكيد أهمية (الصبر)، و ﴿وراثة المتقين للأرض﴾، وأنّ الرحمة لا تنال إلاّ الذين اتقوا وآتوا الزكاة وآمنوا بآيات الله واتبعوا الرسول الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم.
وعلى اساس هذه الملاحظة يمكن ان نستنتج:
أن القصة جاءت منسجمة مع السياق العام للعرض القصصي، ومحققة لأغراضه على ما أشرنا إليه في حديثنا عن أغراض القصة، ومع ذلك فإنها لا تغفل الفرصة المناسبة للتأكيد على المفاهيم الإسلامية العامة منسجمة مع الهدف القرآني العام في التربية.
كما أنها تؤكد بصورة خاصة على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكأنها سيقت بتفاصيلها لتحقيق ربط هذه الدعوات والرسالات بهذه النهاية الخاتمة لها، وأن هذه المفاهيم والسنن والأهداف التي عاشتها هذه الرسالات سوف تتحقق في نهاية المطاف في اتباع رسالة الإسلام ﴿والذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويُحل لهم الطيبات ويُحرِّم عليهم الخبائث ويضع عنهم اِصرَهُم والأغلال التي كانت عليهم..﴾(الاعراف/157)
على أنّ هناك شيئاً تجدر الإشارة إليه، وهو أنّ القرآن الكريم يهتم عادة بتفصيل قصص الرسل الذين هم من أولي العزم: كنوح وإبراهيم وموسى وعيسى (ع) ذلك لأغراض متعددة يمكن أن يكون من جملتها:
أ - إنّ هؤلاء الأنبياء يمثلون مراحل مختلفة لرسالة السماء، وإنهم مع صلة القربى والوحدة في دعوتهم نجدهم يشكّلون مواضع فاصلة في تطوّر الدعوة الدينية النازلة من السماء.
ب - إنّ لبعض هؤلاء الأنبياء أتباعاً وأمماً عاشت حتى نزول رسالة الإسلام مما يفرض الاهتمام بمعالجة أوضاعهم وعلاقتهم بدعوة الإسلام الجديدة.
ج- - إنّ أحداثاً مفصلة ومختلفة عاشها هؤلاء مع أُممهم وأقوامهم تمثل جوانب عديدة مما تعيشه كلّ دعوة عامة واسعة النطاق تستهدف تغييراً جذرياً لواقع ذلك المجتمع.
الفيض الكاشاني
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ محمد جواد مغنية
عدنان الحاجي
الشيخ مرتضى الباشا
إيمان شمس الدين
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
قوم يحبهم الله ويحبونه
السبب في اشتمال القرآن على المتشابه
الإسلام حرب على الظلم والفساد
نادي (صوت المجاز) يحتفي بسنويّته الأولى
التصاق كهربائي بين معادن صلبة وخضار وفواكه ولحوم
مذكرات آخر فئران الأرض، جديد الكاتب موسى الثنيان
الأسرة الدافئة (3)
الشيخ عبد الجليل البن سعد: الانتماء الصادق
الشيخ عبد الجليل البن سعد: القيم والتقوى: ركائز الأمان والتمييز في بحور النفس والمجتمع
عبور لنهر هيراقليطس، أمسية لهادي رسول في الخبر