الشيخ جعفر السبحاني
إنّ القرآن الكريم ـ وبعد أن بيّن عملية خلق الإنسان الأوّل ـ أشار إلى أنّ هذا الإنسان هو امتداد للإنسان الأوّل، وأنّ هذه الاستمرارية وبقاء النسل البشري على ما هو عليه قد تمت من خلال عملية طبيعية يصطلح عليها علمياً مسألة «التلاقح» أي التلاقح بين المادة الذكرية «الحويمن» والمادة الأُنثوية «البويضة»، ولقد أشار القرآن الكريم إلى هذه القضية في العديد من الآيات وفي سور مختلفة منها قوله سبحانه:
( ...وَبدَأَ خَلْقَ الإنْسانِ مِنْ طين * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَة مِنْ ماء مَهين ) .( [1])
وقد يستعمل القرآن لفظة «ماء» في التعبير عن مادة بقاء النسل البشري، وتارة أُخرى يستعمل لفظة «النطفة».( [2])
ولم يكتف القرآن الكريم في الإشارة إلى خلق الإنسان وكيفية استمراريته وديموميته، بل أشار وفي آيات مختلفة إلى مراحل التكامل التي تمرّ فيها النطفة في الرحم، وخاصة في سورة المؤمنون حيث تحدث عن هذه العملية التكاملية بصورة مفصّلة وجامعة، فقال سبحانه:
( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَة فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أنْشأناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أحْسَنُ الخالِقينَ ) .( [3])
ولا ريب أنّ هذه النظرية القرآنية لعملية التكامل الإنساني، تجعل الإنسان يشعر بالاعتزاز والفخر حينما يطّلع عليها، ولا يوجد فيها من قريب أو بعيد ما يدعو إلى الشعور بالاستياء أو الحقارة والذلّ، خلافاً لبعض المدارس الفكرية التي صوّرت عملية استمرار النسل الإنساني بصورة فيها الكثير من الاستخفاف والتصغير وإشعار الإنسان بالذلّ والهوان، حيث ذهبت إلى أنّ الإنسان الحالي قد مرّ بمجموعة من الأطوار والتحوّلات، إذ كان في بداية نشأته وليد بعض الحيوانات الدانية ثمّ تطور وبسبب عوامل بيئية و... حتى انتقل إلى مرحلة وصل فيها إلى موجود شبيه بالقردة، ثمّ بعد ذلك انتقل إلى مرحلة القردية، وفي النهاية رست به سفينة التطوّر على ما هو عليه الآن.
ومن الواضح أنّ هذه النظرية فيها الكثير من الإساءة لمقام الإنسان ومنزلته. نعم، إذا كان القرآن قد أشار إلى مراحل خلق آدم ومادته الأُولى وكيفية تكامل الإنسان في الرحم، ففي الواقع إنّ الغرض والهدف من هذه الإشارة هو تحقيق هدف تربوي يكون عاملاً مساعداً لتكامل الإنسان في سيره المعنوي وسموّه الروحي، فحينما يفكّر الإنسان ويمعن النظر في بدايته والمراحل التي مرّ فيها وما هو عليه الآن يخضع للّه سبحانه بكلّ وجوده وتنتفي في داخله حالة الكبرياء والعجب والخيلاء، وحينئذ يضع جبهته على الأرض ساجداً للّه سبحانه وشاكراً له على عظيم نعمائه.( [4])
________________________________________
[1] . السجدة:7ـ 8.
[2] . انظر: الفرقان:54، السجدة:8، المرسلات:20، الطارق:6، وقد جاء في هذه الآيات لفظ « الماء » ،وانظر أيضاً: النحل:4، الكهف:37، الحج:5، المؤمنون:13و14، وفاطر:11، يس:77، غافر:67، النجم:46، القيامة:37، الإنسان:2، وعبس: 19.
[3] . المؤمنون: 14.
[4] . منشور جاويد:11/30ـ 31.
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عدنان الحاجي
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ جعفر السبحاني
السيد جعفر مرتضى
الشيخ محمد مصباح يزدي
السيد عباس نور الدين
الشيخ محمد صنقور
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
حسين حسن آل جامع
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
الوجود ليس باطلًا
الشيخ عبد الله النمر: المنهج القويم معيار السلامة
أصل النّفس ومصيرها
أصالة الحاكمية في العقيدة الإسلاميّة
(التّوحّد في عيون مختلفة: فهم ورؤية)، محاضرة في سنابس للدّكتورة سحر صلاح
فضيّة وبراءة اختراع للدّكتور الحدّاد في معرض جنيف
طالب ثانوية يكتشف أجرامًا سمايّة بالذّكاء الاصطناعي
الولاية والتّمكين بين الاصطلاح وحراك المعنى (2)
حمزة المفضال
شهيد الإسلام حمزة بن عبد المطلب