قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد العبيدان
عن الكاتب :
ولد الشيخ محمد العبيدان في القديح في القطيف في 27 صفر سنة 1390هـ. دخل المدارس الأكاديمية حتى نهاية المرحلة الثانوية، شرع سنة 1408 هـ بالدّراسة الحوزوية في القطيف، هاجر إلى النجف الأشرف سنة 1409 هـ طلبًا للعلم، ومن ثمّ قصد قمّ المقدّسة سنة 1415 هـ متابعًا تحصيله العلمي، له مجموعة من التقريرات لبحوث أساتذته، وعدد من المؤلفات الحوزوية والثقافية.

البسملة (1)

من الواضح أن البسملة من الأمور التي تختص بالمسلمين بحيث تعدّ إحدى الشعارات التي يمتازون بها على غيرهم، فتراهم يستفتحون بها أعمالهم وأقوالهم وحركاتهم.

ولا يخفى أن البسملة تعدّ من أبرز الأذكار التي يمكن للإنسان أن يتواصل بها مع الله سبحانه وتعالى في مقام تأكيد الارتباط وتأكيد العلاقة.

ومن المعلوم كما ذكر أن لتلاوة البسملة مجموعة من الآثار في النفوس الإنسانية، كما أنها لها عدة آثار في جنبة التزكية، وإبعاد الشيطان عن الإنسان.

ولكي نتمكن من الإحاطة بمعنى الآية الشريفة، نحتاج إلى بيان المفردات التي وردت فيها بحسب ما جاء في كلمات اللغويـين.

 

الباء:

ذكرت في الباء الواردة في قوله تعالى:- (بسم) عدة احتمالات:

الأول: أن الباء هنا للملابسة والمصاحبة، بمعنى أن كل ما يصدر من الإنسان من عمل يكون مصاحباً ملابساً لاسم الله الرحمن الرحيم.

الثاني: أن تكون الباء هنا للإلصاق، بمعنى أن جميع العلوم الواردة في الكتب السماوية قد تضمنها القرآن الكريم، وعلوم القرآن مندرجة في الفاتحة، وعلى هذا يكون المعنى أن المقصود من كل العلوم هو وصول العبد إلى ربه.

الثالث: أن تكون الباء للاستعانة، أي أستعين بسم الله الرحمن الرحيم، في كل أمر من الأمور أقدم عليه، من كتابة أو قراءة أو حركة أو ما شابه ذلك.

وهذا الاحتمال الأخير هو الذي أختاره السيد السبزواي(قده) في تفسيره، ووجه ذلك: بأن الإنسان محتاج بذاته، وكل محتاج مطلق يحتاج أن يستعين في جميع شؤونه بالغني المطلق الذي هو الله سبحانه وتعالى[1].

والتفسير الثالث للباء، يستفاد أيضاً من ما ورد عن أمير المؤمنين(ع): بسم الله، أي أستعين على أموري كلها بالله.

 

الاسم:

أصله من السمو، ويراد منه التسمية، وهو يشير إلى وضع اسم لمسمى، وفي ذلك تنويه إلى رفعة المسمى من حضيض الخفاء والمجهولية، إلى منـزلة الظهور والوضوح.

وقد ذكر أنه مشتق من الوسم والسمة، وهو بمعنى العلامة.

 

الله:

من الأعلام المعروفة منذ القديم حتى في عصر الجاهلية، وعلم للذات المقدسة واجب الوجود المستجمع لكافة صفات الكمال، وهو أجل لفظ في الممكنات كلها، لأعظم معنى في الموجودات جميعها.

وهذا اللفظ هو الجامع للأسماء الحسنى التسعة والتسعين، التي أحصاها دخل الجنة، ومن المعلوم أن الأسماء الحسنى تنطوي في لفظ الجلالة[2].

 

الرحمن:

صيغة مبالغة من رحم، كغضبان من غضب، ومن الواضح أن المبالغة في كل شيء تعود لوجود نكتة تستدعي ثبوت المبالغة، ولذا قالوا: أن المبالغة في لفظة (الرحمن) تشير إلى جانب السعة والشمول.

فالرحمن من الرحمة، وهي ضد القسوة، وقد عُرفت كما في مفردات الراغب[3]: بأنها رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم. وهي تستعمل على نحوين:

الأول: في الرقة المجردة عن الإحسان.

الثاني: في الإحسان المجرد عن الرقة.

ولا يخفى أن استعمالها في الباري سبحانه وتعالى، لا يتناسب مع النحو الأول، وعليه يكون استعمالها فيه، من النحو الثاني.

هذا ومنشأ رفضنا للنحو الأول في حق الباري سبحانه وتعالى، لكونه يمثل حالة من الشعور الوجداني والنفسي والقلبي الذي يحاول من خلاله الشاعر السعي لسد النقص عند الآخرين. وهذا لا يستقيم في حقه سبحانه لأنه:- ( ليس كمثله شيء)[4].

وعلى هذا يمكننا القول بأن الرحمة عند الله سبحانه وتعالى عبارة عن فيض يفيضه لسدّ حاجات ونواقص الموجودات التي بحسب ذاتها تكون فقيرة ومحتاجة إلى الكامل المطلق.

وبناء على هذا سوف تكون الرحمة صفة من الصفات الفعلية للذات المقدسة، كالخلق والرزق، يوجدها حيث يشاء.

وتعدّ كلمة (الرحمن) بمنـزلة اللقب لله سبحانه وتعالى، فلا تطلق على غيره، لأن معناها الحقيقي الأصلي: هو البالغ في الرحمة غايتها. وهذا المعنى لا يصدق في حق أحد غير الله سبحانه وتعالى، وذلك لأن غيره وإن فرض كونه راحماً، إلا أن رحمته لن تكون بالغة حدّ الغاية، لأن جميع الموجودات ما عدا الله سبحانه وتعالى ناقصة، يحتاج إلى أفاضة الرحمة عليه أولاً من الله سبحانه، ثم يعطي شيئاً مما يفاض عليه من قبل الله. وعلى هذا لو أطلق هذا اللفظ على غير الله سبحانه وتعالى هذا الإطلاق مجاز، وليس حقيقة.

 

هذا وهناك احتمالان في معنى سعة رحمته سبحانه وتعالى:

أولهما: أن السعة بلحاظ شمولها للمؤمن والكافر، بحيث لا يكون في هذه الرحمة اختصاص بالمؤمن دون غيره.

ثانيهما: أن سعة رحمته سبحانه وتعالى بلحاظ شمولها للدنيا والآخرة، فهي غير مختصة بعالم الدنيا، بل تشمل عالم الآخرة أيضاً. وإلى هذا المعنى يشير الإمام الحسين(ع) في دعاء عرفة: يا رحمن الدنيا والآخرة، ورحيمهما.

وكلا هذين المحتملين يستفادان من الآيات القرآنية، قال تعالى:- (الرحمن على العرش استوى)[5]، وقال سبحانه:- (قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مداً)[6].

ثم إن ذكر لفظة(الرحمن) بعد اسم الجلالة في البسملة هنا، وفي موارد أخرى في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى:- (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن)[7]، يشير إلى أهمية خاصة لهذا الاسم، لكونه من أمهات الأسماء، كالحي والرب والقيوم والرحيم، وإلى الأربعة الأُول ترجع سائر أسمائه سبحانه وتعالى.

ويشهد لما ذكرنا من الاهتمام وعظيم المنـزلة لهذا الاسم، ملاحظة موارد استعمالاته في القرآن الكريم، إذ يجد المتأمل أنه قد قرن في الاستعمال دائماً بالتعظيم والتجليل، سواء بالنسبة إلى عالم الدنيا، أم بالنسبة إلى عالم الآخرة[8].

ـــــــــــــــــــــــــــــ

[1] مواهب الرحمن ج 1 ص 11.

[2] مواهب الرحمن ج 1 ص 17.

[3] مفردات ألفاظ القرآن ص 196، مادة رحم.

[4] سورة الشورى الآية رقم 11.

[5] سورة طه الآية رقم 5.

[6] سورة مريم الآية رقم 75.

[7] سورة الإسراء الآية رقم 110.

[8] مواهب الرحمن ج 1 ص 20.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد