القرآن لفظة عربيّة عريقة، لها اشتقاقها وأصالتها في اللغة وفي الاستعمال الدارج. قال الراغب: القرآن - في الأصل -: مصدر، نحو كفران ورجحان [وغفران].
قال تعالى: (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) «1». وقد خصّ بالكتاب المنزّل على محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فصار له كالعلم، كما أنّ التوراة لما أنزل على موسى، والإنجيل على عيسى عليه السّلام.
قال بعض العلماء: تسمية هذا الكتاب قرآنًا، لكونه جامعًا لثمرة سائر الكتب، بل لجمعه ثمرة جميع العلوم. كما أشار إليه تعالى بقوله: (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) «2».
قال ابن فارس (توفيّ سنة 395): القاف والراء والحرف المعتلّ، أصل صحيح يدلّ على جمع واجتماع. من ذلك قرية، سمّيت قرية لاجتماع الناس فيها. ويقولون: قريت الماء في المقراة: جمعته «3». وذلك الماء المجموع: قريّ. والمقراة: الجفنة، لاجتماع الضيف عليها، أو لما جمع فيها من طعام. قال: وإذا همز، كان هو والأوّل سواء. يقولون: ما قرأت هذه الناقة سلى «4»، كأنّه يراد أنّها ما حملت قطّ. قال الشاعر - وهو عمرو بن كلثوم في معلّقته المشهورة -: ذراعي عيطل أدماء بكر * هجان اللّون لم تقرأ جنينا «5» قالوا: ومنه القرآن، كأنّه سمّي بذلك لجمعه ما فيه من الأحكام والقصص وغير ذلك «6».
وعليه فالقرآن مأخوذ من قرأ يقرأ قراءة وقرآنًا وكانت همزته مقلوبة من واو، لأنّه من القرى بمعنى الجمع. قال ابن الأثير: تكرّر في الحديث ذكر القراءة والاقتراء والقارئ والقرآن، والأصل في هذه اللفظة الجمع، وكلّ شيء جمعته فقد قرأته. وسمّي القرآن، لأنّه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور بعضها إلى بعض. وهو مصدر كالغفران والكفران «7».
وقد جاء استعماله مهموزًا في اللغة وفي القرآن والحديث وكذا في كلام العرب رائجًا. قال الشاعر «8»: هنّ الحرائر ، لا ربّات أخمرة * سود المحاجر ، لا يقرأن بالسّور... أي لا يتلون السور، بزيادة الباء. قال ابن منظور: المعنى عندهم: لا يقرأن السّور «9» وهكذا قال ابن سيده: إنّه أراد: لا يقرأن السّور ، فزاد الباء «10».
فكانت القراءة كالكتابة، في أصلهما بمعنى الجمع، غير أنّ الكتابة جمع الحروف ونظم الكلمات في الخطّ. والقراءة جمعها في اللفظ.
وبعد فإذ قد ثبتت أصالة اللفظة في اللغة، وكان لها تصاريف دارجة في الاستعمال القديم، فلا موضع لاحتمال كونها من الدخيل، من أصل سرياني كما قيل!
ادّعى بعضهم أنّه من المحتمل اشتقاق لفظة «القرآن» من «قريانة» بمعنى القراءة، حيث كانت تستعمل في الكنيسة السّريانيّة، وجاء ذلك في دائرة المعارف الإنجليزيّة، ويردّده مستشرق آخر فرنسي هو «ريجي بلا شير»، وهكذا تلقّتها المصادر الغربيّة، دون تحرّ عن الحقيقة أو بحث علمي قائم على خطوات منهجيّة «11».
على أنّ اشتراك اللغات المتجاورة في جذور كلمات وألفاظ، كان شيئًا معروفًا، كاشتراك أصول الأمم أنفسها، ولا سيّما في مثل العربيّة والعبريّة والسّريانيّة، لها جذور مشتركة، ولا دليل على أنّ إحداها أخذت من الأخرى، أو أنّ إحداها أصل والأخرى فرع، إن لم نقل بأنّ العربيّة هي الأصل لعراقتها في القدم.
وهكذا انصبّ اهتمام عدد من المستعربين المتحرّشين بالإسلام، على كلمة «فرقان» فبذلوا جهودًا مضنية بهدف إرجاعها إلى أصول يهوديّة - مسيحيّة.
ولعلّه من جزاف القول: ما ذكره بعض المستشرقين اليهود «12»، تصوّروا أنّ كلمة «فرقان» عبريّة، قد تّم تعريبها. حيث كانت في الأصل «بيركي» ekriP. ويشير «مرجليوث» في موسوعته «الدّين والأخلاق»، قائلًا: إنّ الكلمة الأصليّة هي «بيركى - أبوت» «13».
ويعطي «ريتشارد - بيل» معلّقًا على كلمة «فرقان» في كتابه «مدخل إلى القرآن» ص 136 - 137، الذي صدر بعد وفاته، تفسيرًا يمزج فيه بين التفسير الذي يجمع عليه المفسّرون المسلمون، وبين تفسير المستشرقين المسيحيّين الذين يزعمون أنّ لفظة «فرقان» ترجع في أصلها إلى الكلمة السّريانيّة «فرقانا» يقول: إنّ الكلمة قد تمّ اشتقاقها من المصادر المسيحيّة، لكنّ محمدًا لا بدّ أنّه قد مزجها باللفظ العربي «فرق» لتسهيل التفريق ما بين أتباعه وبين غير المؤمنين «14». وكلامه هذا غامض جدًّا، ولا غرو بعد أن أخذ قائله في طيف الخيال!
قال الدكتور عبد الرحمان بدوي: إنّه من الغباء نسبة كلمة «فرقان» إلى الكلمة العبريّة «بيركي» التي تعني: فصول. كما أنّ الآراء التي تردّ كلمة «فرقان» إلى الكلمة السّريانيّة «بوركانا» بمعنى: الإنقاذ، تعدّ هي الأخرى ضربًا من الغباء «15». وعليه فإذا كانت الكلمة ذات اشتقاق أصيل في اللغة وفي الاستعمال العربي الشائع، فلا مجال لاحتمال التعريب وأنّها من الدخيل.
كما وأنّه ليست لفظة «القرآن» - ومثلها «الفرقان» - لوحدها بالتي ادّعي أنّها دخيلة على العربيّة من أصل سرياني أو عبريّ بل هناك كلمات كثيرة هي من لبّ العربيّة وأساسها، زعموها غير عربيّة، ككلمتي «الإيمان والصلاة» حيث زعمت دائرة المعارف الإنجليزيّة، أنّ الأولى عبريّة أو آراميّة، وأنّ الثانية آراميّة. وكذلك كلمة «قلم»، حيث ادّعي أنّها من أصل يونانيّ. وكلمة «صراط» و «سورة»: أنّها مشتقّة من العبريّة الحديثة «16».
بل ذهبوا إلى ما هو أعجب، فادّعوا أنّ «سدرة المنتهى» ليست عربيّة كذلك. فقد زعم الأب «أنستاس الكرملي» أنّ كلمة «سدرة المنتهى» الواردة في القرآن، هي من أصل لاتينيّ. وقد تبعه حسن سالم في هذا الزعم، كما جاء في مجلّة المصوّر القاهريّة في 17 كانون الأوّل 1967 م، العدد 2723 «17».
قال الدكتور فضل: وهذه لعمر الحقّ هزيمة أشدّ من هزيمة حزيران في السنة نفسها، أمام هجمات صهيون.
قال: ونحن إذ نردّ هذا الزعم، لا نردّه جزافًا ولا عصبيّة، فنحن في بحثنا هذا ملتزمون بالمنهج العلمي القائم على أسس منهجيّة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القيامة 75 : 17 - 18 ؛ المفردات : 402 .
(2) آخر آية من سورة يوسف .
(3) قال الخليل : شبه حوض ضخم يقرى فيه من البئر ثمّ يفرّغ منه في قرو ومركن أو حوض . والجماعة : مقاري . ( كتاب العين 5 : 204 ) .
(4) السّلى : جلدة يكون في ضمنها الولد في بطن أمّه .
(5) العيطل : الطويلة العنق من النوق . الأدماء : البيضاء منها . والأدمة : البياض في الإبل . البكر : الناقة التي حملت بطنًا واحدًا . ويروى بكر - بفتح الباء - وهو الفتيّ من الإبل . وبكسر الباء أعلى الروايتين . ولم تقرأ جنينًا أي لم تضمّ في رحمها ولدًا . ( شرح المعلقات للزوزني : 120 - 121 ) . وقال ابن دريد : أي لم تجمع في رحمها ماء الفحل . ( جمهرة اللغة 1 : 229 ) .
(6) مقاييس اللغة 5 : 78 - 79 .
(7) النهاية 4 : 30 .
(8) هو عبيد بن حصين أبو جندل النميري المعروف بالراعي ، لكثرة وصفه الإبل في شعره . كان من فحول الشعراء الإسلاميين ، توفّي حدود التسعين للهجرة ، عاصر الفرزدق وجريرًا . ( الوافي بالوفيات - للصفدي 19 : 283 ) .
(9) لسان العرب 3 : 389 ( لحد ) . و 4 / 386 ( سور ) . و 1 : 128 ( قرأ ) .
(10) المحكم 6 : 469 - 470 .
(11) راجع : قضايا قرآنيّة في الموسوعة البريطانيّة - للدكتور فضل حسن عبّاس : 25 - 26 .
(12) أمثال « جيجر » في كتابه « ما ذا أخذ محمّد من اليهود ؟ : 99 » . و « هير شفيلد » في كتابه « بحوث جديدة في القرآن : 68 » . و « هوروفيتز » : « بحوث قرآنيّة : 76 - 77 » .
(13) الدفاع عن القرآن ضدّ منتقديه - عبد الرحمان بدوي : 58 .
(14) المصدر : 60 .
(15) المصدر : 61 .
(16) راجع : المستشرقون والدراسات القرآنيّة - محمّد حسين علي : 34 ( قضايا قرآنيّة : 26 ) .
(17) راجع : دفاع عن الفصحى - أحمد عبد الغفور عطّار : 35 . ( قضايا قرآنيّة : 26 ) .
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الصدر
السيد جعفر مرتضى
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد الريشهري
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
اشتقاق لفظة القرآن
القرآن مجد وعظمة ومتانة ووضوح
الفلسفة، أهدافها ومراكزها
الاعتقاد بعقل الآخرين
الإمام الجواد (ع) ومحنة الإمامة
الإمام الجواد (ع) الزعيم والقائد والوصي
إمامة الجواد عليه السلام ظاهرة وإعجاز
مواقف تجاه إمامة الجواد عليه السلام
كيف ينشأ العلم الإجمالي؟
موجز عن تاريخ الشيعة الاثني عشرية