قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد محمد حسين الطبطبائي
عن الكاتب :
مفسر للقرآن،علامة، فيلسوف عارف، مفكر عظيم

عمدة البيان في ترتيب القرآن

في ثلاثة فصول:

 

الفصل الأول معنى الأجزاء والأحزاب القرآنية

 

إن للقرآن الكريم أجزاء يعرف بها كالجزء والحزب والعشر وغير ذلك والذي ينتهي اعتباره إلى عناية من نفس الكتاب العزيز اثنان منها وهما السورة والآية فقد كرر اللّه سبحانه ذكرهما في كلامه كقوله: (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) «1» وقوله: (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) «2». وغير ذلك.

 

وقد كثر استعماله في لسان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والصحابة والأئمة كثرة لا تدع ريبًا في أن لها حقيقة في القرآن الكريم وهي مجموعة من الكلام الإلهي مبدوءة بالبسملة مسوقة لبيان غرض، وهو معرف للسورة مطرد غير منقوض إلّا ببراءة وقد ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام أنها آيات من سورة الأنفال، وإلّا بما ورد عنهم عليهم السّلام أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة وأن الفيل والإيلاف سورة واحدة.

 

ونظيره القول في الآية فقد تكرر في كلامه تعالى إطلاق الآية على قطعة من الكلام كقوله: (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) «3»، وقوله: (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) «4»، وقد روي عن أم سلمة أن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، كان يقف على رؤوس الآي وصح أن سورة الحمد سبع آيات، وروي عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن سورة الملك ثلاثون آية إلى غير ذلك مما يدل على وقوع العدد على الآيات في كلام النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.

 

والذي يعطيه التأمل في انقسام الكلام العربي إلى قطع وفصول بالطبع وخاصة فيما كان من الكلام مسجعًا ثم التدبر فيما ورد عن النبي وآله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في أعداد الآيات، أن الآية من القرآن هي قطعة من الكلام من حقها أن تعتمد عليها التلاوة بفصلها عما قبلها وعما بعدها.

 

ويختلف ذلك باختلاف السياقات وخاصة في السياقات المسجّعة فربما كانت كلمة واحدة كقوله: (مُدْهامَّتانِ) «5» وربما كانت كلمتين فصاعدًا كلامًا أو غير كلام كقوله: (الرَّحْمنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الْإِنْسانَ . عَلَّمَهُ الْبَيانَ) «6» وقوله: (الْحَاقَّةُ . مَا الْحَاقَّةُ . وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) «7»، وربما طالت كآية الدين من سورة البقرة آية: 282.

 

الفصل الثاني عدد السور القرآنية

 

أما عدد السور القرآنية فهي مائة وأربع عشرة سورة على ما جرى عليه الرسم في المصحف الدائر بيننا وهو مطابق للمصحف العثماني، وإن لأئمة أهل البيت عليهم السّلام كلامًا فيه، وإنهم لا يعدون براءة سورة مستقلة ويعدون الضحى وألم نشرح سورة واحدة ويعدون الفيل والإيلاف سورة واحدة.

 

وأما عدد الآي فلم يرد فيه نص متواتر يعرف الآي ويميز كل آية من غيرها ولا شيء من الآحاد يعتمد عليه، ومن أوضح الدليل على ذلك اختلاف أهل العدد فيما بينهم وهم المكيون والمدنيون والشاميون والبصريون والكوفيون. فقد قال بعضهم: إن مجموع القرآن ستة آلاف آية، وقال بعضهم: ستة آلاف ومائتان وأربع آيات، وقيل: وأربع عشرة، وقيل: وتسع عشرة وقيل: وخمس وعشرون، وقيل: وست وثلاثون.

 

وقد روى المكّيون عددهم عن عبد اللّه بن كثير عن مجاهد عن ابن عباس عن أبي بن كعب، وللمدنيين عددان ينتهي أحدهما إلى أبي جعفر مرثد بن القعقاع وشيبة بن نصاح، والآخر إلى إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري وروى أهل الشام عددهم عن أبي الدرداء، وينتهي عدد أهل البصرة إلى عاصم بن العجاج الجحدري، ويضاف عدد أهل الكوفة إلى حمزة والكسائي وخلف قال حمزة أخبرنا بهذا العدد ابن أبي ليلى عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب.

 

وبالجملة لما كانت الأعداد لا تنتهي إلى نص متواتر أو واحد يعبأ به ويجوز الركون إليه ويتميز به كلّ آية عن أختها لا ملزم للأخذ بشيء منها فما كان منها بينا ظاهر الأمر فهو وإلّا فللباحث المتدبر أن يختار ما أدى إليه نظره. والذي روي عن علي عليه السّلام من عدد الكوفيين معارض بأن البسملة غير معدودة في شيء من السور ما خلا فاتحة الكتاب من آياتها مع أن المروي عنه عليه السّلام وعن غيره من أئمة أهل البيت عليه السّلام أن البسملة آية من القرآن وهي جزء من كل سورة افتتحت بها ولازم ذلك زيادة العدد بعدد البسملات.

 

وهذا هو الذي صرفنا عن إيراد تفاصيل ما ذكروه من العدد هاهنا، وذكر ما اتفقوا على عدده من السور القرآنية وهي أربعون سورة وما اختلفوا في عدده أو في رؤوس آية من السور وهي أربع وسبعون سورة وكذا ما اتفقوا على كونه آية تامة أو على عدم كونه آية مثل (الر) أينما وقع من القرآن وما اختلف فيه، وعلى من أراد الاطلاع على تفصيل ذلك أن يراجع مظانه.

 

الفصل الثالث في ترتيب السور نزولاً

 

نقل في الإتقان عن ابن الضريس في فضائل القرآن قال: حدثنا محمد ابن عبد اللّه بن أبي جعفر الرازي، أنبأنا عمرو بن هارون، حدثنا عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عباس قال: كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد اللّه فيها ما شاء.

 

وكان أول ما أنزل من القرآن اقرأ باسم ربك، ثم ن، ثم يا أيها المزمل، ثم يا أيها المدثر، ثم تبت يدا أبي لهب، ثم إذا الشمس كورت، ثم سبح اسم ربك الأعلى، ثم والليل إذا يغشى، ثم والفجر، ثم والضحى، ثم ألم نشرح، ثم والعصر، ثم والعاديات، ثم إنا أعطيناك، ثم ألهاكم التكاثر، ثم أرأيت الذي يكذب، ثم قل يا أيها الكافرون، ثم ألم تر كيف فعل ربك، ثم قل أعوذ برب الفلق، ثم قل أعوذ برب الناس، ثم قل هو اللّه أحد، ثم والنجم، ثم عبس، ثم إنا أنزلناه في ليلة القدر، ثم والشمس وضحاها، ثم والسماء ذات البروج، ثم التين، ثم لإيلاف قريش، ثم القارعة، ثم لا أقسم بيوم القيامة، ثم ويل لكل همزة، ثم والمرسلات، ثم ق، ثم لا أقسم بهذا البلد، ثم والسماء والطارق، ثم اقتربت الساعة، ثم ص، ثم الأعراف، ثم قل أوحي، ثم يس، ثم الفرقان، ثم الملائكة، ثم كهيعص، ثم طه، ثم الواقعة، ثم طسم الشعراء، ثم طس، ثم القصص، ثم بني إسرائيل، ثم يونس، ثم هود، ثم يوسف، ثم الحجر، ثم الأنعام، ثم الصافات، ثم لقمان، ثم سبأ، ثم الزمر، ثم حم المؤمن، ثم حم السجدة، ثم حمعسق، ثم حم الزخرف، ثم الدخان، ثم الجاثية، ثم الأحقاف، ثم الذاريات، ثم الغاشية، ثم الكهف، ثم النحل، ثم إنا أرسلنا نوحًا، ثم سورة إبراهيم، ثم الأنبياء، ثم المؤمنين، ثم تنزيل السجدة، ثم الطور، ثم تبارك الملك، ثم الحاقة، ثم سأل، ثم عم يتساءلون، ثم النازعات، ثم إذا السماء انفطرت، ثم إذا السماء انشقت، ثم الروم، ثم العنكبوت، ثم ويل للمطففين، فهذا ما أنزل اللّه بمكة.

 

ثم أنزل اللّه بالمدينة سورة البقرة، ثم الأنفال، ثم آل عمران، ثم الأحزاب، ثم الممتحنة، ثم النساء، ثم إذا زلزلت، ثم الحديد، ثم القتال، ثم الرعد، ثم الرحمن، ثم الإنسان، ثم الطلاق، ثم لم يكن، ثم الحشر، ثم إذا جاء نصر اللّه، ثم النو ، ثم الحج، ثم المنافقون، ثم المجادلة، ثم الحجرات، ثم التحريم، ثم الجمعة، ثم التغابن، ثم الصف، ثم الفتح، ثم المائدة، ثم براءة.

 

وقد سقطت من الرواية سورة فاتحة الكتاب وربما قيل: إنما نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة. ونقل فيه عن البيهقي في دلائل النبوة أنه روى بإسناده عن عكرمة والحسين بن أبي الحسن قالا: أنزل اللّه من القرآن بمكة اقرأ باسم ربك وساقا الحديث نحو حديث عطاء السابق عن ابن عباس إلّا أنه قد سقط منه الفاتحة والأعراف وكهيعص مما نزل بمكة.

 

وأيضًا ذكر فيه حم الدخان قبل حم السجدة ثم إذا السماء انشقت قبل إذا السماء انفطرت ثم ويل للمطففين قبل البقرة مما نزل بالمدينة ثم آل عمران قبل الأنفال ثم المائدة قبل الممتحنة. ثم روى البيهقي بإسناده عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: إن أول ما أنزل اللّه على نبيه من القرآن اقرأ باسم ربك، الحديث وهو مطابق لحديث عكرمة في الترتيب وقد ذكرت فيه السور التي سقطت من حديث عكرمة فيما نزل بمكة.

 

وفيه عن كتاب الناسخ والمنسوخ لابن حصار أن المدني باتّفاق عشرون سورة والمختلف فيه اثنتا عشرة سورة وما عدا ذلك مكي باتفاق، انتهى.

 

والذي اتفقوا عليه من المدنيات البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنفال والتوبة والنور والأحزاب وسورة محمد والفتح والحجرات والحديد والمجادلة والحشر والممتحنة والمنافقون والجمعة والطلاق والتحريم والنصر. وما اختلفوا في مكيته ومدنيته سورة الرعد والرحمن والجن والصف والتغابن والمطففين والقدر والبينة والزلزال والتوحيد والمعوذتان.

 

وللعلم بمكية السور ومدنيتها ثمّ ترتيب نزولها أثر هام في الأبحاث المتعلقة بالدعوة النبوية وسيرها الروحي والسياسي والمدني في زمنه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وتحليل سيرته الشريفة والروايات - كما ترى - لا تصلح أن تنهض حجة معتمدًا عليها في إثبات شيء من ذلك على أن فيما بينها من التعارض ما يسقطها عن الاعتبار. فالطريق المتعين لهذا الغرض هو التدبر في سياق الآيات والاستمداد بما يتحصل من القرائن والأمارات الداخلية والخارجية...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النور - 1.

(2) يونس - 38.

(3) الأنفال - 2.

(4) حم السجدة - 3.

(5) الرحمن - 64.

(6) الرحمن - 1 إلى 4.

(7) الحاقة - 1 إلى 3.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد