
المسألة:
ممَّا ينقل أنَّ أمير المؤمنين (ع) قد أوصى الإمام الحسن والحسين (ع) بأخيهما محمد خيراً، وممَّا ينقل عنه أنهُ كان رجلاً تقياً ورعاً، بكى على الحسين طيلة دهره. وقد نسبت له فرقة الكيسانية التي أدعت أنهُ المهدي (ع).
ما مصداق الرّواية التي تقول أنَّ محمد بن الحنفية ادَّعى الإمامة وذهب مع الإمام زين العابدين (ع) إلى الحجر الأسود، وقال مَن يكون هو الصادق فإنَّ الحجر ينطق باسمه؟ وهل يعقل أنْ تكون هذه الشخصية الكريمة والتي أوصى الإمام بها، جاهلة بإمامة الأئمة وتدعي أنها إمام دون وجه حق؟
الجواب:
الرواية التي تشير إليها رواها الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وزُرَارَةَ جَمِيعاً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ (ع) أَرْسَلَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (ع) فَخَلَا بِه فَقَالَ لَه: يَا ابْنَ أَخِي قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه (ص) دَفَعَ الْوَصِيَّةَ والإِمَامَةَ مِنْ بَعْدِه إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) ثُمَّ إِلَى الْحَسَنِ (ع) ثُمَّ إِلَى الْحُسَيْنِ (ع) وقَدْ قُتِلَ أَبُوكَ رَضِيَ اللَّه عَنْه وصَلَّى عَلَى رُوحِه، ولَمْ يُوصِ وأَنَا عَمُّكَ وصِنْوُ أَبِيكَ ووِلَادَتِي مِنْ عَلِيٍّ (ع) فِي سِنِّي وقَدِيمِي أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ فِي حَدَاثَتِكَ فَلَا تُنَازِعْنِي فِي الْوَصِيَّةِ والإِمَامَةِ، ولَا تُحَاجَّنِي فَقَالَ لَه: عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع) يَا عَمِّ اتَّقِ اللَّه ولَا تَدَّعِ مَا لَيْسَ لَكَ بِحَقٍّ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، إِنَّ أَبِي يَا عَمِّ صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْه أَوْصَى إِلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَتَوَجَّه إِلَى الْعِرَاقِ، وعَهِدَ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ بِسَاعَةٍ، وهَذَا سِلَاحُ رَسُولِ اللَّه (ص) عِنْدِي، فَلَا تَتَعَرَّضْ لِهَذَا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ نَقْصَ الْعُمُرِ وتَشَتُّتَ الْحَالِ إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ جَعَلَ الْوَصِيَّةَ والإِمَامَةَ فِي عَقِبِ الْحُسَيْنِ (ع) فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ ذَلِكَ فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ حَتَّى نَتَحَاكَمَ إِلَيْه ونَسْأَلَه عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) وكَانَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا بِمَكَّةَ فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا الْحَجَرَ الأَسْوَدَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ: ابْدَأْ أَنْتَ فَابْتَهِلْ إِلَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ وسَلْه أَنْ يُنْطِقَ لَكَ الْحَجَرَ ثُمَّ سَلْ، فَابْتَهَلَ مُحَمَّدٌ فِي الدُّعَاءِ وسَأَلَ اللَّه ثُمَّ دَعَا الْحَجَرَ فَلَمْ يُجِبْه، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع) يَا عَمِّ لَوْ كُنْتَ وَصِيّاً وإِمَاماً لأَجَابَكَ قَالَ لَه مُحَمَّدٌ: فَادْعُ اللَّه أَنْتَ يَا ابْنَ أَخِي وسَلْه، فَدَعَا اللَّهَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (ع) بِمَا أَرَادَ ثُمَّ قَالَ: أَسْأَلُكَ بِالَّذِي جَعَلَ فِيكَ مِيثَاقَ الأَنْبِيَاءِ ومِيثَاقَ الأَوْصِيَاءِ ومِيثَاقَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ لَمَّا أَخْبَرْتَنَا مَنِ الْوَصِيُّ والإِمَامُ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: فَتَحَرَّكَ الْحَجَرُ حَتَّى كَادَ أَنْ يَزُولَ عَنْ مَوْضِعِه ثُمَّ أَنْطَقَه اللَّه عَزَّ وجَلَّ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ الْوَصِيَّةَ والإِمَامَةَ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (ع) إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وابْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّه (ص) قَالَ: فَانْصَرَفَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وهُوَ يَتَوَلَّى عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (ع).
وأورد الكليني الرواية من طريقٍ آخر قال: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع مِثْلَه(1).
فالرواية بكلا الطريقين صحيحة السند، وهي تدلُّ على إيمان ابن الحنيفة بعد التحاكم إلى الحجر، والأمور بخواتيمها. فلا غضاضة على الرجل إنْ كان مشتبهاً فاستبصر.
وقد ورد أنَّ رجلاً يُدعى أبو خالد الكابلي كان يعتقد بإمامة محمد بن الحنيفة فأخبره محمدُ بن الحنيفة أنَّ الإمام عليه وعلى كلِّ مسلم هو عليُّ بن الحسين (ع)(2) وبذلك صحّح الرجل اعتقاده ورجع إلى الإمام زين العابدين (ع).
وأمَّا عدم تعقُّل جهل محمد بن الحنفيَّة بإمامة الأئمة بعد الحسين (ع)، وأنَّه كان رجلاً تقيّاً ورعاً فهو إن كان كذلك إلا أنَّ العصمة لأهلها، فلا يُستبعد عن أحدٍ الزيغ عن الحق، نعم لا ضير على السيد محمد (رحمه الله) بعد أن تداركه اللهُ تعالى برحمته ومنَّ عليه بالبصيرة بعد أنْ كاد يهلك كما أفاد الإمام زين العابدين (ع).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكافي -الكليني- ج1 / ص347، لاحظ كذلك مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج3 / ص288، إعلام الورى -الطبرسي- ج1 / ص486، لسان الميزان -ابن حجر العسقلاني- ج1 / ص436.
2- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) -الطوسي- ج1 / ص337. ونص الرواية بسندٍ عن عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا وما كان يشك في أنه إمام. حتى أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك إن لي حرمة ومودة وانقطاعًا، فأسألك بحرمة رسول الله وأمير المؤمنين إلا أخبرتني أنت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه، قال فقال: يا أبا خالد حلفتني بالعظيم، الإمام عليُّ بن الحسين (عليه السلام) عليَّ وعليك وعلى كلِّ مسلم. فأقبل أبو خالد لما أنْ سمع ما قاله محمد بن الحنفية جاء إلى عليِّ بن الحسين (عليه السلام) فلمَّا استأذن عليه فأخبر أنَّ أبا خالد بالباب، فأذِن له، فلمَّا دخل عليه دنا منه قال: مرحباً بك يا كنكر ما كنت لنا بزائر ما بدا لك فينا؟ فخرَّ أبو خالد ساجداً شاكر لله تعالى ممَّا سمع من عليِّ بن الحسين (عليه السلام) فقال: الحمد لله الذي لم يُمتني حتى عرفت فقال له علي: وكيف عرفتَ أمامك يا أبا خالد؟ قال: إنَّك دعوتني باسمي الذي سمَّتني أمِّي التي ولدتني، وقد كنتُ في عمياء من أمري، ولقد خدمتُ محمد بن الحنفية عمراً من عمري، ولا أشكُّ إلا وأنَّه امام. حتى إذا كان قريباً سألتُه بحرمة الله وبحرمة رسولِه (ص) وبحرمة أمير المؤمنين (ع) فأرشدني إليك وقال: هو الإمام عليَّ وعليك وعلى خلق الله كلِّهم، ثم أذنت لي فجئتُ فدنوتُ منك سميتني باسمي الذي سمَّتني أُمِّي فعلمتُ أنَّك الإمام الذي فرضَ اللهُ طاعته عليَّ وعلى كلِّ مسلم".
معنى (نسف) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
أكبر مسؤوليات التربية... منع تسلّط الوهم على الفطرة
السيد عباس نور الدين
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (2)
محمود حيدر
التحلّي بذهنيّة قويّة وإيجابيّة يلعب دورًا فعّالًا في التّأقلم مع الألم المزمن وإدارته
عدنان الحاجي
الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
نوازع وميول الأخلاقيات
الشيخ شفيق جرادي
المذهب التربوي الإنساني
الشهيد مرتضى مطهري
الحق والباطل: ماء راسخ وزبد يزول
الشيخ جعفر السبحاني
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ..} كيف يُنسب اليأس للرسُل؟
الشيخ محمد صنقور
أَمَرْنا مُتْرَفِيها!
الشيخ محمد جواد مغنية
اطمئنان
حبيب المعاتيق
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
فوائد الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
معنى (نسف) في القرآن الكريم
أكبر مسؤوليات التربية... منع تسلّط الوهم على الفطرة
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (2)
التحلّي بذهنيّة قويّة وإيجابيّة يلعب دورًا فعّالًا في التّأقلم مع الألم المزمن وإدارته
جمعيّة سيهات للخدمات الاجتماعيّة تختتم الهاكثون الإبداعيّ بثلاثة فائزين
(أسرار ملقاة على الرّصيف) أمسية شعريّة بديعة للعبادي والهميلي
اختتام النّسخة الثّامنة عشرة من حملة التّبرّع بالدّم (نعم الجود)
الحرص على تأمين الحرية والأمن في القرآن الكريم
معنى (رعد) في القرآن الكريم