من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

جود الإمام علي (ع)

إنّ الحديث عن جود الإمام علي عليه السّلام وسخائه يعرف من الحديث عن زهده وإعراضه عن الدّنيا ومتاعها، لأنّ من تبيّن العلل استطاع أن يتنبأ بمعلولاتها، فإنّ النّواة يكمن فيها ما تنتجه من نبات. ومع هذا فإنّا نذكر شذرات من أقواله، وأمثلة من أفعاله في هذا الباب:

 

قال عليه السّلام: «البخل جامع لمساوئ العيوب، وهو زمام يقاد به إلى كلّ سوء». وقال عليه السّلام: «الكرم أعطف من الرّحم». وقال عليه السّلام: «من أيقن بالخلف جاد بالعطيّة». وقال عليه السّلام: «لا يجتمع الشّح، والإيمان في قلب العبد أبدًا».

 

وقال عليه السّلام: «ثلاث مهلكات: شحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه». وقال عليه السّلام: «البخل عار، والجبن منقصة، والفقر يخرس الفطن عن حجّته، والمقلّ غريب في بلدته». وقال عليه السّلام: «إن البخيل يعيش في الدّنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء». وإنّه كالخنزير لا ينتفع به إلّا بعد موته حيث تنهشه الكلاب، وإنّ البخيل يفسد الرّأي، ويمنع صاحبه عن رؤية الحقيقة، لأن ينظر إلى الأشياء من خلال ذاته الشّحيحة الشّاحبة. وقد مرّ بقذر على مزبلة، فقال عليه السّلام: «هذا ما بخل به الباخلون».

 

ومن كانت الأموال عنده كالفضلات والجيف على المزابل فهو أجل وأسمى من أن يقال بأنّه كريم وجواد بالمعنى المعروف بين النّاس... وهل يقال كريم لمن بات على فراش الرّسول وفداه بنفسه؟ كلّا، إنّه ملاك لا يهتّم إلّا باللّه، ولا يقبل على أحد سواه.

 

وقد بلغ من جوده أنّه كان يحارب مشركًا، فقال له المشرك: «يا ابن أبي طالب، هبني سيفك. فرماه إليه، فقال المشرك: عجبًا يا ابن أبي طالب، أفي مثل هذا الوقت تدفع إليّ سيفك؟!.. فقال له: يا هذا إنّك مددت يد المسألة إليّ، وليس من الكرم أن يرد السّائل».

 

وقال الشّعبي: «كان - عليّ - أسخى النّاس، كان على الخلق الّذي يحبّه اللّه، السّخاء والجود، ما قال: «لا» لسائل قطّ».

 

وعن أبي الطّفيل أنّه قال: «رأيت عليًّا يدعو اليتامى، فيطعمهم العسل، حتّى قال بعض أصحابه: وددت أنّي كنت يتيمًا». وأوقف الإمام جميع أملاكه على الفقراء والمساكين، وكان غلتها في السّنة أربعين ألف دينار، وكان يسقي النّخل بيده لبعض اليهود بأجر زهيد، ويتصدق به على المحتاجين.

 

وروى الرّازي عن ابن عبّاس في تفسيره الكبير أنّ هذه الآية: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). نزلت في عليّ عليه السلام. أمّا نزول: (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)... (ويُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً)، في عليّ وفاطمة والحسن والحسين فأشهر من أن يذكر، وليس بعد ثناء اللّه قول لقائل.

 

وممّا استدل به الإماميّة على أفضلية الإمام أنّه كان أسخى النّاس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وأنّه اشتهر بالسّخاء إلى حد ألجأ معاوية إلى الاعتراف والقول بأنّه لو ملك بيتًا من تبر، وبيتًا من تبن لأنفد تبره قبل تبنه، ولا شيء بعد الإيمان باللّه أفضل من السّخاء. فقد جاء في الحديث أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله، همّ بقتل أحد المشركين، فأوحى اللّه إليه أن يعفو عنه، لأنّه كريم يطعم الطّعام، ولمّا علم المشرك بذلك اسلم وتشهد الشّهادتين. وهذا الحديث يوحي إلينا بأنّ سجية الكرم محبوبة لدى اللّه سبحانه، ولو كانت من جاحد كافر، وروي: «أنّ حاتمًا لا يدخل الجنّة لكفره، ولا يعذب في النّار لكرمه»، وقال الإمام الرّضا عليه السّلام: «إنّ الكريم قريب من الجنّة، قريب من اللّه، قريب من النّاس، والبخيل بعيد عن الجنّة، بعيد عن اللّه، بعيد عن النّاس».

 

وبالتّالي، فنحن حين نتكلّم عن جود الإمام عليه السلام، وشجاعته، وزهده، وعلمه فلا نضيف وصفًا إلى وصف، كما يضاف الواحد إلى الاثنين، وإنّما نتكلم عن خصائص عظمته، وآثار شخصيته الّتي هي المصدر الأوّل لكلّ فضيلة ومكرمة، فإذا أردنا أن نذكر الفضائل بكاملها ذكرنا اسم عليّ بن أبي طالب وكفى؛ لأنّه هو الفضائل، تمامًا كالشّمس الّتي يغني ذكرها عن ذكر النّور لأنّها هي النّور.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد