من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ فوزي آل سيف
عن الكاتب :
من مواليد سنة «1379 هـ» في تاروت ـ القطيف، درس المرحلة الابتدائية في تاروت وهاجر للدراسة الدينية في الحوزة العلمية بالنجف ـ العراق سنة 1391 هـ. التحق في عام 1394 هـ، بمدرسة الرسول الأعظم ودرس فيها الأصول والفقه وتفسير القرآن والتاريخ الإسلامي والخطابة والأدب، في عام 1400 هـ هاجر إلى الجمهورية الإسلامية في إيران وشارك في إدارة حوزة القائم العلمية في طهران، ودرّس فيها الفقه والأصول والثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي، وأكمل دراسة المنهج الحوزوي في الفقه والأصول. انتقل لمتابعة دراساته العالية إلى قم في بداية عام 1412 هـ ودرس البحث الخارج، عاد في نهاية عام 1418 هـ إلى وطنه القطيف. صدر له عدد من المؤلفات منها: "من قضايا النهضة الحسينية أسئلة وحوارات، نساء حول أهل البيت، الحياة الشخصية عند أهل البيت، طلب العلم فريضة، رؤى في قضايا الاستبداد والحرية، صفحات من التاريخ السياسي للشيعة" وغير ذلك..

فدك جغرافيًّا وتاريخيًّا

فدك: منطقة تبعد حوالي 140 كم من المدينة المنورة، وكانت مستوطنة من قبل اليهود قبل مجيء النبي محمد (ص) إلى المدينة، وكانت هذه المنطقة تتميز بالمياه الوفيرة والأرض الخصبة. وهي الآن تسمى محافظة الحائط على الخرائط الرسمية.

 

وفي نظرة تاريخية لكيفية السيطرة عليها، يقال: كان اليهود يتفاخرون سابقاً أن لهم كتابًا سماويًّا ونبيًّا مبعوثًا وهو موسى عليه السلام، وأنهم أحباب الله المنصورون[1] من قِبله وأن النبي الذي سيبعثه الله في مكة سيؤيدهم، فلما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وآله ورأوا أنه ليس منهم تنكروا [2] له وبدأوا يتحزمون لمحاربته. وتحالفوا مع المشركين ضده، مع ذلك لم يعلن النبي الحرب عليهم، بل دعاهم للسلم وجعل بينه وبينهم وثيقة هي من أقدم النصوص التي تبين العلاقة بين المسلمين واليهود، فيها حوالي 50 مادة مهمة تحفظ لليهود كل حقوقهم الدينية والمدنية والاجتماعية، عرفت بوثيقة المدينة. ومع ذلك لم يفِ اليهود. وتحالفوا مع كفار قريش وناصروهم في غزوة الخندق حينما اجتمع الأحزاب ووعدوهم أنهم لو انتصروا سيجعلون حاصل تمر خيبر لقريش تلك السنة، تحريضًا وتطميعًا لهم.

 

وبعد هزيمة الأحزاب، دعا اليهود النبيَّ صلى الله عليه وآله إليهم بحجة توضيح الأمور وطلب السلم، وأرادوا بذلك أن يأتي النبي إليهم بغرض اغتياله برمي حجر ثقيل من الأعلى عليه صلى الله عليه وآله. ولم تكن المحاولة الوحيدة لهم.

 

حينها رأى النبي صلى الله عليه وآله أن اليهود لا يلتزمون بعهد ولا ميثاق ولا يحبون أن يتعايشوا مع المسلمين وهم أكثرية سكان المدينة، فبالإضافة إلى تخريبهم للأوضاع الاقتصادية من خلال أعمال الربا وما شابهها، وتآمرهم مع أعداء المسلمين وتخطيطهم لاغتيال النبي.. لم ير بدًّا من مواجهتهم عسكريًّا. ونزل الوحي في نهاية السنة السادسة للهجرة أن يغدو إلى بني قريظة ليحاربهم. ويوجد حديث مشهور عن النبي: أن «لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة»، كناية على العزم على المواجهة فورًا.

 

في السنة السابعة وقعت معركة خيبر مع اليهود، ونصر الله نبيه بالرغم من استعانة اليهود بقريش وثقيف، حتى قيل إن عيينة بن حصن الغطفاني زودهم بثلاثة آلاف مقاتل للدفاع عن اليهود. لكن الله نصر المسلمين بتخطيط نبي الله وبقيادة الإمام علي عليه السلام. هجوم المسلمين بهذه الطريقة على خيبر، والتي كانت سبع قلاع محصنة - يكفيك أن أبوابها كانت قطعة من الحجر - مع 20 ألفًا من اليهود و3 – 4 آلاف ممن يؤازرونهم انهاروا أمام جيش المسلمين. وهذا الانهيار سبب هزيمة اليهود معنويًّا في أنحاء المدينة ومناطقها وأصبح همهم النجاة فقط. فأرسلوا إلى النبي أنهم يستسلمون شريطة أن يسلموا على أنفسهم ويسلموا للنبي ما تحت أيديهم من الأرض والزرع.

 

فقبل رسول الله، فكانت فدك أرضًا من تلك المناطق التي لم تفتح بحرب ولا قتال بل سلم أهلها طواعية. وحكم هذه في الفقه الإسلامي عند جميع المسلمين هي أنها تكون ملكًا خالصًا لرسول الله، لا يشاركه فيها أحد، باعتبار الآية {مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ}[3].

 

أما في حال خيبر {أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[4] فخمس هذه الغنيمة للرسول وأربعة أخماس للمقاتلين المسلمين.

 

في نهاية السنة السابعة نزلت الآية {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ}[5] على النبي صلى الله عليه وآله، فوهب لفاطمة فدَكًا [6]. فبقيت عندها ثلاث سنوات وعدة شهور إلى وفاة الرسول الأعظم نهاية شهر صفر السنة الحادية عشرة. وفي هذه الفترة بعد أن استلمتها السيدة فاطمة عينت فيها عمّالًا – تحت إدارة أمير المؤمنين -، لهذا قال «تحت أيدينا فدك»، ولذلك يذكر بعض المحققين[7]، أن حال بيت علي وفاطمة بعد سنة 7 هجرية (أي بعد إعطاء النبي فاطمة فدك) تغير من الناحية المادية وذلك لما كان يعود عليهما من خراج فدك.

 

بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله، ضمها الخليفة الأول لبيت مال المسلمين، والثاني أيضًا، أما الخليفة عثمان فرأى أن أقاربه أولى بها، فدفعها خالصة لمروان بن الحكم. في أيام أمير المؤمنين خرج منها مروان وضمها الإمام إلى بيت مال المسلمين مرة أخرى ولم يجعلها لنفسه أو أبنائه[8].

 

عندما سيطر معاوية على الحكم، قسم فدكًا على ابنه يزيد ومروان بن الحكم وعمرو بن عثمان بن عفان. ولعل قول دعبل الخزاعي:

أرى فيئهم في غيرهم متقسمًا

وأيديهم من فيئهم صفرات

ناظر إلى هذا وأمثاله.

 

بعد معاوية تداولها المروانيون، إلى زمان عمر بن عبد العزيز الذي ردها إلى أهل البيت. بعده يزيد المرواني أخذها وظلوا يتداولونها إلى أيام العباسيين. وفي زمان العباسيين ردها المأمون [9] إلى أهل البيت. بعدها تداولوها إلى أيام المتوكل العباسي الذي أعطاها أحد ولاته... وبذلك انتهت قصة فدك من التاريخ، حيث أصبحت أملاكاً شخصية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لتفصيل عقائدهم وتاريخهم يمكن الرجوع إلى كتابنا قصة الديانات والرسل.

(2) {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} البقرة: 89.

(3) الحشر: 7

(4) الأنفال: 41

(5) الإسراء: 26

(6) ذكر القندوزي الحنفي ذلك في ينابيع المودة لذوي القربى ١/ ١٣٨ فقال: قول الله تعالى ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ﴾ خصوصية لهم [خصهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم على الأمة]، فلما نزلت هذه الآية [على رسول الله صلى الله عليه وآله قال صلى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام: هذه فدك وهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وهي لي خاصة دون المسلمين وقد جعلتها لك لما أمرني الله به فخذيها لك ولولدك.. وقد ورد من طريق الإمامية عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام فيما نقله الشيخ الصدوق في كتابه الأمالي 619 من مناظرة للإمام عليه السلام مع علماء عصره.

(7) المحقق الكرباسي في دائرة المعارف الحسينية

(8) من الأسئلة التي تقال: لماذا لم يسترجعها أمير المؤمنين زمان ولايته، حتى عد بعضهم ذلك مما يدل (!) على أنها لم تكن لفاطمة وولدها! وجواب ذلك على سبيل الاختصار؛ إنهم لو رجعوا إلى كلام أمير المؤمنين لوجدوا فيه الدلالة كافية فقوله (بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلت السماء)!! وكونها في أيديهم إما بالتسلط العدواني زمان النبي وهو منتف قطعًا أو هو بجهة شرعية وهو يدل على التملك بما عرف بين المسلمين بل بين العقلاء من كون يد الإنسان على شيء أمارة على ملكه، ومن ينازعه عليه أن يثبت حقه بحجة شرعية. هذا أولًا.. وأما ثانيًا فلأنها لو لم تكن لفاطمة نحلة وهدية لكانت ميراثًا باعتبار أنها ملك خالص لرسول الله، فهي الوارثة بعده. حيث لم يبق من أولاده (ذكورًا وإناثًا) غيرها. وأما لماذا لم يرجعها الإمام علي عليه السلام، لنفسه ولأبنائه فإنه لو فعل وهو الزاهد وأولاده مثله فلأنه سيشبه حينها بما صنعه الخليفة الثالث الذي نقم عليه من نقم لإيثاره أقاربه من بيت مال المسلمين.. فإذا فعل علي عليه السلام ذلك.. فما فرقه عن غيره؟ لا سيما وأن هناك من اعترض عليه في قضية صلاة التراويح فهل يحتاج الإمام إلى قضية جديدة يثيرها عليه مخالفوه؟ لو فعل ذلك لما رأى الناس منذ ذلك اليوم وإلى يومنا عليًّا عليه السلام صوتًا للعدالة الإنسانية! والحاكم الأكثر عدالة في تاريخ البشر بعد النبي المصطفى، وصاحب مقالة (لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته فإن من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق) وما دامت القضية مادية وتخصه وأبناءه من ولد فاطمة فالزهد فيها أنسب من الحرص عليها! وهذا ما أشارت إليه فقرة (وما أصنع بفدك وغير فدك والنفس مظانها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها، وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر، وسد فرجها التراب المتراكم، وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق...)

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد