من التاريخ

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ باقر القرشي
عن الكاتب :
الشيخ باقر بن الشيخ شريف بن الشيخ مهدي بن الحاج ناصر بن الشيخ قاسم بن الشيخ محمد بن الشيخ مسعود بن عمارة القرشي .rn عالم عراقي بارز، و كاتب و محقق متخصص في التاريخ الإسلامي وسيرة المعصومين عليهم السلام.rn ولد عام 1344 هـ في النجف الأشرف / العراق .rn التحق بالحوزة العلمية في النجف الأشرف فدرس الفقه و الأصول و العلوم الإسلامية فتخرج منها برتبة عالية .rn من أساتذته: آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره، آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قدس سره.rn مؤلفاته تجاوزت السبعين منها: حياة الرسول الأعظم (٣ مجلدات)، موسوعة حياة اهل البيت (٤٢ مجلداً).rn توفي يوم الأحد 26 رجب سنة 1433 هـ في النجف الأشرف فصلى عليه المرجع الديني السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره .rn دفن في مكتبته الخاصة ( مكتبة الامام الحسن عليه السلام ) في النجف الأشرف عصر يوم الأثنين الموافق 18/6/2012.rn

الإمام الحسن (ع) ذكاء وعبقرية

إن الإمام الحسن (ع) هو الفرد الأول في خصائصه العقلية والخلقية، لأنه نشأ في بيت الوحي، وتربى في مدرسة التوحي ، وشاهد جده الرسول (ص) الذي هو أكمل إنسان ضمه هذا الوجود، يقيم في كل فترة من الزمن صروحًا للعدل، ويشيد دعائم الفضيلة والكمال، قد وسع الناس بأخلاقه، وجمعهم على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة، فتأثر السبط بذلك، وانطلق يسلك خطى جده في نصح الناس وإرشادهم فقد اجتاز مع أخيه سيد الشهداء (ع)، وهما في دور الطفولة على شيخ لا يحسن الوضوء، فلم يدعهما السمو في النفس، وحب الخير للناس أن يتركا الشيخ على حاله لا يحسن وضوءه، فأحدثا نزاعًا صوريًّا أمام ، وجعل كل منهما يقول للآخر: أنت لا تحسن الوضوء، والتفتا إلى الشيخ بأسلوب هادئ وجعلاه حاكمًا بينهما قائلين له:

 

«يا شيخ، يتوضأ كل واحد منا أمامك، وانظر أي الوضوءين أحسن؟» فتوضآ أمامه، وجعل الشيخ يمعن في ذلك فتنبه إلى قصوره، والتفت إلى تقصيره من دون أن يأنف فقال لهما: كلاكما، يا سيديّ: تحسنان الوضوء، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لا يحسن، وقد تعلم الآن منكما، وتاب على يديكما...» «1»

 

وهذه البادرة ترينا بوضوح أن اتجاه الرسول (ص) في هداية الناس بالطرق السليمة والأخلاق الرفيعة قد انطبعت في ذهن الإمام الحسن عليه السلام وهو في دور الصبا حتى صارت من خصائصه ومن طبائعه، لقد ذهب بعض علماء النفس إلى وراثة الخلق الفردي، وأن لها أثرًا مهمًّا في تكوين أخلاق الشخص وأنها لا تقل أهمية عن التقليد، يقول «هكسلي»: «ما من أثر أو خاصة لكائن عضوي إلا ويرجع كلها إلى الوراثة، أو إلى البيئة، فالتكوين الوراثي يضع الحدود، لما هو محتمل، والبيئة تقرر أن هذا الاحتمال سيتحقق، فالتكوين الوراثي ليس إلا القدرة على التفاعل مع أية بيئة بطريق خاص..».

 

وقد أيد هذه النظرية (جنجز) فقال: «إن كل إنسان لديه قوى موروثة كامنة، ولكن إظهار أية واحدة يقف على الظروف التي تحيط بهذه القوى عند نموها».

 

وقاعدة الوراثة تقضى أن الإمام الحسن (ع) في طليعة من ظفر بهذه الظاهرة فقد ورث ما استقر في نفس جده (ص) من القوى الروحية، والثروة الإصلاحية الهائلة يضاف إلى ذلك تأثره بالبيئة الصالحة التي تكونت من أسرته ومن خيار المسلمين وصلحائهم.

 

وملك الإمام الحسن (ع) بمقتضى ميراثه من الذكاء، وسمو الإدراك ما لا يملكه غيره، فقد حدث الرواة عن مدى نبوغه الباكر، فقالوا: إنه كان لا يمر عليه شيء إلّا حفظه، وكان يحضر مجلس جده (ص) فيحفظ الوحي فينطلق إلى أمه فيلقيه عليها، فتحدث به أمير المؤمنين (ع) فيتعجب، ويقول:

 

«من أين لك هذا؟!»

 

«من ولدك الحسن»

 

واختفى الإمام (ع) في بعض زوايا البيت ليسمع ولده، ويقبل الحسن على عادته ليلقي على أمه ما حفظه من آيات الوحي والتنزيل فيرتج عليه، ولا يستطيع النطق فتبادر البتول قائلة:

 

«يا بني ، لماذا أرتج عليك؟!»

 

«يا أماه.. لا تعجبي مما عراني، فإن كبيرًا يرعاني!» «1».

 

وهذه البادرة تدل بوضوح على مدى إدراكه الواسع، الذي يبصر به الأشياء من بعيد، ويستشف به ما غاب عنه من وراء حجاب.

 

حفظه للحديث:

 

وحفظ (ع) وعمره الشريف أربع سنين الشيء الكثير مما سمعه من جده (ص) ونشير إلى بعض ما رواه عنه.

 

1 - قال (ع): علمني رسول اللّه (ص) كلمات أقولهن في الوتر: (اللهم، اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقنى شر ما قضيت، فإنك تقضى ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت» «2».

 

 2 - وروى عمير بن مأمون، قال: سمعت الحسن بن علي (ع) يقول: (من صلى صلاة الغداة، فجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس كان له حجاب من النار، أو قال: ستر من النار) «3».

 

3 - وقال له بعض أصحابه: ما تذكر من رسول اللّه (ص)؟ فقال (ع): أخذت تمرة من تمر الصدقة، فتركتها في فمي فنزعها بلعابها، فقيل يا رسول اللّه، ما كان عليك من هذه التمرة، قال إنّا آل محمد لا تحل لنا الصدقة «4».

 

4 - وسئل (ع) عمّا سمعه من رسول اللّه (ص)، فقال: سمعته يقول لرجل: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الشر ريبة والخير طمأنينة» «5».

 

5 - وحدّث (ع) أصحابه عن خلق جده الرسول (ص) وسيرته فقال: كان رسول اللّه (ص) إذا سأله أحد حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول.

 

6 - قال (ع): سمعت رسول اللّه (ص) يقول: « ادعوا لي سيد العرب - يعني عليًّا - فقالت له عائشة: ألست سيد العرب؟ فقال لها أنا سيد ولد آدم  وعلي سيد العرب، فدعي له الإمام فلما مثل بين يديه أرسل خلف الأنصار، فلما حضروا التفت إليهم قائلاً: يا معشر الأنصار ألا أدلكم على شيء ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا، قالوا بلى يا رسول اللّه فقال: هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي فإن جبرئيل أخبرني بالذي قلت لكم عن اللّه عز وجل. وقد نقل علماء الفقه ورواة السنة الشيء الكثير عنه (ع) مما سمعه وشاهده من رسول اللّه (ص) فيما يتعلق بأحكام الشريعة المقدسة وآدابها وذلك يدل على نبوغه وعبقريته وإدراكه الواسع، والناظر في دور طفولته (ع) يهيم بها إعجابًا وإكبارًا وتقديسًا وذلك لما لها من آيات للكمال والفضيلة والذكاء، ولما أنيطت بلون من التربية الرفيعة التي لم يظفر بها إنسان فيما نحسب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) مناقب ابن شهرآشوب 2 / 148، البحار 10 / 93.

(2) صحيح الترمذي 1 / 93 مستدرك الحاكم 3 / 172 تاريخ ابن عساكر 4 / 20.

(3) أسد الغابة 2 / 11.

(4) أسد الغابة 2 / 11 والمراد من الصدقة المحرمة على آل البيت هي الصدقة الواجبة كالزكاة والفطرة دون غيرهما من الصدقات المندوبة.

(5) تأريخ اليعقوبي 2 / 201 وفي مسند أحمد 1 / 200 أنه عليه السلام قال سمعت رسول اللّه قد قال: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد