الإمام الخامنئي دام ظله ..
عدم تشخيص عالم الدين لمسؤوليتة
ما هو مهم، أن يشخّص طالب العلوم الدينيّة ــ عالم الدين والروحاني –بالتعبير الرائج [في إيران]. مسؤوليته في كل فترة من الزمن. إذا لم يتمّ تشخيص المسؤولية فإنّ العلم والتقوى وما شابه لا تنفع في شيء، أي أنها لا تُصرف في المكان المناسب. كأن يملك الإنسان مثلًا مالًا كثيرًا ولكنّه لا يعلم أنّ ولده مريض. حسنًا، لو كان يعلم أنّ هذا الولد مريض يحتاج إلى علاج أو إلى عملية جراحية، والمال في جيبه، لذهب وعالجه. لكن عندما لا يعلم أنه مريض، فإنّه سيفقد هذا الولد أو أنّ مرضه سيشتدّ ويقوى عليه؛ والحال أنّ الإمكانات كانت متوفرة لديه، فقد كان يملك المال اللازم.
نحن إن كان عندنا علم، وتمتّعنا بالتقوى أيضًا، ولدينا حتى الشجاعة اللازمة، ولكن لا نعرف ما هي مسؤوليتنا وواجبنا، فإنّ كل ذلك العلم والتقوى والشجاعة وبقية المميزات الإيجابية، لن تنتج آثارها المتوقعة ولن يكون لديها المردود اللازم.
ضرورة معرفة حاجات المجتمع الراهنة
كلمة "البصيرة" ــ هذه التي نكرّرها دائمًا؛ البعض تتنغّص أوقاته بشدة لأنّ فلانًا يكرّر قول البصيرة.. البصيرة؛ معناها هو هذا. أحد المصاديق المهمة للبصيرة هو هذا؛ أن يعرف الإنسان ما هي الحاجة المطلوبة في المجتمع اليوم. نحن لدينا ملايين الشباب؛ الشباب في معرض التعلم واكتساب ما يُقدّم له. قال [الشاعر]: "إنّني لوحة بيضاء وجاهز لكلّ ما يُرسم عليها"1. يمكن رسم كل أنواع الرسوم على هذه اللوحة البيضاء. من يبادر ويتصدّى؟ من يسابق ويتقدّم؟ من يتحرك أمام الآخرين؟ أو من يتنبّه أنّ رسمًا مشؤومًا وقبيحًا قد رُسم على هذه اللوحة كي ينهض ويصلحها؟ كل هذه الأمور تحتاج إلى بصيرة.
الفضاء الإفتراضي أخطر وسائل العدو التضليلية
وكذلك فإنّ الفضاء الافتراضي اليوم هو صحراء لا نهاية لها ويمكن التحرك فيها من كل الجهات. لم يعد الأمر كالسابق، حيث كنتم إذا أردتم بيان مطلب ما تضطرّون لكتابته على الأوراق ثم تستنسخونه أو تطبعونه وتصوّرونه عشر نسخ أو مئة أو مئتي نسخة؛ الوضع الآن ليس هكذا. كل شخص يمكنه استخدام الحاسوب. الحاسوب لوحده وسيلة إعلامية. إنهم يجلسون ويبثّون الشبهات والكلام والأفكار ليضلّوا الشباب المؤمن السليم.
مواجهة هذا الخطر مسؤولية العلماء والحوزات العلمية
جب معرفة هذه الأمور. من هو الشخص الذي يجب أن ينزل إلى وسط الميدان ويجعل صدره درعًا ويكون مانعًا لانحراف الشباب؟ من هو الذي يجب أن يقف في وجه أعمال العدو لحرف أذهان الشباب؟ على عاتق من يقع هذا العمل؟ على المجتمع العلمي والديني، أي علماء الدين، أول مسؤولية من مسؤولياتهم هي هذه؛ وهي أهم مسؤولياتهم الواجبة عليهم. المقابلة وجهًا لوجه، مواجهة هذا الجيش العظيم الذي لا يُعدّ ولا يحصى. ومكافحة العدو الذي يتدفّق ويهجم على إيمان الناس، على اعتقادات الناس، على سلامة نفوس الناس، على عفّة الشباب. يوجد الكثير من مواقع الإنترنيت التي تهدف إلى القضاء على عفّة الشباب وحياء الشباب المسلم –سواء الفتيان أو الفتيات- يريدون أن يمزّقوا ستارة الحياء. بالأصل فإنّ همّهم وهمّتهم على هذا ويخطّطون البرامج لهذا الهدف.
واجب علماء الدين إعداد أنفسهم لخوض معترك الفضاء الإفتراضي
حسنًا، بعض العناوين هي عناوين جرمية والأجهزة الحكومية المتنوعة تتحمّل مسؤولية مواجهتها وهي تواجهها. لكن ذلك الشيء المتعلّق بالذهن والفكر والقلب لا يمكن حلّه بالحركة والعمل الأمني والمخابراتي والعسكري. بل يحتاج إلى إدارة مناسبة للبلاء الذي يحلّ فيه. إنّ دواء ذلك المرض هو الشيء الذي لدى علماء الدين، لدى أهل الدين، لدى علماء المذهب. يجب علينا أن نجهّز أنفسنا: الكثير منّا ليس مجهّزًا، الكثير منّا لا يعلم وليس عنده معرفة، لا في بُعد الأقسام الصلبة ولا في بُعد البرمجيات. البعض ليس لديه أي معرفة أصلًا بهذه الأساليب الجديدة، ممّن لا معرفة لهم بالحاسوب وما شابه. لا يعرفون معناه ومضمونه ولا يدركون أهمية هذا العمل. نحن نشاهد هذا. يوجد بين المسؤولين أيضًا أشخاص لا يدركون أهمية هذا العمل الكبير بدقة وكما يجب وينبغي، ولهذا فإنهم لا يقومون بالأعمال والإجراءات المطلوبة في هذا المجال.
الفضاء المجازي؛ منافع ومضار لا تحصى
لقد أسّسنا المجلس الأعلى للفضاء الافتراضي لأجل هذه القضية2؛ لكي يجتمع المسؤولون ويجلسوا معًا ويفكّروا ويركّزوا جهودهم وقراراتهم وإجراءاتهم لمواجهة هذه الحادثة الكبرى. إنّ هذا مجال يوجد فيه منافع لا تُحصى ومضارّ لا تُحصى؛ هكذا هو مجال الفضاء الافتراضي؛ يمكن اكتساب الحدّ الأكثر من المنافع؛ وهذا هو العمل الذي يقوم به العدو، أنتم أيضًا يمكنكم الاستفادة بالحدّ الأكثر في الجهة المعاكسة؛ انشروا المفاهيم الإسلاميّة والمعارف الإسلاميّة دون أي مانع أو رادع؛ كما يقوم حاليًّا البعض من هؤلاء الناس المؤمنين، من الشباب المؤمن، من المعمّمين وغير المعمّمين، العلماء وغير العلماء –بعض هؤلاء الشباب من غير العلماء الذين هم أكثر نشاطًا وفعالية في هذا المجال- بإنجاز أعمال جيدة جدًّا؛ فجأة، ينشرون على مستوى العالم مطلبًا ما، مفهومًا ما، فكرة معينة ويروجونها، ما يربك الطرف المقابل فيحار ماذا يفعل.
مسؤولية الحوزات العلمية التعرف على الشبهات المطروحة
ما ينقص البعض على هذا الصعيد، عدم معرفتهم أصلًا بهذا العمل وهذه التقنيات. البعض كذلك لديه مشكلات في البرمجيات، فلا يعرف أجوبة الشبهات، بالأصل هو غير ملتفت إلى هذه الشبهة – لا يعرف ما هي الشبهات المطروحة اليوم- كانت هناك شبهة مطروحة منذ مئة سنة أو منذ خمسمئة سنة، من الممكن أن لا تكون مطروحة اليوم أصلًا؛ فنذهب نحن ونبحث في الكتب ونجد تلك الشبهة ثم نجد الإجابة عنها، أم لا، لنرى اليوم ما هي الشبهات الموجودة. بالتأكيد بعض شبهات اليوم هي نفسها شبهات قديمة ولكن قد ألبسوها لباسًا جديدًا. هذا النوع من الشبهات موجود ولكن أحيانًا أخرى هناك شبهات جديدة؛ يجب علينا التعرف إلى هذه الشبهات الجديدة، أن نعلمها. هذه هي أعمال الحوزات العلمية ويجب على الحوزات العلمية أن تتصدّى وتتقن هذه الأعمال.
وهذا لا يعني أننا نتخلّى عن الفقاهة ونضعها جانبًا. كلا، هذا عين الفقه.
الفقه ليس الأحكام العملية فقط. "فقه الله الأكبر"، هو المعارف الإسلامية. هناك شبهات حول المعارف الإسلامية. انظروا مثلًا في باب صلاة المسافر، حيث تطرح في إحدى مسائل صلاة المسافر عشرات الفروع. هكذا هي دقة نظر فقهائنا. عشرات الفروع في مسألة "اشتراط إباحة وحلّية السفر لصلاة القصر" على سبيل المثال3. حسنًا، هذه مسألة واحدة ولكن فروع هذه المسألة كثيرة إلى ما شاء الله. السيد4 مثلًا يطرح في العروة عشرة أو اثني عشر فرعًا أو أكثر. الآخرون كذلك يطرحون فروعًا أكثر في أماكن أخرى. حسنًا، الوضع هو هكذا أيضًا في المسائل الاعتقادية. في المسائل الاعتقادية كذلك يوجد هذا التفريق والتفرّع للشبهات الكثيرة. ذلك الطرف المقابل يلتقط نقطة صغيرة ويركّز عليها ويوجّه الأذهان نحوها ويصرفها عن غيرها. بناءً على هذا، فإنّ هذه المسألة هي إحدى مسؤولياتنا الأساسية. يجب على الحوزات العلمية أن تلتفت وتهتم بهذه المسائل.....
*من كلمة الإمام الخامنئي في الجلسة الأولى لدرس البحث الخارج وافتتاح العام الدراسي الحوزوي الجديد 6-9-2016
1- ديوان الحاج ميرزا حبيب؛ "إنني لوحة بيضاء وجاهزٌ لكلّ ما يُرسم عليها/ يدُ رسامي القدرة تصوّرني كيفما تشاء".
2- مراجعة حكم تأسيس وتعيين أعضاء المجلس الأعلى للفضاء الافتراضي (17-12-1390هـ.ش/ 7-3-2012م).
3- شرط كون السفر مباحًا وجائزًا لتقصير صلاة المسافر.
4- السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي
الشيخ مرتضى الباشا
إيمان شمس الدين
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطبطبائي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد جواد مغنية
السيد محمد حسين الطهراني
الفيض الكاشاني
الشيخ محمد هادي معرفة
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الشيخ عبد الجليل البن سعد: القيم والتقوى: ركائز الأمان والتمييز في بحور النفس والمجتمع
عبور لنهر هيراقليطس، أمسية لهادي رسول في الخبر
برنامج أسريّ بعنوان: (مودّة ورحمة) في جمعيّة تاروت الخيريّة
المشكلة الإنسانية، جديد الدكتور حسن العبندي
الأسرة الدافئة (2)
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (2)
حبيبة الحبيب
السيدةُ الزهراءُ: دُرّةَ تاجِ الجَلال
السّيادة والتّسيّد وإشكاليّات التّغيير، الزهراء عليها السلام نموذجًا (1)
نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته