لشهر رمضان المبارك مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة لدى الدين الإسلامي الحنيف والشريعة الإسلامية الغراء، ولقد خص الله عَزَّ وجَلَّ شهر رمضان بالذكر في كتابه العظيم دون غيره من الأشهر وذكره باسمه مرة واحدة في الآية ( 185 ) من سورة البقرة1، حين اكتفى بذكر سائر الشهور بصورة إجمالية حيث أشار إلى عدد الشهور وأنها إثنا عشر شهراً، فقال عَزَّ مِنْ قائل: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ...﴾ 2، كما لمَّحَ ببعض الشهور لكن لم يذكرها بالاسم.
تعريف شهر رمضان:
شهر رمضان المبارك هو الشهر التاسع من الأشهر العربية التي تُعرف بالقمرية أو الهلالية، وهو شهر الله وشهر الصيام وهو سيد الشهور وأفضلها، وهو شهر الصبر وشهر المواساة، وهو شهر نزول القرآن وربيعه، وهو أيضاً شهر نزول سائر الكتب السماوية.
ما هو معنى رمضان:
قال العلامة الطريحي 3: رمضان اسم للشهر، قيل سمي بذلك لأن وضعه وافق الرَمَض بالتحريك، وهو شدة وقع الشمس على الرمل وغيره، وجَمْعُهُ رمضانات وأرمضاء 4.
لكن هناك أحاديث مأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) تنهى عن ذكر رمضان مفردة عن شهر، وذلك لأن "رمضان" إسم من أسماء الله عَزَّ وجَلَّ.
فقد رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ 5 عَنْ أَبِيهِ عليه السَّلام ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: " لَا تَقُولُوا رَمَضَانَ، وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ، فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا رَمَضَان"ُ.
وَرَوَى عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السَّلام 6، قَالَ: كُنَّا عِنْدَهُ ثَمَانِيَةَ رِجَالٍ، فَذَكَرْنَا رَمَضَانَ.
فَقَالَ: " لَا تَقُولُوا هَذَا رَمَضَانُ، وَلَا ذَهَبَ رَمَضَانُ، وَلَا جَاءَ رَمَضَانُ، فَإِنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يَجِيءُ وَلَا يَذْهَبُ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ وَيَذْهَبُ الزَّائِلُ، وَلَكِنْ قُولُوا شَهْرُ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الشَّهْرَ مُضَافٌ إِلَى الِاسْمِ، وَالِاسْمُ اسْمُ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ، وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ جَعَلَهُ مَثَلًا وَعِيداً " 7.
شهر رمضان في القرآن الكريم:
قال الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ 8.
ليلة القدر قلب شهر رمضان:
ومما يزيد من مكانة هذا الشهر هو اشتماله على ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر كما صرَّح بذلك القرآن الكريم، حيث قال عَزَّ وجَلَّ: ﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ 9.
وقال عَزَّ مِنْ قائل: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ 10.
وَرَوَى عَمْرو الشَّامِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ 11 أنه قَالَ: " إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، فَغُرَّةُ الشُّهُورِ شَهْرُ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَقَلْبُ شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَنُزِّلَ الْقُرْآنُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَاسْتَقْبِلِ الشَّهْرَ بِالْقُرْآنِ " 12.
شهر نزول الكتب السماوية:
لقد شَرَّفَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ شهر رمضانَ باختياره من بين الأشهر الأخرى لإنزال الكتب السماوية الخمسة فيه على أنبيائه العظام، فقد أنزل الله جَلَّ جَلالُه الصُحُف على النبي إبراهيم الخليل عليه السَّلام، والتوراة على النبي موسى الكليم عليه السَّلام، والإنجيل على النبي عيسى روح الله عليه السَّلام، والزبور على النبي داود عليه السَّلام في شهر رمضان المبارك.
وَقَد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام أنه قال: "نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، ثُمَّ نَزَلَ فِي طُولِ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) : نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الزَّبُورُ لِثَمَانَ عَشَرَ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ " 13.
ما هو حَقُ شهر رمضان علينا ؟
لقد حَثَّ الإسلام على تكريم هذا الشهر العظيم واغتنام ساعاته وإحياء لياليه بالعبادة والصلاة والدعاء ونهاره بالصيام والاجتهاد في مرضاة الله والعمل الصالح، كما أشارت الأحاديث الشريفة إلى ذلك.
وقد رَوى أبو بصير عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السَّلام أنه قال: "... شَهْرُ رَمَضَانَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ مِنَ الشُّهُورِ، لَهُ حَقٌّ وَحُرْمَةٌ، أَكْثِرْ مِنَ الصَّلَاةِ مَا اسْتَطَعْتَ " 14.
ــــــــــــــــــــ
1- حيث قال الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
2- سورة التوبة ( 9 )، الآية: 36
3- فخر الدين بن محمد الطريحي، المولود سنة: 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق، والمتوفى سنة: 1087 هجرية بالرماحية، والمدفون بالنجف الأشرف / العراق.
4- مجمع البحرين: 4 / 208، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي، الطبعة الثانية سنة: 1365 شمسية، مكتبة المرتضوي، طهران / إيران.
5- أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق عليه السَّلام ، سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ).
6- أي الإمام محمد بن علي الباقر عليه السَّلام ، خامس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ).
7- الكافي: 4 / 69، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني، المُلَقَّب بثقة الإسلام، المتوفى سنة: 329 هجرية، طبعة دار الكتب الإسلامية، سنة: 1365 هجرية / شمسية، طهران / إيران.
8- سورة البقرة ( 2 )، الآية: 185.
9- سورة القدر ( 97 )، الآية: 1 5.
10- سورة الدخان ( 44 )، الآية: 1 4.
11- أي الإمام جعفر بن محمد الصَّادق عليه السَّلام ، سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ).
12- الكافي: 4 / 66.
13- الكافي: 2 / 629.
14- الكافي: 2 / 618.
الشيخ محمد الريشهري
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد مهدي الآصفي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد باقر الحكيم
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
لقمان الحكيم (1)
خطأ التفسير الميكانيكي للكون وقرود شكسبير
الانتظار والصراع بين المستضعفين والمستكبرين
أهمية الصورة الفنية
الغيب والشهود
أبعاد التغيير في مجتمع الجزيرة العربية (2)
عواقب لتخليق (الحياة المرآتية) على الحياة والأرض في المستقبل
أذى أهل الطائف لرسول الله
النفاق في صدر الإسلام
الوجود واحد وبسيط