قال أمير المؤمنين عليه السلام في ذمّه للدنيا وتحذيره منها:
أَمَّا بَعْدُ، فَإنِّي أُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا، فَإنَّهَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، وَتَحَبَّبَتْ بِالْعَاجِلَةِ، وَرَاقَتْ بِالْقَلِيلِ، وَتَحَلَّتْ بِالآمَالِ، وَتَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِ، لاَ تَدُومُ حَبْرَتُهَا، وَلاَ تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا.
غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ، حَائِلَةٌ زَائِلَةٌ، نَافِدَةٌ بَائِدةٌ، أَكَّالَةٌ غَوَّالَةٌ.
لاَ تَعْدُو إذَا تَنَاهَتْ إلَى أُمْنِيَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا، وَالرِّضَاءِ بِهَا، أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: {كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)} (سورة الكهف)"
اعلم أنّ مدار هذا الفصل على التحذير من الدنيا والتنفير عنها بذكر معايبها، وفيه نكت:
1 فالأولى: استعار لفظ الحلاوة والخضرة ("حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ") المتعلقين بحسي الذوق والبصر لما يروق النّفس منها ويلذّ...
2 الثانية: وصف الدنيا بكونها محفوفة بالشهوات ("حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ") وفي الخبر: "حُفّت الجنّة بالمكاره، وحُفّت النار بالشهوات"...
ويكون المعنى... أنّ النار إنّما تُدخل بالانهماك في مُشتهيات الدنيا والخروج في استعمالها عمّا ينبغي إلى ما لا ينبغي، فكأنّها لذلك محفوفة ومحاطة بالشهوات لا يدخل إليها إلّا منها.
وأراد "بِالْعَاجِلَةِ" اللّذات الحاضرة التي مالَتْ القلوب إلى الحياة الدُنيا بسببها فأشبهت المرأة المتحبّبة بمالها وجمالها، فاستُعير لها لفظ التحبّب ("وَتَحَبَّبَتْ")
وكذلك قوله "رَاقَتْ بِالْقَلِيلِ" أي أعجبت بزينتها القليلة بالنسبة على متاع الآخرة كميّة وكيفيّة.
وكذلك تحلّيها بالآمال الكاذبة المنقطعة ("وَتَحَلَّتْ بِالآمَالِ")، وبزينتها مما هو في نفس الأمر غرور وباطل ("وَتَزَيَّنَتْ بِالْغُرُورِ") فإنّه لولا الغرور والغفلة عن عاقبتها لما زانت في عيون طالبيها.
"لاَ تَدُومُ حَبْرَتُهَا" الحبرة هي السرور "وَلاَ تُؤْمَنُ فَجْعَتُهَا" والفجعة هي الرزيّة والمصيبة.
3 الثالثة: استعار لها أوصاف المحتالة الخدوع، وهي كونها غرّارة وغوّالة ("غَرَّارَةٌ ضَرَّارَةٌ، حَائِلَةٌ زَائِلَةٌ") أي كثيرة الاستغفال لأهلها والخداع لهم، ووصف السبع العقور لكونها أكّالة لهم ("نَافِدَةٌ بَائِدةٌ، أَكَّالَةٌ غَوَّالَةٌ")
وكنّى بالأوّلين عن كونها كالمخادع في كونها سبباً لغفلتهم عمّا خُلقوا لأجله والاشتغال بها والانهماك في لذّتها، وبالأكّالة عن كونها كالسبع في إفنائهم بالموت وطحنهم تحت التراب.
4 الرابعة: معنى قوله: "لاَ تَعْدُو إذَا تَنَاهَتْ إلَى أُمْنِيَّةِ أَهْلِ الرَّغْبَةِ فِيهَا، وَالرِّضَاءِ بِهَا، أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى: {كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)}"
أنّ غاية صفائها للراغبين فيها والراضين بها وموافقتها لهم لا يتجاوز المَثَل (الوارد في الآية القرآنية)، وهو: أنْ تُزهر في عيونهم وتروقهم محاسنها، ثم عن قليل تزول عنهم فكأنّها لم تكن...
ـــــــــــــ
من كتاب "شرح نهج البلاغة" لكمال الدين ميثم البحراني رضوان الله تعالى
حيدر حب الله
محمود حيدر
السيد عباس نور الدين
عدنان الحاجي
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ علي المشكيني
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
كيف يكون الله حاضراً في حياتنا؟
﴿الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَهُ﴾
فائدة البحث في المكّي والمدني من السور القرآنية
ميتافيزيقا المثنَّى؛ دُربة المعرفة إلى توحيد الله وتوحيد العالم (4)
ناصر الوسمي في نادي روافد الأدبي: ما لم تقله العتبات
المبدعون أوتاد الله في أرضه
آليات في الدماغ تميّز بين الواقع والخيال
الإيثار، عنوان الحلقة الجديدة من برنامج (قصّة اليوم) لسينما قروب
ميتافيزيقا المثنَّى؛ دُربة المعرفة إلى توحيد الله وتوحيد العالم (3)
في مفهوم ولطائف آية: (وَلَكُمْ في الْقِصَاصِ حَيَاةٌ)