مقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

فلسفة وجود عيد الأضحى

عيد الأضحى في كلام سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

 عيد الأضحى؛ تجليّ عظمة الإسلام في مؤتمر الحجّ

(إنّ لعيد الأضحى خصوصيّة فريدة جعلته من أهمّ أيّام الله وأيّام عبادته).

(نحن المسلمين، نصوم شهر رمضان الكريم ونتوب فيه من الذنوب ونحتفل آخره لما وفقنا الله فيه من العبادة، كذلك عندما ينتهي زوّار بيت الله الحرام من مناسك الحج، يحتفلون بعيد الأضحى ولكن لا تنحصر آثار أعمالهم بهم فحسب وإنّما ما يحصل به هو مجد للإسلام وعظمة للعالم الإسلامي وهذا هو دور مؤتمر الحج).

(اختار الله سبحانه عيد الأضحى لضيافة حجاج بيت الله بأجمعهم فهم ضيوف الله فينبغي الاحتفال بهذه الضيافة).

 

عيد الأضحى؛ رمز فداء رجل ربّانيّ عظيم وبطل التوحيد

(إحدى مناسك الحجّ في اليوم العاشر من ذي الحجّة الحرام هو أن يضحّي الحاجّ بأحد الأنعام في منى، وهذه فريضة إسلاميّة صريحة على كلّ مسلم؛ ولكن أحد الأسرار التي تكمن فيه هي إحياء ذكرى ما قام به الرجل الربّاني العظيم وبطل التوحيد، النبيّ إبراهيم خليل الله(عليه السلام) من الفداء).

(إنّ قضيّة إبراهيم الخليل(ع) هي أن الله سبحانه أمره بذبح ابنه الغالي في أرض منى في سبيل الله إكمالاً لروحه وإثباتاً لكفاءته واستعداده للفداء في سبيل الله، وأنّ ذلك كان اختباراً منه سبحانه لإبراهيم (عليه السلام)، ولذلك عندما تهيّأ (عليه السلام) للتضحية طاعة لأمر ربّه، جاءه النداء الربّانيّ بأن يذبح الكبش بدلاً من ابنه. ولذلك يحيي زوار بيت الله ذكرى إخلاص إبراهيم (عليه السلام) وقوّة إيمانه وفداءه في القلب بالتضحية بأحد الأنعام (خروف، أو بقرة أو إبل) بأرض منى، وبذلك يتذاكرون فيما بينهم درس التضحية والفداء، وكأنّهم يقولون فعلاً بأنّ الرجل الربانيّ هو الذي يفدي جميع ما عنده في سبيل الله ـ كما فدا سيدنا إبراهيم (عليه السلام) بكلّ ما عنده ـ وهذه عبق من أسرار التضحية في أرض منى).

 

عيد الأضحى؛ عيد الطاعة

(يحتفل زوار بيت الله في منى بعيد الأضحى الذي هو ثاني أكبر أعياد المسلمين بعد أداء فريضة الحجّ والانتهاء من أغلب مراحله، فيواكبهم سائر المسلمين بالاحتفال بهذا العيد الإلهي).

 

عيد الأضحى؛ التسليم والرضا بالأمر الإلهيّ

(إنّ إبراهيم (عليه السلام) نجح مرات عديدة في عظيم ما امتحنه واختبره الله فيه، وهذه المرة أيضاً سلّم أمر ربّه، وأقدم على ذبح فلذة كبده الذي انتظره طوال حياته والذي بلغ وصار شابّاً. فمن جهة، الأب يصارح ابنه البالغ من العمر(13) عامًا بقضيّة الذبح، ويطلب منه إبداء رأيه فيها، حيث جعله هنا شخصيّة مستقلّة حرّة الإرادة، وكان يريد إشراك ولده في هذا الجهاد العظيم مع النفس، وأن يذوق حلاوة التسليم والرضا بالأمر الإلهي مثل أبيه. ومن جهة أخرى، عمد الابن إلى ترسيخ عزم وتصميم والده في تنفيذ ما أمر به، إذ لم يقل له: اذبحني، وإنّما قال له: افعل ما أمرت به، فإنّني مستسلم لهذا الأمر، وخاصّة أنّه خاطب أباه بكلمة "يا أَبَتِ" كي يوضّح أنّ هذه القضيّة لا تقلّل من عاطفة الابن تجاه أبيه ولو بمقدار ذرّة).

(إن إبراهيم (عليه السلام) أظهر أدبًا رفيعًا تجاه ربّه سبحانه وتعالى، لئلا يعتمد أحد على إيمانه وإرادته وتصميمه فقط، وإنّما يعتمد على إرادة ومشيئة اللّه، وبعبارة أخرى: أن يطلب توفيق الاستعانة والاستقامة من اللّه. وبهذا الشكل يجتاز الأب وابنه المرحلة الأولى من هذا الامتحان الصعب بنجاح كامل). ‏

 

عيد الأضحى؛ الخلاص من التعلّق النفسانيّ

(في لحظات خطيرة كان ينبغي الامتثال إلى الأمر الإلهيّ، وحين رأى الوالد استسلام ولده لأمر الله ضمّه إلى صدره وقبّل وجهه وبكيا معاً، والبكاء تعبير عن المشاعر النبيلة بينهما ومقدّمة لملاقاة الّله شوقاً إليه،  والقرآن يصف هذا المشهد فيقول: "فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ". رأى البعض بأنّ المراد من عبارة "تَلَّهُ لِلْجَبِينِ" هو أنّه وضع جبين ولده ـ طبقاً لاقتراحه ـ على الأرض، حتّى لا تقع عيناه على وجه ابنه فتهيج لديه عاطفة الأبوّة وتمنعه من تنفيذ الأمر الإلهي المقدس! فجعل إبراهيم (عليه السلام) وجه إسماعيل (عليه السلام) على الأرض ووضع السكين على نحره ولكنّ السكين لم تؤثّر به شيئاً، فتحيّر إبراهيم (عليه السلام) من ذلك، فأعاد عليه السكين مرة أخرى فلم تؤثّر أيضاً. فالخليل يأمر السكين أن "اذبحي" والجليل ينهاها ويقول "لا تذبحي" والسكين لا تمتثل إلا أمر الجليل. وهنا ينهي القرآن الكريم الانتظار بتعبير قصير كثير المعنى ويقول: "وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ"...  "قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا". ويقول سبحانه: نحن نمنحهما توفيق النجاح في الامتحان والابتلاء، ونحفظ لهم ولدهم العزيز، نعم فالذي يستسلم تماماً وبكلّ وجوده للأمر الإلهي ويصل إلى أقصى درجات الإحسان، لا مكافأته له غير هذه. ثم يزيد: "إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ").

 

عيد الأضحى؛ مكافأة العباد المخلصين المؤمنين

(ورد في بعض الروايات أنّه حين أقدم إبراهيم (عليه السلام) على ذبح ابنه اسماعيل، نادى جبرائيل عجباً: الله أكبر الله أكبر... فنادى إسماعيل (عليه السلام): لا إله إلا الله، والله أكبر... فهتف أبوه بطل الفداء: الله أكبر ولله الحمد، وهذه الأذكار تشبه ما نردّده في عيد الأضحى.

 

الذبح العظيم؛ مكافأة نجاح نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) في الابتلاء الإلهيّ

(ولكي لا ينقطع مشروع إبراهيم ويكون قد فدى في سبيل ربّه وحقّق إرادته، فإنّ الله سبحانه تعالى بعث إليه كبشاً ليفدي به بدلاً من ولده وتكون هذه سنّة لمن بعدهم في مناسك الحجّ وفي أرض منى، كما يقول سبحانه في القرآن الكريم: "وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ"  فلم يثن الله سبحانه على نجاح إبراهيم (عليه السلام) في هذا البلاء العظيم فحسب، وإنّما خلد ذكرى هذا الفداء، كما قال في الآية التالية: "وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ". إنّ الله سبحانه وتعالى يؤيّد نجاح إبراهيم في المرحلة الأولى من ابتلاءه العظيم، ويتقبّل ذلك منه، وهذا في حدّ ذاته جزاء ومكافأة عظيمة وهي أهمّ بشارة لإبراهيم (عليه السلام). ثمّ طرح سبحانه مسألة "التضحية بالذبح العظيم" و"خلود ذكرى إبراهيم وسنّته" و"سلام الله عليه" على أنّها مواهب ثلاثة أخر للمحسنين.

 

عيد الأضحى؛ يوم التصدّق على الفقراء والمساكين ومعونتهم

(وعلينا أن نعرف رأي الدين بالنسبة إلى لحوم الذبائح وهل على المسلمين تجاهها فرض ووظيفة معيّنة؟ للإجابة على هذا السؤال، نرجع إلى القرآن الكريم ونجد أنّ سورة الحجّ تأمر كلّ من يضحّي في يوم العيد بمنى أن: "اأطْعِمُوا الْبائِسِ الفَقير". ويقول الله سبحانه في موضع آخر: "فَكُلُوا مِنْها وَاطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرّ").

 

الاستهلاك الصحيح؛ إكمال لفوائد عيد الأضحى المعنويّة

(ذكر الفقهاء في الرسائل العمليّة بلزوم تقسيم لحم الأضحية إلى ثلاثة أقسام: قسم لصاحب الأضحية، وقسم للمؤمنين والآخر للفقراء والمساكين. وهذه الإرشادات الصريحة دليل على أنّ فلسفة ذبح هذه الأنعام، إضافة إلى فائدتها المعنويّة، هي صرفها في الموارد الصحيحة وعدم الإسراف والتبذير بها).

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد